Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتحت سورة " الزمر " بالثناء على القرآن الكريم ، وببيان مصدره ، قال - تعالى - { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } . أى هذا الكتاب وهو القرآن الكريم . قد نزل عليك - يا محمد - من لدن الله - تعالى - { ٱلْعَزِيزِ } أى الغالب على كل شئ { ٱلْحَكِيمِ } فى كل تصرفاته وأفعاله ، وليس هذا القرآن قولا مفترى كما زعم الجاحدون الذين انطمست بصائرهم ، واستحبوا العمى على الهدى . والذى يتتبع آيات القرآن الكريم ، يرى أن الله - تعالى - إذا ذكر تنزيله لكتابه أتبع ذلك ببعض أسمائه الحسنى ، المتضمنة لصفاته الجليلة . ففى أول سورة غافر نجد قوله - تعالى - { حـمۤ . تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } . وفى أول سورة الجاثية نجد قوله - تعالى - { حـمۤ . تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } . وفى أول سورة الأحقاف نجد مثل هذا الافتتاح . وفى أول سورة فصلت نجد قوله - تعالى - { حـمۤ . تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وفى صدر سورة " يس " نجد قوله - سبحانه - { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ . لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ … } ولا يخفى أن ذكره - سبحانه - لبعض أسمائه الحسنى ، بعد ذكره لتنزيل هذا القرآن على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم فيه ما فيه من الثناء على القرآن الكريم ، ومن بيان أنه قد نزل من عند الله - تعالى - وحده ، الذى له الخلق والأمر . تبارك الله رب العالمين . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدعو الناس إلى قبول هذا الكتاب ، وإلى العمل بهداياته ، فقال - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقَّ … } . أى هذا الكتاب هو تنزيل من عند الله - تعالى - الغالب على كل شئ . والحكيم فى أقواله وأفعاله . وقد أنزله - سبحانه - عليك - يا محمد - تنزيلا ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل ، أو ما يشبه الباطل ، وذلك يوجب قبوله والعمل بكل ما فيه . قال الآلوسى قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ } بيان لكونه نازلا بالحق ، وتوطئة لما يذكر بعد … أو شروع فى بيان المنزل إليه ، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل … والباء متعلقة بالإِنزال ، وهى للسببية ، أى أنزلناه بسبب الحق ، أى إثباته وإظهاره . أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وهى للملابسة . أى أنزلناه ملتبسا بالحق والصواب . والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتما . والفاء فى قوله - تعالى - { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها . والعبادة أقصى درجات التذلل والخضوع للمعبود - عز وجل - والإِخلاص معناه أن يقصد المسلم بعبادته وقوله وعمله وجه الله - تعالى - . أى أنزلنا إليك - أيها الرسول الكريم - هذا الكتاب بالحق الذى لا يشوبه باطل ، وما دام الأمر كذلك فعليك أن تخلص لربك عبادتك وطاعتك ودينك إخلاصا تاما ، لا يحوم حوله رياء أو تفاخر ، أو غير ذلك مما يتنافى مع إخلاص الخضوع لله - تعالى - وحده . قال الشوكانى وفى الآية دليل على وجوب النية ، وإخلاصها من الشوائب لأن الإِخلاص من الأمور القلبية التى لا تكون إلا بأعمال القلب ، وقد جاءت السنة الصحيحة أن ملاك الأمر فى الأقوال والأفعال النية ، كما فى حديث " إنما الأعمال بالنيات " وحديث " لا قول ولا عمل إلا بنية " . وجملة { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } مؤكدة ومقررة لمضمون ما قبلها من وجوب إفراد العبادة والطاعة لله - تعالى - وزادها تأكيداً وتقريراً لما قبلها تصديرها بأداة الاستفتاح { ألا } واشتمالها على أسلوب القصر . أى ألا إن الله - تعالى - وحده - وليس لأحد سواه - الدين الخالص من شوائب الشرك والرياء . والعبادة لوجهه وحده ، والخضوع لقدرته التى لا يعجزها شئ . ثم بين - سبحانه - ما عليه المشركون من ضلال فقال { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ … } فالمراد بالموصول المشركون ، ومحله الرفع على الابتداء ، وخبره قوله - تعالى - بعد ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وجملة { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } فى محل نصب على الحال بتقدير القول ، والاستثناء مفرغ من أعم العلل . والزلفى اسم أقيم مقام المصدر الذى يتلاقى معه فى المعنى ، والمأخوذ من قوله { لِيُقَرِّبُونَآ } . أى لله - تعالى - وحده الدين الخالص ، والمشركون الذين اتخذوا معبودات باطلة ليعبدوها من دون الله ، كانوا يقولون فى الرد على من ينهاهم عن ذلك إننا ما نعبد هذه المعبودات إلا من أجل أن نتوسل بها ، لكى تقربنا إلى الله قربى ، ولتكون شفيعة لنا عنده حتى يرفع عنا البلاء والمحن . { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أى بين هؤلاء المشركون وبين غيرهم من المؤمنين الذين أخلصوا لله - تعالى - العبادة والطاعة { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر التوحيد والشرك ، بأن يجازى المؤمنين بحسن الثواب ، ويجازى الكافرين بسوء العقاب . { إِنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - { لاَ يَهْدِي } أى لا يوفق للاهتداء للحق { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } . أى من كان دائم الكذب على دين الله ، شديد الجحود لآيات الله وبراهينه الدالة على وحدانيته ، وعلى أنه لا رب لهذا الكون سواه . ثم أبطل - سبحانه - كل تصور للشرك والشركاء ، بأن نزه - تعالى - ذاته عن اتخاذ الولد فقال { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } . أى لو أراد الله - تعالى - على سبيل الفرض والتقدير - أن يتخذ ولدا ، لاختار من خلقه ما يريده هو ، لا ما يريده الضالون ، لكنه - سبحانه - لم يختر أحدا ليكون ولدا له ، فدل ذلك على بطلان زعم الزاعمين بأن الملائكة بنات الله ، أو بأن عزيراً ابن الله ، أو بأن المسيح ابن الله . { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } أى تنزه - عز وجل - عن كل شئ من ذلك ، فإنه هو الله الواحد فى ذاته وفى صفاته ، القهار لكل مخلوقاته . قال الإِمام ابن كثير بيَّن - تعالى - فى هذه الآية أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين فى الملائكة ، والمعاندون من اليهود والنصارى فى العزير وعيسى فقال { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أى . لكان الأمر على خلاف ما يزعمون . وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه ، بل هو محال ، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه ، كما قال { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } وكما قال { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } كل هذا من باب الشرط ، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم . وقال بعض العلماء ما ملخصه إرادة اتخاذ الولد هنا ممتنعة ، لأن الإِرادة لا تتعلق إلا بالممكنات ، واتخاذ الولد محال ، كما ثبت بالبرهان القطعى فتستحيل إرادته . وجعلها فى الآية شرطا وتعليق الجواب عليها ، لا يقتضى إمكانها فضلا عن وقوعها ، وقد عرف فى فصيح الكلام تعليق المحال على المحال جوازا ووقوعا . على أن الولدية تقتضى التجانس بين الوالد والولد . إذ هو قطعة منه . وقد ثبت أن كل ما عداه - سبحانه - مخلوق له . فيلزم بموجب التجانس أن يكون المخلوق من جنس الخالق ، وهو يستلزم حدوث الخالق ، أو قدم المخلوق ، وكلاهما محال . ثم أقام - سبحانه - المزيد من الأدلة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق التأمل فى ملكوت السموات والأرض ، وفى ظاهرة الليل والنهار ، وفى تسخير الشمس والقمر ، وفى خلق بنى آدم من نفس واحدة … فقال - تعالى - { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ … } .