Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 65-88)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين إنما وظيفتى الإِنذار والتخويف لكم من عذاب شديد ، إذا بقيتم على كفركم ، وأعرضتم عن دعوتى . واقتصر على الإِنذار مع أنه مبشر - أيضا - لأنه المناسب لردهم عن شركهم ، وعن وصفهم له تارة بأنه ساحر ، وأخرى بأنه كاهن … إلخ . وقوله - سبحانه - { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ . رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } نفى لكل شريك مع الله - تعالى - فى ذاته ، أو صفاته ، أو فى خلقه لهذا الكون . أى ليس هناك من إله سوى الله - تعالى - فى هذا الكون ، وهو - سبحانه - الواحد الأحد ، القاهر فوق عباده ، الموجد للسموات والأرض وما بينهما ، الغالب لكل شئ ، الكثير المغفرة لمن يشاء من عباده . فأنت ترى أنه - سبحانه - قد وصف ذاته فى هاتين الآيتين بخمس صفات تليق بذاته وببيان أن الشرك به - سبحانه - فى العبادة أو الطاعة ظلم عظيم وجهل فاضح . ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن ما جاءهم به من عند ربه أمر عظيم ، لا يليق بعاقل أن يعرض عنه فقال { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ . أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } . أى قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين إن ما جئتكم به من عند ربى من قرآن كريم ، ومن هدايات بها تسعدون فى دنياكم وآخرتكم ، هو خبر عظيم ، يجب أن تلقوا إليه أسماعكم ، وأن تهيئوا نفوسكم لقبوله … ولكنكم قابلتموه بالإِعراض والصدود ، لفرط غفلتكم ، وشدة جهالتكم ، وتماديكم فى كفركم . فالآية الأولى دعوة هامة لهم لكى يقلعوا عن شركهم ، والآية الثانية توبيخ لهم على عنادهم حيث تركوا ما ينفعهم ، وعكفوا على ما يضرهم . ثم نفى صلى الله عليه وسلم عن نفسه أن يكون عنده علم بشئ من أخبار الملأ الأعلى ، إلا عن طريق الوحى فقال - كما حكى القرآن عنه { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } والمراد بالملأ الأعلى عالم السموات وما فيه من ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون . قال القرطبى الملأ الأعلى هم الملائكة فى قول ابن عباس والسدى . اختصموا فى أمر آدم حين خلق ، فقالوا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ … } وقال إبليس { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وفى هذا بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهى … وقال ابن كثير وقوله { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أى لولا الوحى من أين كنت أدرى باختلاف الملأ الأعلى . يعنى فى شأن آدم ، وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه فى تفضيله عليه … ؟ فالآية تنفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم علم شئ من أخبار الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى . وجملة { إِنْ يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } معترضة بين إيراد اختصامهم على سبيل الإِجمال ، ثم إيراده فى الآيات الآتية بعد ذلك على سبيل التفصيل . و " إن " نافية ونائب فاعل " يوحى " ضمير تقدير هو يعود على المفهوم مما سبق . وهو شأن الملأ الأعلى ، و " أنما " بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل . أى ليس لى من علم بما يدور فى الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى ، وهذا الوحى لا ينزل على إلا من أجل أنى رسول من عند الله - تعالى - أنذركم بما يكلفنى به إنذاراً واضحا بينا . ثم فصل - سبحانه - هذا التخاصم الذى أشار إليه - سبحانه - قبل ذلك فى قوله { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } فقال { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } . و " إذ " فى قوله { إِذْ قَالَ رَبُّكَ … } بدل من قوله { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } ، لاشتمال ما فى حيزها على تفصيل تلك الخصومة . وقيل هى منصوبة بتقدير اذكر . قالوا والمراد بالملائكة هنا ، ما يشمل إبليس ، بدليل أن الأمر بالسجود لآدم كان للجميع ، وأنهم جميعاً امتثلوا لأمر الله - تعالى - ما عدا إبليس . والمراد بالبشر آدم - عليه السلام - مأخوذ من مباشرته للأرض ، أو من كونه ظاهر البشرة ، أى الجلد والهيئة . أى لم يكن لى من علم بالملأ الأعلى وقت اختصامهم ، حين قال الله - تعالى - للملائكة ومعهم إبليس { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } هو آدم عليه - السلام - فإذا صورته على صورة البشر ، وأفضت عليه ما به من الحياة من الروح التى هى من أمرى - ولا علم لأحد بها سواى ، فاسجدوا له سجود تحية وتكريم . ولا تعارض بين وصف آدم هنا بأنه خلق من طين ، وبين وصفه فى آيات أخرى بأنه خلق من تراب ، أو من صلصال من حمأ مسنون ، فإن المادة التى خلق منها آدم وإن كانت واحدة ، إلا أنها مرت بمراحل متعددة ، وكل آية تتحدث عن مرحلة معينة . وأضاف - سبحانه - الروح إلى ذاته ، للإِشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو - تعالى - ، وأن مرد كنهها وكيفية هذا النفخ ، مما استأثر - سبحانه - به ، ولا سبيل لأحد إلى معرفته ، كما قال - تعالى - { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } والفاء فى قوله { فَقَعُواْ لَهُ … } جواب إذا . والمراد بالوقوع السقوط أى فاسقطوا وخروا له حالة كونكم ساجدين له بأمرى وإذنى ، على سبيل التحية له ، لأن السجود بمعنى العبادة لا يكون لغير الله تعالى . ثم بين - سبحانه - ما كان بعد ذلك فقال { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . أى امتثل الملائكة لأمر الله - تعالى - فسجدوا جميعا لآدم فى وقت واحد ، إلا إبليس فإنه أبى الامتثال لأمر ربه ، واستكبر عن طاعته ، وصار بسبب ذلك من الكافرين الجاحدين لأمر الله - تعالى - . قال صاحب الكشاف ولفظ " كل " للإِحاطة و " أجمعون " للاجتماع ، فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ، ما بقى منهم ملك إلا سجد ، وأنهم سجدوا جميعا فى وقت واحد ، غير متفرقين فى أوقات . فإن قلت كيف ساغ السجود لغير الله ، ؟ قلت الذى لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة فأما على وجه التكرمة والتبجيل ، فلا يأباه العقل ، إلا أن يعلم الله تعالى فيه مفسدة فينهى عنه . ثم حكى - سبحانه - ما قاله لإِبليس حين عصى أمره فقال { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ … } . ومذهب السلف فى مثل هذا التعبير ، أن اليد - مفردة أو غير مفردة - إذا وصف الله تعالى بها ذاته ، فهى ثابتة له ، على الوجه الذى يليق بكماله ، مع تنزهه - سبحانه - عن مشابهته للحوداث . ومذهب الخلف تأويل اليد بالقدرة أو النعمة . والتثنية في يدى ، للتأكيد الدال على مزيد القدرة في خلقه . أى قال الله - تعالى - لإبليس على سبيل التأنيب والتقريع يا إبليس ما الذى منعك من السجود لآدم الذى خلقته بيدى ؟ { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } أى أمنعك من السجود لآدم تكبرك من غير موجب هذا التكبر ، أم كنت ممن علا على غيره بدون حق ؟ والاستفهام للتوبيخ والإِنكار . { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } أى قال إبليس فى الجواب على ربه - تعالى - أنا خير من آدم . { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فهو - لعنه الله - يرى أن النار أفضل من الطين ، ولا يصح سجود الفاضل للمفضول . ولا شك أن هذا التعليل من إبليس فى نهاية سوء الأدب ، لأنه بعدم سجوده قد عصى رب العالمين ، وفضلا عن ذلك فإن هذه العلة لا تقتضى صحة المدعى ، لأن النار ليست خيرا من الطين حتى يكون المخلوق منها أفضل ، إذ النار يطفئها الطين … وقد رد - سبحانه - على هذا التطاول من إبليس بقوله { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } . والفاء فى قوله { فَٱخْرُجْ } لترتيب الأمر بالطرد على ما حدث منه . والضمير فى " منها " يعود إلى السماء ، أو إلى الجنة ، لأنه كان فيهما . أى قال - تعالى - لإبليس على سبيل الزجر ما دمت يا إبليس قد عصيت أمرى ، فاخرج من الجنة ومن كل مكان فيه تكريم لك ، فإنك رجيم ، أى مطرود من رحمتى . وإن عليك لعنتى وغضبى إلى يوم القيامة ، فإذا ما جاء هذا اليوم ازدادت لعنتى عليك . { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ } أى فأمهلنى { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أى فأخرنى ولا تمتنى إلى يوم البعث ، لأتمكن من إغواء ذرية آدم . { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ . إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } أى قال - سبحانه - قد أجبت لك ما تقتضيه حكمتى ، وهو أنى سأؤخر إهلاكك إلى الوقت الذى حددته لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الأولى ، لا إلى وقت البعث الذى طلبه إبليس . { قَالَ } أى إبليس { فَبِعِزَّتِكَ } أى فبحق سلطانك وقهرك { لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أى لأغوين بنى آدم جميعا بالمعاصى ، ولأضلنهم ولأمنينهم { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } فلا يتأثرون بإغوائى ، لأنى لا قدرة لى عليهم . { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ . لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وقوله { فَٱلْحَقُّ } مبتدأ محذوف الخبر أى فالحق قسمى لأملأن … وقوله { وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } لفظ الحق منصوب هنا على أنه مفعول لأقول ، قدم عليه لإِفادة الحصر . والجملة من الفاعل والمفعول معترضة بين القسم والمقسم عليه لتقرير مضمون الجملة القسمية . أى قال الله - تعالى - فى رده على إبليس فالحق قسمى ويمينى - ولا أقول إلا الحق - لأملأن جهنم من جنسك يا إبليس ، وممن تبعك من الناس جميعا ، لأن هذا جزاء من عصانى . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ، أنه لا يريد من وراء دعوته عرضا زائلا من أعراض الدنيا فقال { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ . إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } . أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين وغيرهم إنى لا أسألكم أجرا على تبليغكم ما أمرنى الله بتبليغه إليكم ، وما أنا من الذين يتكلفون ويتصنعون القول أو الفعل الذى لا يحسنونه ، بل أنا رسول من عند الله وصادق فيما أبلغه عنه . وما هذا القرآن الذى جئتكم به من عند ربى ، إلا وعظ بليغ للثقلين ، وشرف عظيم لهما فى اتباع أوامره ونواهيه . لتعلمن - أيها الناس - صدق ما أخبركم به من وعد ومن وعيد بعد وقت محدد فى علم الله - تعالى - وبعد فهذا تفسير لسورة " ص " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ؟ .