Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والواو فى قوله - تعالى - { وَٱلصَّافَّاتِ } للقسم . وجوابه قوله { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } و " الصافات " من الصف ، وهو أن تجعل الشئ على خط مستقيم . تقول صففت القوم فاصطفوا ، إذا أقمتهم على خط مستقيم . سواء أكانوا فى الصلاة ، أم فى الحرب ، أم فى غير ذلك . و " الزاجرات " من الزجر ، وهو الدفع بقوة . تقول زجرت الإِبل زجرا - من باب قتل - إذا منعتها من الدخول فى شئ ودفعتها إلى غيره . و " التاليات " من التلاوة ، بمعنى القراءة فى تدبر وتأمل . وأكثر المفسرين على أن المراد وأكثر المفسرين على أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات جماعة من الملائكة موصوفة بهذه الصفات . فيكون المعنى وحق الملائكة الذين يصفون أنفسهم صفا لعبادة الله - تعالى - وطاعته ، أو الذين يصفون أجنحتهم فى السماء انتظاراً لأمر الله ، والذين يزجرون غيرهم عن ارتكاب المعاصى ، أو يزجرون السحاب إلى الجهات التى كلفهم الله - تعالى - بدفعه إليها ، والذين يتلون آيات الله المنزلة على أنبيائه تقربا إليه - تعالى - وطاعة له . وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون فى قوله - تعالى - فى السورة نفسها { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ . وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } كما جاء وصفهم بذلك فيما رواه مسلم فى صحيحه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض مسجداً . وجعلت لنا تربتها طهوراً إذا لم نجد الماء " . وفى حديث آخر رواه مسلم وغيره عن جابر بن سَمُرَه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم " ؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال " يتمون الصفوف المتقدمة ، ويتراصون في الصف " . وجاء وصفهم بما يدل على أنهم يلقون الذكر على غيرهم من الأنبياء ، لأجل الإِعذار والإِنذار به . كما فى قوله - تعالى - فى أوائل المرسلات { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً . عُذْراً أَوْ نُذْراً } قال الإِمام ابن كثير قوله { فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً } هم الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس ، وهذه الآية كقوله - تعالى - { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً . عُذْراً أَوْ نُذْراً } ومنهم من يرى أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات هنا العلماء الذين يصفون أقدامهم عند الصلاة وغيرها من الطاعات ، ويزجرون غيرهم عن المعاصى ، ويتلون كلام الله - تعالى - . ومنهم من يرى أن المراد بالصافات الطيور التى تصف أجنحتها فى الهواء بالزاجرات وبالتاليات جماعات الغزاة فى سبيل الله ، الذين يزجرون أعداء الله - تعالى - ويكثرون من ذكره . ويبدو لنا أن القول الأول هو الأظهر والأرجح ، لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى سقناها قبل ذلك تؤيده ، ويؤيده - أيضا - ما يجئ بعد ذلك من أوصاف للملائكة كما فى قوله - تعالى - { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } والمراد بالملأ الأعلى هنا . والملائكة . ولأن هذا القول هو المأثور عن جماعة من الصحابة والتابعين ، كابن مسعود وابن عباس ، ومسروق ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ومجاهد . وإنما أقسم الله - تعالى - هنا بالملائكة ، لشرفهم ، وسمو منزلتهم وامتثالهم لأوامره - سبحانه - امتثالا تاما وله - تعالى - أن يقسم بما شاء من خلقه ، تنويها بشأن المقسم ، ولفتا لأنظار الناس إلى ما فيه من منافع . ولفظ " الصافات " مفعوله محذوف . والتقدير ، وحق الملائكة الصافات نفوسها أو أجنحتها طاعة وامتثالا لأمر الله - تعالى - . والترتيب بالفاء فى هذه الصفات ، على سبيل الترقى ، إذ الأولى كمال ، والثانية أكمل ، لتعدى منفعتها إلى الغير ، والثالثة أكمل وأكمل ، لتضمنها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتخلى عن الرذائل ، والتحلى بالفضائل . وقوله " صفا ، وزجرا ، وذكرا " مصادر مؤكدة لما قبلها . وقوله - سبحانه { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب للقسم ، وهو المقسم عليه . أى وحق الملائكة الذين تلك صفاتهم ، إن ربكم - أيها الناس - لواحد لا شريك له فى ذاته ، ولا فى صفاته ولا فى أفعاله ، ولا فى خلقه . وقوله { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } بدل من قوله { لَوَاحِدٌ } أو خبر بعد خبر لمبتدأ محذوف . أى إن إلهكم - أيها الناس - لواحد هو - سبحانه - رب السموات والأرض ، ورب ما بينهما من مخلوقات كالهواء وغيره ، ورب المشارق التى تشرق منها الشمس فى كل يوم على مدار العام ، إذ لها فى كل يوم مشرق معين تشرق منه . ولها فى كل يوم - أيضا مغرب تغرب فيه . واكتفى هنا بذكر المشارق عن المغارب ، لأن كل واحد منهما يستلزم الآخر ، ولأن الشروق أدل على القدرة ، وأبلغ فى النعمة ، ولأن الشروق سابق على الغروب ، وقد قال - تعالى - فى آية أخرى { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } والمراد بهما هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس التى هى ثلاثمائة وستون مشرقا - كما يقول العلماء - وعلى كل مغرب من مغاربها التى هى كذلك . وقال فى سورة الرحمن { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } أى مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما . وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجئ هذه الألفاظ تارة مفردة ، وتارة على سبيل التثنية وتارة على سبيل الجمع . قال بعض العلماء قوله { وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } أى ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق فهى مشارق كثيرة فى كل جانب من جوانب السموات الفسيحة . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة فى التعبير عن الواقع فى هذه الأرض التى نعيش عليها كذلك ، فالأرض فى دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة - كما تتوالى المغارب ، فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس ، كان هناك مشرق على هذا القطاع . وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له فى الكرة الأرضية … وهى حقيقة ما كان يعرفها الناس فى زمان نزول القرآن الكريم ، أخبرهم الله - تعالى - بها فى ذلك الزمان القديم … ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر قدرته فى خلقه لهذه السموات وكيف أنه - تعالى - قد زين السماء الدنيا بالكواكب . وحفظها من تسلل أى شيطان إليها فقال تعالى { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ … } .