Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 171-182)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمراد بكلمتنا فى قوله { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا … } ما وعد الله - تعالى - به رسله وعباده الصالحين من جعل العاقبة الطيبة لهم . ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } وقوله - سبحانه - { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أى والله لقد سبق وعدنا لعبادنا المرسلين بالنصر والفوز { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } على أعدائهم { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } لمن عاداهم وناوأهم . وهذا الوعد بالنصر لا يتعارض مع هزيمتهم فى بعض المواطن - كيوم أحد مثلا - لأن هذه الهزيمة إنما هى لون من الابتلاء الذى اقتضته حكمة الله - تعالى - ليتميز قوى الإِيمان من ضعيفه ، أما النصر فى النهاية فهو للمؤمنين وهذا ما حكاه لنا التاريخ الصحيح ، فقد تم فتح مكة ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا ، بعد أن جاهد النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهزموا الكافرين ، ولم يفارق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا إلا بعد أن صارت كلمة الله هى العليا ، وكلمة الذين كفروا هى السفلى . ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المشركين ، وبالصبر على أذاهم ، فقال { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } أى فأعرض عنهم إلى وقت الذى يأذن الله لك فيه بقتالهم { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أى وانظر إليهم وراقبهم عندما ينزل بهم عذابنا ، فسوف يبصرون هم ذلك فى دنياهم وفى آخرتهم . والأمر بمشاهدة ذلك إشعار بأن نصره صلى الله عليه وسلم عليهم ، آت لا ريب فيه حتى لكأنه وواقع بين يديه ، مشاهد أمامه . والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } للتوبيخ والتأنيب . أى أبلغ الجهل وانطماس البصيرة بهؤلاء المشركين ، أنهم يستعجلون عذابنا . عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم يا محمد أرنا العذاب الذى تخوفنا به ، فنزلت هذه الآية . ثم بين - سبحانه - حالهم عندما ينزل بهم هذا العذاب الذى استعجلوا نزوله فقال { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } . والساحة فى الأصل تطلق على الفتاء الواسع للدار والمراد بها هنا القوم الذين يكونون فيها والمخصوص بالذم محذوف . أى فإذا نزل العذاب بهؤلاء المشركين ، فبئس الصباح صباحهم . ولن ينفعهم حينئذ ندم أو توبة ، وخص الصباح بالذكر ، لأن العذاب كان يأتيهم فيه فى الغالب . أخرج الشيخان عن أنس ، رضى الله عنه . قال " صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما خرجوا بفئوسهم ومساحيهم ورأوا الجيش ، رجعوا يقولون محمد والله ، محمد والخميس - أى والجيش فقال صلى الله عليه وسلم " الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " " . ثم كرر - سبحانه - تهديده ووعيده لهم على سبيل التأكيد لعلهم يعتبرون فقال { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ . وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أى وأعرض عنهم حتى حين ، وأبصر ما توعدناهم به من عذاب أليم ، فسوف يبصرون هم ذلك . { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } أى تنزه وتقدس ربك - أيها الرسول الكريم - عما وصفه به الواصفون الجاهلون من صفات لا تليق بذاته . وقوله { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } بدل من ربك أى هو صاحب العزة والغلبة والقوة التى لا يقف أمام قوتها شئ والتى لا يملكها أحد سواه . { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } أى سلام وأمان وتحية منا على المرسلين { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أى والثناء الكامل لله - تعالى - رب العالمين جميعا وخالقهم ورازقهم ، ومحييهم ومميتهم .