Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-21)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و { لِسَبَإٍ } فى الأصل اسم لرجل ، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ، وهو أول ملك من ملوك اليمن … والمراد به هنا الحى أو القبيلة المسماة باسمه ، فيصرف على الأول ويترك صرفه على الثانى . وكانوا يسكنون بمأْرِب باليمن ، على مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء وكانت أرضهم مخصبة ذات بساتين وأشجار متنوعة ، وزاد خيرهم ونعيمهم بعد أن اقاموا سدا ، ليأخذوا من مياه الأمطار على قدر حاجتهم ، وكان هذا السد يعرف بسد مأرب ، ولكنهم لم يشكروا الله - تعالى - على هذه النعم ، فسلبها - سبحانه - منهم . قال ابن كثير كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها ، وكانت التبابعة منهم ، وبلقيس منهم ، وكانوا فى نعمة وغبطة ، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ، ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله ، ثم أعرضوا عما أمروا به ، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق فى البلاد . أخرج الإِمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال " إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ؟ رجل أم امرأة أم أرض ؟ فقال صلى الله عليه وسلم بل هو رجل . كان له عشرة أولاد ، سكن اليمن منهم ستة ، وهم مَذْحِجْ ، وكِنْدَه ، والأزد ، والأشعريون ، وأنمار ، وحِميْر . وسكن الشام منهم أربعة وهم لَخْم ، وجُذَام ، وعامِلَةُ ، وغسَّان " . وإنما سمى " سبأ " لأنه أول من سبأ فى العرب - أى جمع السبايا - ، وكان يقال له الرائش ، لأنه أول من غنم فى الغزو فأعطى قومه ، فسمى الرائش ، والعرب تسمى المال - ريشا ورياشا ، وذكروا أنه بشر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فى زمانه المتقدم " . والمعنى والله لقد كان لقبيلة سبأ فى مساكنهم التى يعيشون فيها { آيَةٌ } بينة واضحة ، وعلامة ظاهرة تدل على قدرة الله - تعالى - وعلى فضله على خلقه وعلى وجوب شكره على نعمه ، وعلى سوء عقابة الجاحدين لهذه النعم . فالمراد بالآية العلامة الواضحة الدالة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وبديع صنعه ، ووجوب شكره ، والتحذير من معصيته . ثم وضح - سبحانه - هذه الآية فقال { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أى كانت لأهل سبأ طائفتان من البساتين والجنان طائفة من يمين بلدهم ، وطائفة أخرى عن شماله . وهذه البساتين المحيطة بهم كانت زاخرة بما لذ وطاب من الثمار . قالوا كانت المرأة تمشى تحت أشجار تلك البساتين وعلى رأسها المكتل ، فيمتلئ من أنواع الفواكه التى تتساقط فى مكتلها دون جهد منها . ولفظ { جَنَّتَانِ } مرفوع على البدل من { آيَةٌ } أو على أنه مبتدأ ، وخبره قوله { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } . وقوله - تعالى - { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ . … } مقول لقول محذوف . أى وقلنا لهم على ألسنة رسلنا ، وعلى ألسنة الصالحين منهم ، كلوا من الأرزاق الكريمة ، والثمار الطيبة ، التى أنعم بها ربكم عليكم ، واشكروا له - سبحانه - هذا العطاء ، فإنكم إذا شكرتموه زادكم من فضله وإحسانه . وقوله { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } كلام مستأنف لبيان موجبات الشكر . أى هذه البلدة التى تسكنونها بلدة طيبة لاشتمالها على كل ما تحتاجونه من خيرات ، وربكم الذى أعطاكم هذه النعم ، رب واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه وأناب ، ويعفو عن كثير من ذنوب عباده بفضله وإحسانه . ثم بين - سبحانه - ما أصابهم بسبب جحودهم وبطرهم فقال { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } . والعرم اسم للوادى الذى كان يأتى منه السيل . وقيل هو المطر الشديد الذى لا يطاق . فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة . أى أرسلنا عليهم السيل الشديد المدمر . ويرى بعضهم أن المراد بالعرم السدود التى كانت مبنية لحجز الماء من خلفها ، ويأخذون منها لزروعهم على قدر حاجتهم ، فلما أصيبوا بالترف والجحود تركوا العناية بإصلاح هذه السدود ، فتصدعت ، واجتاحت المياه آراضيهم فأفسدتها ، واكتسبت مساكنهم ، فتفرقوا عنها ، ومزقوا شر ممزق ، وضربت بهم الأمثال التى منها قولهم تفرقوا أيدى سبأ . وهو مثل بضرب لمن تفرق شملهم تفرقا لا الاجتماع لهم معه . وهذا ما حدث لقبيلة سبأ فقد تفرق بعضهم إلى المدينة المنورة كالأوس والخزرج ، وذهب بعضهم إلى عمان كالأزد ، وذهب بعضهم إلى الشام كقبيلة غسان . وقوله { ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ } الأكل هو الثمر ، ومنه قوله - تعالى - { فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } أى ثمرها . والخمط هو ثمر الأراك أو هو النبت المر الذى لا يمكن أكله . والأثل هو نوع من الشجر يشبه شجر الطرفاء . أو هو نوع من الشجر كثير الشوك و السدر هو ما يعرف بالنبق . أو هو نوع من الثمار التى يقل الانتفاع بها . والمعنى فأعرض أهل سبأ عن شكرنا وطاعتنا … فكانت نتيجة ذلك ، أن أرسلنا عليهم السيل الجارف ، الذى اجتاح أراضهيم ، فأفسد مزارعهم ، وأجلاهم عن ديارهم ، ومزقهم شر ممزق … وبدلناهم بالجنان اليانعة التى كانوا يعيشون فيها ، بساتين أخرى قد ذهبت ثمارها الطيبة اللذيذة ، وحلت محلها ثمار مرة لا تؤكل ، وتناثرت فى أماكنهم الأشجار التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ، بدلا من تلك الأشجار التى كانت تحمل لهم ما لذ وما طاب ، وعظم نفعه . فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن الجحود والبطر ، يؤديان إلى الخراب والدمار ، وإلى زوال النعم وتحويلها إلى نقم . ولذا جاء التعقيب بعد هذه الآية بقوله - تعالى - { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } . أى ذلك الذى فعلناه بهم من تدبيل جنتيهم ، بحنتين ذواتى أكل خمط . . هو الجزاء العادل لهم بسبب جحودهم وترفهم وفسوقهم عن أمرنا . وإننا من شأننا ومن سنتنا أننا لا نعاقب ولا نجازى هذا الجزاء الرادع الشديد ، إلا لمن جحد نعمنا ، وكفر بآياتنا ، وآثر الغى على الرشد ، والعصيان على الطاعة . فاسم الإِشارة يعود إلى التبديل الذى تحدثت عنه الآية السابقة . وهو المفعول الثانى لجزيناهم مقدم عليه . أى جزيناهم ذلك التبديل لا غيره . والمراد بالجزاء هنا العقاب . قال صاحب الكشاف قوله { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } بمعنى وهل يعاقب . وهو الوجه الصحيح . وليس لقائل أن يقول لم قيل وهل يجازى إلا الكفور ، على اختصاص الكفر بالجزاء ، والجزاء عام للمؤمن والكافر ، لأنه لم يرد الجزاء العام وإنما أريد الخاص وهو العقاب . ثم بين - سبحانه - نقمة أخرى أصابتهم بسبب جهلهم وحمقهم ، وكيف أن هذه النقمة قد حلت محل نعمة كانوا فيها ، فقال - تعالى - { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } . أى وجعلنا - بقدرتنا ورحمتنا بين أهل سبأ { وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } كمكة فى الجزيرة العربية ، وكبيت المقدس فى بلاد الشام ، جعلنا بينهم وبين تلك القرى المباركة ، { قُرًى ظَاهِرَةً } أى قرى متقاربة متواصلة ، بحيث يرى من فى إحداها غيرها . { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } أى وجعلنا زمن السير من قرية إلى أخرى مقدرا محددا ، بحيث لا يتجاوز مدة معينة قد تكون نصف يوم أو أقل . وقالوا كان المسافر يخرج من قرية ، فيدخل الأخرى قبل حلول الظلام بها . وقوله { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } مقول لقول محذوف . أى وقلنا لهم سيروا فى تلك القرى المتقاربة العامرة بالخيرات ، والتى توصلكم إلى القرى المباركة … سيروا فيها ليالى وأياما آمنين من كل شر سواء سرتم بالليل أم بالنهار ، فإن الأمن فيها مستتب فى كل الأوقات وفى كل الأحوال . فالآية الكريمة تحكى نعمة عظمى أخرى أنعم الله - تعالى - بها على أهل سبأ ، وهى نعمة تيسير سبل السفر لهم إلى القرى المباركة ، وتهيئة الأمان والاطمئان لهم خلال سفرهم ، وهى نعمة عظمى لا يدرك ضخامتها إلا من مارس الأسفار من مكان إلى آخر . ولكنهم لم يقدروا هذه النعمة ، بل بلغ بهم الجهل والحمق والبطر ، أنهم دعوا الله - تعالى - بقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } . أى ما أننا بفضلنا وإحساننا قد أعطيناهم تلك النعمة ، ومكناهم منها ، وهى نعمة تيسير وسائل السفر ، ومنحهم الأمان والاطمئنان خلاله … إلا أنهم - لشؤمهم وضيق تفكيرهم وشقائهم - تضرعوا إلينا وقالوا يا ربنا اجعل بيننا وبين القرى المباركة ، مفاوز وصحارى متباعدة الأقطار ، بدل تلك القرى العامرة المتقاربة ، فهم - كما يقول صاحب الكشاف - بطروا النعمة ، وبشموا . أى سئموا - من طيب العيش ، وملوا العافية ، فطلبوا النكد والتعب ، كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم ، مكان المن والسلوى . وفى هذه الجملة الكريمة قراءات متعددة ذكرها القرطبى فقال ما ملخصه فقراءة العامة { ربنا } - بالنصب - على أنه نداء مضاف … { باعد } - بزنة فاعل - سألوا المباعدة فى أسفارهم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { ربنا } كذلك على الدعاء " بعَّد " - بتشديد العين - من التبعيد . وقرأ يعقوب وغيره { ربُّنا } - بالرفع - { باعَدَ } بفتح العين والدال - على الخبر . أى لقد باعد ربنا { بَيْنَ أَسْفَارِنَا } . وقوله { وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } أى قالوا ذلك القول السئ ، وظلموا أنفسهم بسببه ، حيث أجيب دعاؤهم ، فكان نقمة عليهم ، لأنهم بعد أن كانوا يسافرون بيسر وأمان ، صاروا يسافرون بمشقة وخوف . وقوله { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } بيان لما آل إليه أمرهم . والأحاديث جمع أحدوثة ، وهى ما يتحدث به الناس على سبيل التلهى والتعجب أى قالوا ما قالوا من سوء وفعلوا ما فعلوا من منكر ، فكانت نتيجة ذلك . أن صيرناهم أحاديث يتلهى الناس بأخبارهم ، ويضربون بهم المثل ، فيقولون فتفرقوا أيدى سبأ ، ومزقناهم كل ممزق فى البلاد المتعددة ، فمنهم من ذهب إلى الشام ، ومنهم من ذهب إلى العراق … بعد أن كانوا أمة متحدة ، يظلها الأمان والاطمئنان ، والغنى والجاه … { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذى فعلناه بهم بسبب جهلهم وفسوقهم وبطرهم { لآيَاتٍ } واضحات بينات { لِّكُلِّ صَبَّارٍ } على طاعة الله - تعالى - { شَكُورٍ } له - سبحانه - على نعمه . وخص - سبحانه - الصبار والشكور بالذكر . لأنهما هما المنتفعان بآياته وعبره ومواعظه . ثم بين - عز وجل - الأسباب التى أدت إلى جحودهم وفسوقهم فقال { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . ولقظ { صَدَّقَ } قرأه بعض القراء السبعة بتشديد الدال المفتوحة ، وقرأه البعض الآخر بفتح الدال بدون تشديد . وقوله { عَلَيْهِمْ } متعلق بصدق . وقوله { ظَنَّهُ } مفعول به على قراءة التشديد ، ومنصوب بنزع الخافض على القراءة بالتخفيف ، وضمير الجمع فى { عَلَيْهِمْ } وفى { فَٱتَّبَعُوهُ } يعود إلى قوم سبأ . والمعنى على القراءة بالتشديد ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فى قدرته على إغوائهم ، وحقق ما كان يريده منهم من الانصراف عن طاعة الله - تعالى - وشكره ، فاتبعوا خطوات الشيطان ، بسبب انغماسهم فى الفسوق والعصيان ، إلا فريقا من المؤمنين ، لم يستطع إبليس إغواءهم لأنهم أخلصوا عبادتهم لخالقهم - عز وجل - ، واستمسكوا بالعروة الوثقى التى لا انفصام لها . والمعنى على القراءة بالتخفيف ولقد صدق إبليس فى ظنه أنه إذا أغواهم اتبعوه ، لأنه بمجرد أن زين لهم المعاصى أطاعوه ، إلا فريقا من المؤمنين لم يطيعوه . قال القرطبى ما ملخصه وقوله { إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } نصب على الاستثناء وفيه قولان أحدهما أن يراد به بعض المؤمنين - فتكون من للتبعيض - ، لأنه كثيرا من المؤمنين يذنبون وينقادون لإِبليس فى بعض المعاصى . أى ما سلم من المؤمنين أيضا إلا فريق ، وهو المقصود بقوله - تعالى - { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ … } والثانى أن المراد بهم جميع المؤمنين ، فعن ابن عباس أنه قال هم المؤمنون كلهم . وعلى هذا تكون { مِّنَ } للبيان لا للتبعيض … ثم بين - سبحانه - إن إغواء الشيطان لأهل سبأ ولأشباههم من بنى آدم ، لم يكن عن قسر وإكراه ، وإنما كان عن اختيار منهم ليتميز الخبيث من الطيب فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ … } . والمراد بالسلطان هنا التسلط بالقهر والغلبة والإِكراه . والمراد بالعلم فى قوله - تعالى - { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } إظهار هذا العلم للناس ليتميز قوى الإِيمان من غيره . أى وما كان لإِبليس عليهم سلطان قاهر يجعلهم لا يملكون دفعه ، وإنما كان له عليهم الوسوسة التى يملكون صرفها ودفعها متى حسنت صلتهم بنا ، ونحن ما أبحنا لإِبليس الوسوسة لبنى آدم ، إلا لنظهر فى عالم الواقع حال من يؤمن بالآخرة وما فهيا من ثواب وعقاب وحساب ، ولنميزه عمن هو منها فى شك وريب وإنكار … قال الشوكانى - رحمه الله - والاستثناء فى قوله { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } منقطع أى لا سلطان له عليهم ، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم . وقيل هو متصل مفرغ من أعم العلل . أى ما كان له عليهم من تسلط بحال من الأحوال ، ولا لعلة من العلل ، إلا ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن ، لأنه - سبحانه - قد علم ذلك علما أزليا . وقال الفراء إلا لنعلم ذلك عندكم . والأولى حمل العلم هنا على التمييز والإِظهار . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } أى وربك - أيها الرسول الكريم - على كل شئ رقيب وحفيظ ، بحيث لا يخرج شئ عن حفظه وهيمنته وعلمه وقدرته . وهكذا نجد القرآن قد ساق لنا قصتين متعاقبتين ، إحداهما تدل على أن طاعة الله - تعالى وشكره ، وإخلاص العبادة له ، وحسن الصلة به - سبحانه - ، كل ذلك يؤدى إلى المزيد من نعمه - تعالى - ، كما حدث لداود وسليمان - عليهما السلام - . وأما الثانية فتدل على ان الجحود والبطر والانغماس فى المعاصى والشهوات . كل ذلك يؤدى إلى زوال النعم ، كما حدث لقبيلة سبأ . وصدق الله إذ يقول { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ثم نجد السورة الكريمة بعد ذلك ، تلقن النبى صلى الله عليه وسلم الحجج التى تؤيد ما هو عليه من حق وصدق ، وتزهق ما عليه أعداؤه من باطل وكذب … فتقول { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ … ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } .