Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 32-37)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفاء فى قوله - تعالى - { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ … } لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والاستفهام للإِنكار والنفى . أى ما دام الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أنك ستموت وهم سيموتون ، وأنكم جميعا ستقفون أمام ربكم للحساب والجزاء … فلا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين كذبوا على الله ، بأن عبدوا من دونه آلهة أخرى ، ونسبوا إليه الشريك أو الولد ، ولم يكتفوا بكل ذلك ، بل كذبوا بالأمر الصدق وقت أن جئتهم به من عند ربك . والتعبير بقوله { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ } يدل على أنهم بادروا بتكذيب ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ، بمجرد أن سمعوه ، ودون أن يتدبروه أو يفكروا فيه . وتكذيبهم بالصدق ، يشمل تكذيبهم للقرآن الكريم ، ولكل ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم . والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } للتقرير . والمثوى المكان مأخوذ من قولهم ثوى فلان بمكان كذا ، إذا أقام به . يقال ثَوَى يثوِى ثَواء ، كمضَى يمضِى مَضَاء … أى أليس فى جهنم مكانا يكفى لإِهانة الكافرين وإذلالهم وتعذيبهم ؟ بل إن فيها لمكانا يذلهم ويذوقون فيه سوء العذاب . ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة أهل الصدق والإِيمان فقال { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } . والمراد بالذى جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالذى صدق به ما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به واتبعه فيما جاء به ، كأبى بكر الصديق وغيره من الصحابة . قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس … والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية ، دخول الجند فى قولك نزل الأمير موضع كذا … والجمع فى قوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } باعتبار دخول الأتباع تباعا ومراتب التقوى متفاوتة ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها … ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء المتقين من نعيم فقال { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ … } . أى لهؤلاء المتقين كل ما يشاءونه عند ربهم ومالك أمرهم ، بسبب تصديقهم للحق ، واتباعهم لما جاءهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم . وفى قوله { عِندَ رَبِّهِمْ } تكريم وتشريف لهم . وقوله { ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } أى ذلك الذى ذكرناه من حصولهم على ما يشتهونه جزاء من أحسنوا فى أقوالهم وأفعالهم . ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر تكريمه لهم ، ورحمته بهم فقال { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } . واللام فى قوله { لِيُكَـفِّرَ … } متعلقة بمحذوف ، أى أعطاهم - سبحانه - ما أعطاهم من فضله ورحمته ليكفر عنهم أسوأ الذنوب التى عملوها ، كالكفر قبل الإِسلام ، بأن يغفر لهم ذلك ولا يؤاخذهم عليه . وإذا غفر الله - تعالى - لهؤلاء المتقين أسوأ أعمالهم ، غفر لهم - بفضله ورحمته ما هو دونه بالطريق الأولى . { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ } أى ويعطيهم ثواب أعمالهم { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } أى يعطيهم فى مقابل عملهم الصالح فى الدنيا جنات فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . على هذا التفسير يكون قوله - تعالى - أسوأ وأحسن ، أفعل تفضيل حيث كفر - سبحانه - عنهم أسوأ أعمالهم ، وكافأهم على أعمالهم بما هو أحسن منها وهو الجنة . وهذا منتهى الفضل والإِحسان من الله - تعالى - لعباده المتقين ، حيث عاملهم بالفضل ولم يعاملهم بالعدل . ومنهم من يرى أن قوله أسوأ وأحسن ، بمعنى السيئ والحسن ، فيكون أفعل التفضيل ليس على بابه ، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذى عملوا ؟ وما معنى التفضيل فيهما ؟ . قلت أما الإِضافة فما هى من إضافة أفعل إلى الجملة التى يفضل عليها ، ولكن من إضافة الشئ إلى ما هو بعضه من غير تفضيل . كقولك الأشج أعدل بنى مروان . وأما التفضيل فإيذان بأن السيئ الذى يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة ، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذى يعملونه هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه ، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ ، وحسنهم بالأحسن . ثم بين - سبحانه - عصمته لنبيه صلى الله عليه وسلم بأبلغ وجه وأتمه فقال { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } . وقراءة الجمهور { عبده } بالإِفراد وقرأ حمزة والكسائى { عباده } والاستفهام للتقرير . قال القرطبى وذلك أنهم خوفوا النبى صلى الله عليه وسلم مضرة الأوثان فقالوا له أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء . وقال قتادة مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادتها احذرك منها يا خالد ، فإن لها شدة لا يقوم لها شئ . فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها ، وتخويفهم لخالد تخويف للنبى صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذى أرسله . ويدخل فى الآية تخويفهم النبى صلى الله عليه وسلم بكثرة جمعهم وقوتهم … والمعنى أليس الله - تعالى - بكاف عبده محمدا صلى الله عليه وسلم من كل سوء ؟ وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم ؟ بلى إنه - سبحانه - لعاصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أعدائه ، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم . والحال أن هؤلاء المشركين يخوفونك - أيها الرسول الكريم - من أصنامهم التى يعبدونها من دونه - تعالى - ، مع أن هذه الآلهة الباطلة أتفه من أن تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها . { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ } أى من يضلله الله - تعالى - { فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } يهديه إلى الصراط المستقيم . { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ } أى ومن يهده الله - تعالى - إلى طريق الحق والصواب . { فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } أى فما له من أحد كائنا من كان يستطيع إضلاله . { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } بلى إنه - سبحانه - لعزيز لا يغلبه غالب ، ولا يمانعه مانع ، ولا ينازعه منازع . ولذو انتقام شديد من أعدائه ، ولا يستطيع أحد أن يمنع انتقامه منهم . ثم حكى - سبحانه - ما كان عليه هؤلاء المشركون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم . وأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يهددهم بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم … فقال - تعالى - { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ … } .