Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 6-10)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - تعالى - { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل . والمراد بالسماء الدنيا السماء التى هى أقرب سماء إلى الأرض . فالدنيا مؤنث أدنى بمعنى أقرب . والكواكب جمع كوكب وهو النجم الذى يرى فى السماء . وقوله { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } فيه ثلاث قراءات سبعية ، فقد قرأ الجمهور بإضافة زينة إلى الكواكب . أى بلا تنوين فى لفظ " بزينة " . وقرأ بعضهم بتنوين لفظ " زينة " وخفض لفظ الكواكب على أنه بدل منه . وقرأ بعضهم بتنوين لفظ { بِزِينَةٍ } ونصب لفظ الكواكب ، على أنه مفعول لفعل محذوف أى أعنى الكواكب . والمعنى إنا بقدرتنا وفضلنا زينا السماء الدنيا التى ترونها بأعينكم - أيها الناس - بالكواكب ، فجعلناها مضيئة بحيث تهتدون بها فى سيركم من مكان إلى مكان . كما قال - تعالى - فى آية أخرى { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } ومما لا شك أن منظر السماء وهى مليئة بالنجوم ، يشرح الصدور ، ويؤنس النفوس ، وخصوصا للسائرين فى فجاح الأرض ، أو ظلمات البحر . قوله - سبحانه - { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } ينان لما أحاط به - سبحانه - السماء الدنيا من حفظ ورعاية . ولفظ " حفظا " منصوب على المصدرية بإضمار فعل قبله . أى وحفظناها حفظا ، أو معطوف على محل " بزينة " . والشيطان كل متمرد من الجن والإِنس والدواب . والمراد به هنا المتمرد من الجن . والمارد الشديد العتو والخروج عن طاعة الله - تعالى - المتعرى من كل خير . أى إنا جعلنا السماء الدنيا مزينة بالكواكب وضيائها ، وجعلناها كذلك محفوظة من كل شيطان متجرد من الخير ، خارج عن طاعتنا ورحمتنا . وقوله - سبحانه - { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ . دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء ، وبيان كيفية الحفظ ، وما يصيبهم من عذاب وهلاك إذا ما حاولوا استراق السمع منها . ولفظ " يسَّمَّعوُن " بتشديد السين - وأصله يتسمعون . فأدغمت التاء فى السين والضمير للشياطين ، وقرأ الجمهور { لا يَسْمعون } بإسكان السين . قال صاحب الكشاف الضمير فى { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } لكل شيطان ، لأنه فى معنى الشياطين ، وقرئ بالتخفيف والتشديد . وأصله " يتسمعون " . والتسمع تطلب السماع . يقال تسمع فسمع . أو فلم يسمع . فإن قلت أى فرق بين سمعت فلانا يتحدث ، وسمعت إليه يتحدث . وسمعت حديثه ، وإلى حديثه ؟ قلت المعدى بنفسه يفيد الإِدراك ، والمعد بإلى يفيد الإِصغاء مع الإِدراك . والملأ فى الأصل الجماعة يجتمعون على أمر فيملأون النفوس هيبة ، والمراد بالملأ الأعلى هنا الملائكة الذين يسكنون السماء . وسموا بذلك لشرفهم ، ولأنهم فى جهة العلو ، بخلاف غيرهم فإنهم يسكنون الأرض . وقوله { وَيُقْذَفُونَ } من القذف بمعنى الرجم والرمى ، و { دُحُوراً } مفعولا لأجله ، أى يقذفون لأجل الدُّحور ، وهو الطرد والإِبعاد ، مصدر دَحَرَه يدْحَرُهُ دَحْراً ودُحُوراً إذا طرده وأبعده . والواصب الدائم ، من الوصوب بمعنى الدوام ، يقال وَصَب الشئ يَصِبُ وصُوباً ، إذا دام وثبت ، ومنه قوله { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أى دائما ثابتا . والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بنور الكواكب ، وحفظناها - بقدرتنا ورعايتنا - من كل شيطان متجرد من الخير ، فإن هذا الشيطان وأمثاله كلما حاولوا الاستماع إلى الملائكة فى السماء لم نمكنهم من ذلك ، بل قذفناهم ورجمناهم بالشهب والنيران من كل جانب من جوانب السماء ، من أجل أن ندمرهم ونطردهم ونبعدهم عنها ، ولهم منا - فوق كل ذلك - عذاب دائم ثابت لا نهاية له . وقوله { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } استثناء من الواو فى " يسمعون " و " مَنْ " فى محل بدل من الواو . والخطف الأخذ للشئ بسرعة وخفية واختلاس وغفلة من المأخوذ منه . أى لا يسمع الشياطين إلى الملأ الأعلى ، إلا الشيطان الذى خطف الخطفة من كلام الملائكة بسرعة وخفة ، فيما يتفاوضون فيه من أحوال البشر - دون ما يتعلق بالوحى - فإنه فى هذه الحالة يتبع هذا الشيطان ويلحقه { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أى شعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتهلكه وتحرقه وتثقبه وتمزقه . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } ومما يدل على أن استراقهم للسمع ، واختطافهم للخطفة ، إنما يكون فى غير الوحى ، قوله - تعالى - { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال كانت الشياطين مقاعد فى السماء فكانوا يستمعون الوحى قال وكانت النجوم لا تجرى ، وكانت الشياطين لا ترمى . قال فإذا سمعوا الوحى نزلوا إلى الأرض ، فزادوا فى الكلمة تسعا . قال فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده ، جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه . ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوبخ المنكرين للبعث والحساب ، وحكى جانبا من أقوالهم الباطلة حول هذه القضية ، ورد عليهم ردا يزهق باطلهم … فقال - تعالى - { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ … } .