Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 69-73)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمراد بالذين آذوا موسى - عليه السلام - فى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ … } قومه الذين أرسله الله إليهم . فقد حكى القرآن الكريم ألوانا من إيذائهم له ، ومن ذلك قولهم له { يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ … } وقولهم { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } ومن إيذائهم له - عليه السلام - ما رواه الإِمام البخارى والترمذى عن أبى هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شئ ، فآذاه من آذاه من بنى إسرائيل ، وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما آفة . وإن الله - تعالى - أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإن موسى خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، وأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول ثوبى حجر ، ثوبى حجر حتى انتهى إلا ملأ بنى إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله - تعالى - ، وأبرأه الله - تعالى مما يقولون … " فذلك قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ … } . والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلى الله عليه وسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذى سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - حيث آذوه بشتى أنواع الأذى . وقولهم { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ … } واتخاذهم العجل إلها من دون الله فى غيبة نبيهم موسى - عليه السلام - … { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } أى فأظهر الله - تعالى - براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء . { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } أى وكان عند الله - تعالى - ذا جاه عظيم ، ومكانه سامية ، ومنزلة عالية ، حيث نصره - سبحانه - عليهم ، واصطفاه لحمل رسالته … يقال وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر … ثم أمرهم - سبحانه - بمراقبته وبالخوف منه ، بعد أن نهاهم عن التشبه ببنى إسرائيل فى إيذائهم لنبيهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً … } . والقول السديد هو القول الصادق الصحيح الخالى من كل انحراف عن الحق والصواب ، مأخوذ من قولك سدد فلان سهمه يسدده ، إذا وجهه بإحكام إلى المرمى الذى يقصده فأصابه . ومنه قولهم سهم قاصد . إذا أصاب الهدف . أى يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه فى كل ما تأتون وما تذرون ، وفى كل ما تقولون وما تفعلون ، وقولوا قولا كله الصدق والصواب . فإنكم إن فعلتم ذلك { يُصْلِحْ } الله - تعالى - { لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } بأن يجعلها مقبولة عنده { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } التى فرطت منكم ، بأن بمحوها عنكم ببركة استقامتكم فى أقوالكم وأفعالكم . { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فى كل الأقوال والأعمال { فَقَدْ فَازَ } فى الدارين { فَوْزاً عَظِيماً } لا يقادر قدره ، ولا يعلم أحد كنهه وعلو منزلته . ثم بين - سبحانه - ضخامة التبعة التى حملها الإِنسان فقال { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ … } . وأرجح الأقوال وأجمعها فى المراد بالأمانة هنا أنها التكاليف والفرائض الشرعية التى كلف الله - تعالى - بها عباده ، من إخلاص فى العبادة ، ومن أداء للطاعات ، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه . وسمى - سبحانه - ما كلفنا به أمانة ، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا - سبحانه - بها ، وائتمننا عليها ، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها ، وأداءها بدون إخلال بشئ منها . والمراد بالإِنسان آدم - عليه السلام - أو جنس الإِنسان . والمراد بحمله إياها تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهى مع ثقلها وضخامتها . وللعلماء فى تفسير هذه الآية اتجاهات ، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته ، وأن الله - تعالى - قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة ، على السماوات والأرض والجبال { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } لثقلها وضخامتها { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أى وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير فى أداء ما كلفن بأدائه . { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } أى وقبل الإِنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه ، بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال حملها ، وأشفقن منها . { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } أى إنه كان مفرطا فى ظلمه لنفسه ، ومبالغة فى الجهل ، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله - تعالى - بأدائه . وإنما منهم من أداها على وجهها - وهم الأقلون - ، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه ، وخان الأمانة التى التزم بأدائها . فالضمير فى قوله { إِنَّهُ } يعود على بعض أفراد جنس الإِنسان ، وهم الذين لم يؤدوا حقوق هذه الأمانة التى التزموا بحملها . قال الآلوسى { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } أى بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة ، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى فى صدق الحكم على الجنس بشئ ، وجوده فى بعض أفراده ، فضلا عن وجوده فى غالبها … وقال بعض العلماء ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلى معروف فى اللغة التى نزل بها القرآن . وقد جاء فعلا فى آية من كتاب الله ، وهى قوله - تعالى - { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ … } لأن الضمير فى قوله { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلى ، كما هو ظاهر . وهذه المسألة هى المعروفة عند علماء العربية بمسألة عندى درهم ونصفه . أى ونصف درهم آخر . وأصحاب هذا الاتجاه يقولون لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله - تعالى - إدراكا ونطقا للسماوات والأرض والجبال ، ولكن هذا الإِدراك والنطق لا يعلمه إلا هو - سبحانه - . ومما يشهد لذلك قوله - تعالى - { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } قال الجمل وكان هذا العرض عليهن - أى على السماوات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما ، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها . والجمادات كلها خاضعة لله - تعالى - مطيعة لأمره ، ساجدة له . قال بعض أهل العلم ركب الله - تعالى - فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة ، حتى عقلن الخطاب ، وأجبن بما أجبن . ويرى بعضهم أن العرض فى الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل ، أو من قبيل المجاز . قال الإِمام القرطبى ما ملخصه لما بين - تعالى - فى هذه السورة من الأحكام ما بين ، أمر بالتزام أوامره ، والأمانة تعم جميع وظائف الدين ، على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور … ويصح أن يكون عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة … وقال القفال وغيره العرض فى هذه الآية ضرب مثل ، أى أن السماوات والأرض والجبال على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها ، لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب . أى أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال ، وقد حمله الإِنسان وهو ظلوم جهول لو عقل . وهذا كقوله { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ … } وقال قوم إن الآية من المجاز أى أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فَعُبِّر عن هذا بعرض الأمانة . كما تقول عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه … وقيل { عَرَضْنَا } يعنى عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال ، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة . ورجحت الأمانة بثقلها عليها … ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول ، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه ، فلا داعى لصرفه عن ذلك . ومما لا شك أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها أن تخلق فى السماوات والأرض والجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو - سبحانه - . واللام فى قوله - سبحانه - { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ … } متعلقة بقوله { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ … } . أى وحملها الإِنسان ليعذب الله - تعالى - بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يؤدوا ما التزموا بحمله وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات { وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أى ويقبل الله - تعالى - توبة المؤمنين والمؤمنات ، بأن يكفر عنهم سيئاتهم وخطاياهم . { وَكَانَ ٱللَّهُ } - تعالى - ما زال { غَفُوراً رَّحِيماً } أى واسع المغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . أما بعد فهذا تفسير لسورة الأحزاب نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده … والحمد الله الذى بنعمته تتم الصحالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .