Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 40-42)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ { يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أى يجمع الله - سبحانه - الكافرين جميعا . الذين استضعفوا فى الدنيا والذين استكبروا . { ثُمَّ يَقُولُ } - عز وجل - { لِلْمَلاَئِكَةِ } على سبيل التبكيت والتقريع للمشركين { أَهَـٰؤُلاَءِ } الكافرون { إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } أى أهؤلاء كانوا يعبدونكم فى الدنيا . وأنتم رضيتم بذلك . و { هَـٰؤُلاَءِ } مبتدأ ، وخبره { كَانُواْ يَعْبُدُونَ } و { إِيَّاكُمْ } مفعول يعبدون . وتخصيص الملائكة بالخطاب مع أن من الكفار من كان يعبد الأصنام ، ومن كان يعبد غيرها ، لأن المقصود من الخطاب حكاية ما يقوله الملائكة فى الرد عليهم . قال صاحب الكشاف هذا الكلام خطاب للملائكة . وتقريع للكفار وارد على المثل السائر إياك أعنى واسمعى يا جارة ، ونحوه قوله - تعالى - لعيسى { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } وقد علم - سبحانه - كون الملائكة وعيسى ، منزهين برآء مما وجه عليهم من السؤال ، والغرض أن يقول ويقولوا ، ويسأل وجيبوا ، فيكون التقريع للمشركين أشد ، والتعبير أبلغ ، وهوانهم ألزم … وقوله - تعالى - { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } حكاية لأقوال الملائكة . أى قال الملائكة فى الإِجابة على سؤال خالقهم . { سُبْحَانَكَ } أى ننزهك ونقدسك عن أن يكون لك شريك فى عبادتك وطاعتك { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } أى أنت الذى نواليك ونتقرب إليك وحدك بالعبادة ، وليس بيننا وبين هؤلاء المشركين أى موالاة أو قرب ، ولا دخل لنا فى عبادتهم لغيرك . ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه فى الدنيا فقالوا { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } . أى إن هؤلاء المشركين لا علم لنا بأنهم كانوا يبعدوننا ، ونبرأ من ذلك إن كانوا قد عبدونا ، وهم إنما كانوا يعبدون فى الدنيا { ٱلْجِنَّ } أى الشياطين ، وكان أكثر هؤلاء المشركين يؤمنون بعبادة الشياطين . ويطيعونهم فيما يأمرونهم به ، أو ينهونهم عنه . فقوله - تعالى - { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } إضراب انتقالى ، لبيان السبب فى شرك هؤلا المشركين ، وتصريح بمن كانوا يعبدونهم فى الدنيا . قال الجمل فإن قيل جميعهم كانوا متابعين للشيطان ، فما وجه قوله - تعالى - { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } فإنه يدل على أن بعضهم لم يؤمن بالجن ولم يطعهم ؟ فالجواب من وجهين أحدهما أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإِحاطة بهم ، فقالوا أكثرهم ، لأن الذين رأوهم واطعلوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجن ، ولعل فى الوجود من لم يطلع الله الملائكة على حاله من الكفار . الثانى هو أن العبادة عمل ظاهر ، والإِيمان عمل باطن ، فقالوا بل كانوا يعبدون الجن لاطلاعهم على أعمالهم ، وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب ، لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما فى القلوب ، فإن القلب لا يطلع على ما فيه إلا الله . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن الملك فى يوم الحساب له وحده فقال { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } . أى فاليوم لا يملك أحد من المعبودين أن ينفع أحدا من العابدين ، أو أن يضره ، بل الذى يملك كل ذلك هو الله - تعالى - وحده . فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن مرد النفع والضر فى هذا اليوم إلى الله - تعالى - وحده ، فالعابدون لا يملكون شيئا ، والمعبودون كذلك لا يملكون شيئا . { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } أى ونقول فى هذا اليوم الهائل الشديد للذين ظلموا أنفسهم وظلموا الحق بعبادتهم لغيرنا ، نقول لهم { ذُوقُواْ } فظاعة وشدة عذاب النار التى كنتم تكذبون بها فى الدنيا ، وتنكرون أن يكون هناك بعث أو حساب أو ثواب أو عقاب . ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من أقوال هؤلاء المشركين فى شأن النبى صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن الكريم ، وتهددهم بسوء المصير إذا استمروا فى طغيانهم وجهلهم فتقول { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا … فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .