Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 50-61)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال صاحب الكشاف فإن قلت علام عطف قوله { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ؟ قلت هو معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } والمعنى يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشاربين . قال الشاعر @ وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام @@ فيقبل بعضهم على بعض { يَتَسَآءَلُونَ } عما جرى لهم وعليهم فى الدنيا . إلا أن جئ به ماضيا على عادة الله فى أخباره . أى أن هؤلاء العباد المخلصين ، بعد أن أعطاهم الله ما أعطاهم من النعم ، أقبل بعضهم على بعض { يَتَسَآءَلُونَ } فيما بينهم عن ذكرياتهم ، وإذا بواحد منهم يقول لإخوانه - من باب التحدث بنعمة الله { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } أى إنى فى الدنيا كان لى صديق ملازم لى ، ينهانى عن الإِيمان - بالبعث والحساب ، ويقول لى - بأسلوب التهكم والاستهزاء { أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } أى أئنك - أيها الرجل - لمن المصدقين بأن هناك بعثا وحسابا ، وثوابا وعقابا ، وجنة ونارا . ثم يضيف إلى ذلك قوله { أَإِذَا مِتْنَا } وانتهت حياتنا فى هذه الدنيا ، ووضعنا فى قبورنا { وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } أى وصارت أجسادنا مثل التراب ومثل العظام البالية . { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } أى أئنا بعد كل ذلك لمبعوثون ومعادون إلى الحياة مرة أخرى ، ومجزيون بأعمالنا . فقوله - تعالى - { لَمَدِينُونَ } من الدين بمعنى الجزاء ، ومنه قوله - تعالى - { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } والاستفهام للاستبعاد والإِنكار من ذلك القرين للبعث والحساب . وهنا يعرض هذا المؤمن على إخوانه ، أن يشاركوه فى الاطلاع على مصير هذا القرين الكافر بالبعث فيقول لهم { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } أى هل أنتم مطلعون معى على أهل النار لنرى جميعا حال ذلك القرين الذى حكيت لكم حاله ؟ والاستفهام للتخصيص ، أى هيا صاحبونى فى الاطلاع على هذا القرين الكافر . { فَٱطَّلَعَ } ذلك الرجل المؤمن ومعه إخوانه على أهل النار . فرآه فى سواء الجحيم ، أى فرأى ذلك الرجل الذى كان قرينه وصاحبه الملازم له فى الدنيا ، ملقى به فى { سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أى فى وسط النار ، وسمى الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى باقى الجوانب . قال الآلوسى واطلاع أهل الجنة على أهل النار ، ومعرفة من فيها ، مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بأن يخلق الله - تعالى - فيهم حدة النظر ، ويعرفهم من أرادوا الاطلاع عليه . ولعلهم - إن أرادوا ذلك - وقفوا على الأعراف . فاطلعوا على من أرادوا الاطلاع عليه من أهل النار . وقبل إن لهم طاقات فى الجنة ينظرون منها من علو إلى أهل النار ، وعلم القائل بأن القرين من أهل النار ، لأنه كان منكرا للبعث . ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما قاله ذلك الرجل المؤمن لقرينه فى الدنيا بعد أن رآه فى وسط الجحيم فيقول . { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } . وقوله { تَٱللَّهِ } قسم فيه معنى التعجب ، و { إن } مخففة من الثقيلة . واللام فى قوله { لَتُرْدِينِ } هى الفارقة بين إن المخففة والنافية ، والجملة جواب القسم ، وتردين أى تهلكنى يقال أردى فلان فلانا إذا أهلكه . ورَدِىَ فلان - من باب رَضِىَ - إذا هلك . و { ٱلْمُحْضَرِينَ } من الإحضار ، يقال أُحْضِر المجرم ليلقى جزاءه ، وهذا اللفظ يستعمل عند الإِطلاق فى الشر ، إذ يدل على السوق مع الإِكراه والقسر . أى قال الرجل المؤمن لقرينه الملقى فى وسط جهنم ، وحق الله - تعالى - لقد كدت أيها القرين أن تهلكنى بصدك إياى عن الإِيمان بالبعث والحساب ولولا نعمة ربى علىّ ، حيث عصمنى من طاعتك ، ووفقنى للإِيمان … لكنت اليوم من الذين أحضروا للعذاب مثلك ومثل أشباهك ، ولساقنى ملائكة العذاب إلى هذا المصير الأليم الذى أنت فيه اليوم ، فحمدا لله - تعالى - على الإِيمان والهداية . وقوله - تعالى - { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } بيان لما يقوله هذا الرجل المؤمن لأصحابه الذين معه فى الجنة ، وبعد أن انتهى من كلامه مع قرينه . وهذا الكلام يقوله على سبيل التلذذ والتحدث بنعمة الله عليهم . والاستفهام للتقرير ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام ، والمعطوف عليه محذوف . والمعنى أنحن مخلدون فى هذا النعيم ، ولن يلحقنا موت مرة أخرى بعد موتتنا الأولى التى لحقتنا فى الدنيا ، ولن يصيبنا شئ من العذاب كما أصاب غيرنا ؟ إننا لنشعر جميعا بأننا لن نموت مرة أخرى ، وسنبقى فى هذا النعيم الدائم بفضل الله ورحمته . وبعضهم يرى أن هذا السؤال من أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت . قال القرطبى قوله { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } هو من قول أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت ، ويقال " يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت " . والإِشارة فى قوله - تعالى - { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } لما سبق الإِخبار به من نفى الموت والعذاب عن أهل الجنة ، وهذا القول - أيضا - حكاية لما يقوله ذلك المؤمن لمن معه فى الجنة ، أى إن هذا النعيم الدائم الذى نحن فيه - يا أهل الجنة - لهو الفوز العظيم ، الذى لا يدانيه فوز ، ولا يقاربه فلاح . ثم يقول لهم - أيضا - { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } أى لمثل هذا العطاء الجزيل ، والنعيم المقيم ، فليعمل العاملون ، لا لغير ذلك من الأعمال الدنيوية الزائلة الفانية . ثم ساق - سبحانه - ما يدل على البون الشاسع . بين النعيم المقيم الذى يعيش فيه عباد الله الملخصون . وبين الشقاء الدائم الذى يعيش فيه الكافرون ، فقال - تعالى - { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ … } .