Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 40-49)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى ما ملخصه قوله { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } استثناء منقطع من ضمير " ذائقو " وما بينهما اعتراض جئ به مسارعة إلى تحقيق الحق . ببيان أن ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلا . فإلا مؤولة بلكن . فالمعنى إنكم - أيها المشركون - لذائقو العذاب الأليم ، لكن عباد الله المخلصين - ليسوا كذلك - أولئك لهم رزق معلوم … ولفظ { ٱلْمُخْلَصِينَ } قرأه بعض القراء السبعة - بفتح اللام - أى لكن عباد الله - تعالى - الذين أخلصهم الله - تعالى - لطاعته وتوحيده ليسوا كذلك . وقرأه البعض الآخر بكسر اللام . أى لكن عباد الله الذين أخلصوا له العبادة والطاعة ، لا يذوقون حر النار كالمشركين . واسم الإِشارة فى قوله { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } يعود إلى هؤلاء العباد المخلصين . أى أولئك العباد المتصفون بتلك الصفة الكريمة وهى الإِخلاص ، لهم رزق عظيم معلوم فى وقته ، كما قال - تعالى - { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ومعلوم فى خصائصه الكريمة وصفاته الحسنة ككونه لذيذ الطعم ، حسن المنظر ، غير مقطوع ولا ممنوع إلى غير ذلك من الصفات التى تجعله محل الرغبة والاشتهاء . وقوله - تعالى - { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } بدل مما قبله ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، أى هذا الرزق المعلوم ، هو فواكه . والمراد بهذه الفواكه ما يأكله الآكل على سبيل التلذذ والتفكه ، وجميع ما يأكله أهل الجنة كذلك حتى اللحم والخبز ، لأنهم فى الجنة فى غنى عن القوت الذى يحفظون به حياتهم . وخصت الفاكهة بالذكر لأنها أطيب ما يأكله الآكلون . وفضلا عن كل ذلك فهم فيها منعمون مكرمون ، لا يحتاجون إلى شئ إلا ويجدونه بين أيديهم ، بفضل الله - تعالى - ورحمته . ثم بين - سبحانه - مكانهم وهيئتهم فقال { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ . عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } أى هم فى جنات ليس فيها إلا النعيم الدائم ، وهم فى الوقت نفسه يجلسون على سرر متقابلين ، بأن تكون وجوههم متقابلة لا متدابرة ، فإن من شأن المتصافين أن يجلسوا متقابلين . { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } والكأس . هو الإِناء الذى فيه شراب ، فإن لم يكن فيه شراب فهو قدح ، وقد يسمى الشراب ذاته كأسا ، فيقال شربت كأسا ، وذلك من باب تسمية الشئ باسم محله . و { مَّعِينٍ } اسم فاعل من معن وهو صفة لكأس مأخوذ من عان الماء إذا نبع وظهر على الأرض . أى يطاف على هؤلاء العباد المخلصين وهم فى الجنة ، بكأس ملئ بخمر لذة للشاربين ، نابعة من العيون ، وظاهرة للأبصار ، تجرى فى أنهار الجنة كما تجرى المياه فى الأنهار . فالتعبير بقوله - تعالى - { بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } يشعر بكثرتها ، وقربها ممن يريدها . وقوله - تعالى - { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } صفتان للكأس باعتبار ما فيه . أى هذه الخمر التى يطاف بها عليهم ، بيضاء اللون ، لذيذة الطعم والرائحة عند الشاربين . { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أى أذى أو مضرة ، والغَوْل . إهلاك الشئ - على غرة وغفلة . يقال غاله يغوله غولا ، واغتاله اغتيالا ، إذا قضى عليه بغتة ، وأخذه من حيث لا يشعر . أى أن خمر الآخرة ليس فيها ما يضر أو يؤذى ، كما هو الحال بالنسبة لخمر الدنيا { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } و { عن } هنا للسببية ، فهى بمعنى الباء ، أى ولا هم بسبب شربها تذهب عقولهم ، وتختل أفكارهم ، كما هو الحال فى خمر الدنيا . وأصل النَّزْف نَزْعُ الشئ من مكانه وإذهابه بالتدريج ، يقال نزف فلان ماء البئر ينزفه - من باب ضرب - إذا نزحه شيئا فشيئا إلى نهايته ، ويقال نُزف الرجل - كعُنَى - إذا سكر حتى اختل عقله ، وخصت هذه المفسدة بالذكر مع عموم ما قبلها ، لكونها من أعظم مفاسد الخمر . وقوله - تعالى - { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } بيان لمتعة أخرى من المتع التى أحلها الله - تعالى - لهم . وقاصرات من القصر بمعنى الحبس ، وعين ، جمع عيناء ، وهى المرأة الواسعة العين فى جمال . أى وفضلا عن ذلك ، فقد متعنا هؤلاء العباد بمتع أخرى . وهى أننا جعلنا عندهم للمؤانسة نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمدونها إلى غيرهم ، لشدة محبتهن لهم ، ومن صفات هؤلاء النساء - أيضا أنهن جميلات العيون . { كَأَنَّهُنَّ } أى هؤلاء النسوة { بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } ، أى كأنهن كبيض النعام . الذى أخفاه الريش فى العش ، فلم تمسه الأيدى ، ولم يصبه الغبار ، فى صفاء البشرة ، ونقاء الجسد . وشبههن ببيض النعام ، لأن لونه مع بياضه وصفائه يخالطه شئ من الصفرة وهو لون محبوب فى النساء عند العرب ولذا قالوا فى النساء الجميلات بيضات الخدور . وإلى هنا تجد الآيات الكريمة قد بشرت عباد الله المخلصين . بالعطاء المتنوع الجزيل ، الذى تنشرح له الصدور ، وتقر به العيون ، وتبتهج له النفوس . ثم حكى - سبحانه - بعض المحاورات التى تدور بين عباده المخلصين ، بعد أن رأوا ما أعده - سبحانه - لهم من نعيم مقيم … فقال - تعالى - { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } .