Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 71-76)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً … } للإِنكار والتعجب من أحوال هؤلاء المشركين ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام . والأنعام جمع نعم وهى الإِبل والبقر والغنم . والمعنى أعمى هؤلاء المشركون عن مظاهر قدرتنا ، ولم يروا بأعينهم ، ولم يعلموا بعقولهم . أنا خلقنا لهم مما عملته أيدينا . وصنعته قدرتنا . أنعاماً كثيرة هم لها مالكون يتصرفون فيها تصرف المالك فى ملكه . وأسند - سبحانه - العمل إلى الأيدى ، للإِشارة إلى أن خلق هذه الأنعام كان بقدرته - تعالى - وحده دون أن يشاركه فى ذلك مشارك ، أو يعاونه معاون . كما يقول القائل هذا الشئ فعلته بيدى وحدى ، للدلالة على تفرده بفعله . والتعبير بقوله - تعالى - { لهم } للإِشعار بأن خلق هذه الأنعام إنما حدث لمنفعتهم ومصلحتهم . و { ما } فى قوله { مِمَّا عَمِلَتْ } موصولة . والعائد محذوف . أى مما عملته أيدينا . وقوله { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } بيان لإِحدى المنافع المترتبة على خلق هذه الأنعام لهم . أما المنافع الأخرى فقد جاءت بعد ذلك فى قوله { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ … } أى وجعلنا هذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، بحيث أصبحت فى أيديهم سهلة القيادة ، مطواعة لما يريدونه منها ، يقودونها فتنقاد للصغير والكبير . كما قال القائل @ لقد عظُم البعير بغير لُبٍّ فلم يستغن بالعِظًم البعيرُ يصرِّفُه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجَرِيرُ وتضربه الوليدة بالهراوي فلا غِيرَ لديه ولان نكير @@ ففى هذه الجملة الكريمة تذكير لهم بنعمة تسخير الأنعام لهم ، ولو شاء - سبحانه - لجعلها وحشية بحيث ينفرون منها . والفاء فى قوله { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } تفريع على ما تقدم وركوب بمعنى مركوب . أى وصيرنا هذه الأنعام مذللة ومسخرة لهم ، فمنها ما يستعملونه فى ركوبهم والانتقال عليها من مكان إلى آخر ، ومنها ما يستعملونه فى مآكلهم عن طريق ذبحه . وفضلاً عن كل ذلك ، فإنهم " لهم " فى تلك الأنعام " منافع " أخرى غير الركوب وغير الأكل كالانتفاع بها فى الحراثة وفى نقل الأثقال … ولهم فيها - أيضاً - " مشارب " حيث يشربون من ألبانها . والاستفهام فى قوله { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } للتخصيص على الشكر ، أى فهلا يشكرون الله - تعالى - على هذه النعم ، ويخلصون له العبادة والطاعة . ثم بين - سبحانه - موقفهم الجحودى من هذه النعم فقال { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } . أى إن هؤلاء الكافرين لم يقابلوا نعمنا عليهم بالشكر ، وإنما قابلوها بالجحود والبطر . فقط تركوا عبادتنا ، واتخذوا من دوننا آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر ، متوهمين أنها تنصرهم عند ما يطلبون نصرها . وراجين أن تدفع عنهم ضرا عند التماس ذلك منها . وقوله - تعالى - { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ . . } دفع لما توهموه من نصرهم ونفى لما توقعوه من نفعهم . أى هذه الآلهة المزعومة ، لا يستطيعون نصر هؤلاء الكافرين . لأنهم أعجز من أن ينصروا أنفسهم ، فضلاً عن نصرهم لغيرهم . وقال - سبحانه - { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } بالواو والنون على طريقة جمع العقلاء بناء على زعم المشركين أن هذه الأصنام تنفع أو تضر أو تعقل . والضمير " هم " فى قوله - تعالى - { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } يعود إلى المشركين ، والضمير فى قوله { لَهُمْ } يعود إلى الآلهة المزعومة . أى وهؤلاء الكفار - لجهالتهم وانطماس بصائرهم - قد صاروا فى الدنيا بمنزلة الجند الذين أعدوا أنفسهم لخدمة هذه الآلهة والدفاع عنها . والحضور عندها لخدمتها ، ورعايتها وحفظها . ويرى بعضهم أن الضمير " هم " للآلهة ، والضمير فى " لهم " للمشركين ، عكس القول الأول ، فيكون المعنى وهؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر المشركين وهم أى الآلهة - " لهم " أى للمشركين ، { جُندٌ مُّحْضَرُونَ } أى جند محضرون معهم إلى النار ، ليلقوا فيها كما يلقى الذين عبدوهم ، كما قال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } والفاء فى قوله - تعالى - { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } للإِفصاح . أى إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم من الجهالة والغفلة ، فأعرض عنهم ، ولا تحزن عليهم ، ولا تبال بأقوالهم . وقوله - سبحانه - { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } تعليل للنهى عن الحزن بسبب أقوالهم . أى لا تحزن - أيها الرسول الكريم - بسبب أقوالهم الباطلة ، فإنا نعلم علماً تاماً ما يسرونه من حقد عليك ، وما يعلنونه من أعمال قبيحة ، وسنعاقبهم على كل ذلك العقاب الذى يستحقونه . فالآية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من هؤلاء المشركين . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بإقامة الأدلة الساطعة على أن البعث حق ، وعلى أن قدرته - تعالى - لا يعجزها شئ ، فقال - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا … } .