Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 60-68)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمنافقون جمع منافق ، وهو الذى يظهر الإِسلام ويخفى الكفر . والذين فى قلوبهم مرض هم قوم ضعاف الإِيمان ، قليلو الثبات على الحق . والمرجفون فى المدينة هم الذين ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين ويلقون الأكاذيب الضارة بهم ويذيعونها بين الناس . وأصل الإِرجاف التحريك الشديد للشئ ، مأخوذ من الرجفة التى هى الزلزلة . ووصف به الأخبار الكاذبة ، لكونها فى ذاتها متزلزلة غير ثابتة ، أو لإِحداثها الاضطراب فى قلوب الناس . وقد سار بعض المفسرين ، على أن هذه الأوصاف الثلاثة ، كل وصف منها لطائفة معينة ، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هى طائفة المنافقين ، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات . قال القرطبى قوله { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ … } أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشئ واحد … والواو مقحمة كما فى قول الشاعر @ إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة فى المزدحم @@ أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتبية . وقيل كان منهم قوم يرجفون ، وقوم يتبعون النساء للريبة ، وقوم يشككون المسلمين … وقد سار صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين ، فقال { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } قوم كان فيهم ضعف إيمان ، وقلة ثبات عليه … { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت ، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين . والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التى تسوؤهم وتنوؤهم . وقوله { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } جواب القسم . أى لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد ، يقال أغرى فلان فلانا بكذا ، إذا حرضه على فعله . وقوله { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } معطوف على جواب القسم . أى لنغرينك بهم ثم لا يبقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا ، يرتحلون بعده بعيدا عنكم ، لكى تبتعدوا عن شرورهم . وجاء العطف بثم فى قوله { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ } للإِشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين ، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباهههم . وقوله { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ } أى مطرودين من رحمة الله - تعالى - ومن فضله ، أينما وجدوا وظفر بهم المؤمنون . و { مَّلْعُونِينَ } منصوب على الحال من فاعل { يُجَاوِرُونَكَ } و { ثُقِفُوۤاْ } بمعنى وجدوا . تقول ثقفت الرجل فى الحرب أثقفه ، إذا أدركته وظفرت به . وقوله { أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } بيان لما يحيق بهم من عقوبات عند الظفر بهم . أى هم ملعونون ومطرودون من رحمة الله بسبب سوء أفعالهم ، فإذا ما أدركوا وظفر بهم ، أخذوا أسارى أذلاء ، وقتلوا تقتيلا شديدا ، وهذا حكم الله - تعالى - فيهم حتى يقلعوا عن نفاقهم وإشاعتهم قالة السوء فى المؤمنين ، وإيذائهم للمسلمين والمسلمات . ثم بين - سبحانه - أن سنته قد اقتضت تأديب الفجار والفسقة حتى يقلعوا عن فجورهم وفسقهم فقال { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ … } وقوله { سُنَّةَ } منصوب على أنه مصدر مؤكد . أى سن الله - تعالى - ذلك سنة ، فى الأمم الماضة من قبلكم - أيها المؤمنون - بأن جعل تأديب الذين يسعون فى الأرض بالفساد ، ويؤذون أهل الحق ، سنة من سننه التى لا تتخلف . { وَلَن تَجِدَ } - أيها الرسول الكريم - { لِسُنَّةِ ٱللَّهِ } الماضية فى خلقه { تَبْدِيلاً } أو تحويلا ، لقيامها على الإِرادة الحكيمة ، والعدالة القويمة . ثم بين - سبحانه - أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا هو فقال { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } . والسائلون هنا قيل هم اليهود ، وسؤالهم عنها كان بقصد التعنت والإِساءة إلى النبى صلى الله عليه وسلم . أى يسألك اليهود وأشباههم فى الكفر والنفاق عن وقت قيام الساعة ، على سبيل التعنت والامتحان لك . { قُلْ } لهم - أيها الرسول الكريم - { إِنَّمَا } علم وقت قيامها عند الله - تعالى - وحده ، دون أى أحد سواه . { وَمَا يُدْرِيكَ } أى وما يعلمك { لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } أى . لعل قيامها وحصولها يتحقق فى وقت قريب ، ولكن هذا الوقت مهما قرب لا يعلمه إلا علام الغيوب - سبحانه - . ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " بعثت أنا والساعة كهاتين " ويشير إلى إصبعيه السبابة والوسطى . ثم بين - تعالى - ما أعده للكافرين من عقاب فقال { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ } بأن طردهم من رحمته ، وأبعدهم عن مغفرته . { وَأَعَدَّ لَهُمْ } فوق ذلك فى الآخرة { سَعِيراً } أى نارا شديدة الاشتعال والاتقاد . { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى خالدين فيها خلودا أبديا لا خروج لهم منها معه . { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أى لا يجدون من يحول بينهم وبين الدخول فى هذه النار المسعرة ، كما لا يجدون من يخلصهم من عذابها وسعيرها . ثم بين - سبحانه - حسراتهم عندما يحل بهم العذاب فى الآخرة فقال يوم تقلب وجوههم فى النار ، يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . و { يَوْمَ } ظرف لعدم الوجدان لمن يدافع عنهم أو ينصرهم أى لا يجدون من يدفع عنهم العذاب يوم تقلب وجوههم فى النار تارة إلى جهة ، وتارة إلى جهة أخرى ، كما يقلب اللحم عند شوائه . وحينئذ يقولون على سبيل التحسر والتفجع يا ليتنا أطعنا الله - تعالى - فيما أمرنا به ، وأطعنا رسوله فيما جاءنا به من عند ربه . قال صاحب الكشاف وقوله { تُقَلَّبُ } بمعنى تتقلب ، ومعنى تقليبها تصريفها فى الجهات ، كما ترى البيضة تدور فى القدر إذا غلت ، فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة . أو تغييرها عن أحوالها وتحويلها عن هيئاتها ، أو طرحها فى النار مقلوبة منكوسة . وخصت الوجوه بالذكر ، لأنه الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة . { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } ، أى وقال هؤلاء الكافرون - بعد هذا التحسر والتفجع - يا ربنا إنا أطعنا فى الدنيا { سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا } أى ملوكنا ورؤساءنا وزعماءنا ، فجعلونا فى ضلال عن الصراط المستقيم ، وعن السبيل الحق . { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أى يا ربنا أنزل بهؤلاء السادات والكبراء عذابا مضاعفا ، بسبب ضلالهم فى أنفسهم ، وبسبب إضلالهم لغيرهم . { وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } أى واطردهم من رحمتك ، وأبعدهم عن مغفرتك ، إبعادا شديدا عظيما ، فهم كانوا سببا لنا فى هذا العذاب المهين الذى نزل بنا . وهكذا نرى الآيات الكريمة ، تصور لنا أحوال الكافرين فى الآخرة هذا التصوير المؤثر ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حى عن بينة . وبعد أن فصلت السورة الكريمة ما فصلت من أحكام ، وأرشدت إلى ما أرشدت من آداب ، وقصت ما قصت من أحداث … بعد كل ذلك وجهت فى أواخرها نداءين إلى المؤمنين ، أمرتهم فيهما بتقوى الله - تعالى - وبالاقتداء بالأخيار من عباده ، وباجتناب بسلوك الأشرار ، كما ذكرتهم بثقل الأمانة التى رضوا بحلمها ، وبحسن عاقبة الصالحين وسوء عاقبة المكذبين ، قال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } .