Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 139-148)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويونس - عليه السلام - هو ابن متى ، وقد ثبت فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " . وملخص قصته أن الله - تعالى - أرسله إلى أهل نينوى بالعراق ، وفى حوالى القرن الثامن قبل الميلاد ، فدعاهم إلى إخلاص العبادة لله - فاستعصوا عليه ، فضاق بهم ذرعا ، وأخبرهم أن العذاب سيأتيهم خلال ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الثالث خرج يونس من بلدة قومه ، قبل أن يأذن الله له بالخروج ، فلما افتقده قومه ، آمنوا وتابوا ، وتضرعوا بالدعاء إلى الله قبل أن ينزل بهم العذاب . فلما لم ير يونس نزول العذاب ، استحى أن يرجع إليهم وقال لا أرجع إليهم كذابا أبدا ، ومضى على وجهه فأتى سفينة فركبها فلما وصلت اللجة وقفت ولم تتحرك . فقال صاحبها ما يمنعها أن تسير إلا أن فيكم رجلا مشئوما ، فاقترعوا ليلقوا فى البحر من وقعت عليه القرعة ، فكانت على يونس ثم أعادوها فوقعت عليه ، فلما رأى ذلك ألقى بنفسه فى البحر ، فالتقمه الحوت . والمعنى وإن يونس - عليه السلام - لمن المرسلين الذين اصطفيناهم لحمل رسالتنا وتبليغها إلى الناس . { إِذْ أَبَقَ } أى هرب من قومه بغير إذن من ربه - يقال أبق العبد - كضرب ومنع - إذا هرب من سيده فهو آبق . { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أى هرب من قومه إلى الفلك الملئ بالناس والأمتعة { فَسَاهَمَ } أى فقارع من فى السفينة بالسهام ، يقال استهم القوم إذا اقترعوا { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } . أى من المغلوبين حيث وقعت عليه القرعة دون سواء . يقال دحضت حجة فلان ، إذا بطلت وخسرت . { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } أى بعد أن وقعت القرعة عليه ، ألقى بنفسه فى البحر ، { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } أى ابتلعه بسرعة يقال لَقِم فلان الطعام - كسمع - والتقمه ، إذا ابتلعه بسرعة ، وتَلَّقمه إذا ابتلعه على مهل . وجملة { وَهُوَ مُلِيمٌ } حالية فى محل نصب ، أى فالتقمه الحوت وهو مكتسب من الأفعال ما يلام عليه ، حيث غادر قومه بدون إذن من ربه . يقال رجل مليم ، إذا أتى من الأقوال أو الأفعال ما يلام عليه ، وهو اسم فاعل من ألاَم الرجل ، إذا أتى ما يلام عليه . { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أى فلولا أن يونس - عليه السلام - كان من المسبحين لله - تعالى - المداومين على ذكره . لولا هذا التسبيح للبث يونس ف بطن الحوت إلى يوم القيامة . فهاتان الآيتان تدلان دلالة واضحة على أن الإكثار من ذكر الله - تعالى - وتسبيحه . . بسبب فى تفريج الكروب ، وإزالة الهموم ، بإذن الله ورحمته . وفى الحديث الشريف " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " . ورحم الله الإِمام القرطبى فقد قال " أخبر الله - عز وجل - أن يونس كان من المسبحين ، وأن تسبيحه كان سبب نجاته ، ولذا قيل إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثَر . وفى الحديث الشريف " منْ استطاع منكم أنْ تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل " فليجتهد العبد ، ويحرص على خصلة من صالح عمله ، يخلص فيها بينه وبين ربه ، ويدخرها ليوم فاقته وفقره ، ويسترها عن خلق الله ، لكى يصل إليه نفعها وهو أحوج ما يكون إليه . فنبذناه بالعراء وهو سقيم ، والنبذ الطرح ، والعراء ، الخلاء . أى أن يونس - عليه السلام - بعد أن التقمه الحوت أخذ فى الإِكثار من تسبيحنا ومن دعائنا ، فاستجبنا له دعاءه ، وأمرنا الحوت بطرحه فى الفضاء الواسع من الأرض . وجملة { وَهُوَ سَقِيمٌ } حالية . أى ألقيناه بالأرض الفضاء حالة كونه عليلا سقيما ، لشدة ما لحقه من تعب وهو فى بطن الحوت . { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } أى ومن مظاهر رحمتنا به ، أننا جعلنا فوقه شجرة من يقطين لكى تظلل عليه وتمنع عنه الحر . واليقطين يطلق على كل شجر لا يقوم على ساق ، كالبطيخ والقثاء والقرع وهو مأخوذ من قطن بالمكان إذا أقام به . وقد قالوا إن المراد بهذه الشجرة ، هى شجرة القرع ، وقيل غير ذلك . { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ . فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } أى وبعد أن تداركته رحمتنا ، وأخرجناه من بطن الحوت ، ورعيناه برعايتنا ، أرسلناه إلى مائة ألف من الناس أو يزيدون على ذلك فى نظر الناظر إليهم ، فآمنوا جميعا { فَمَتَّعْنَاهُمْ } بالحياة { إِلَىٰ حِينٍ } انتهاء آجالهم . قال الإِمام ابن كثير ولا مانع من أن يكون الذين أرسل إليهم أولا ، أمر بالعودة إليهم بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغوى أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغوى أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت ، كانوا مائة ألف ما أو يزيدون . هذا ومن العبر التى نأخذها من هذه القصة ، أن رحمة الله - تعالى - قريب من المحسنين ، وأن العبد إذا تاب توبة صادقة نصوحا ، وفى الوقت الذى تقبل فيه التوبة ، قبل الله - تعالى - توبته ، وفرج عنه كربه ، وأن التسبيح يكون سببا فى رفع البلاء . وبعد هذه الجولة مع قصص بعض الأنبياء ، أمر الله - تعالى - رسولة صلى الله عليه وسلم أن يسأل هؤلاء المشركين ، سؤال توبيخ وتأنيب ، عما قالوه فى شأن الملائكة من باطل وزور ، وأن يرد على أكاذيبهم ردا يخرص ألسنتهم فقال - تعالى - { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ … } .