Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 60-70)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله - { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّة … } بيان لحالة الكافرين يوم القيامة ، ولما تكون عليه هيئتهم من خزى وهوان . أى وفى يوم القيامة إذا نظرت - أيها الرسول الكريم - أو - أيها العاقل - إلى وجوه الذين كذبوا على الله ، بأن أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى ، أو جعلوا له صاحبة أو ولدا … إذا نظرت إليها رأيتها مسودة مكفهرة بسبب ما أحاط بهم من عذاب ، وما شاهدوه من أهوال . وقوله { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } جملة من مبتدأ وخبر ، وهى فى محل نصب على الحال من الذين كذبوا … والاستفهام فى قوله { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِين } للتقرير والمثوى المكان والمقام . يقال ثوى فلان بالمكان وأثوى فيه ، إذا أقام به ، فهو ثاو ومنه قوله - تعالى - { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } أى أليس فى جهنم مكانا ومقرا لإِهانة المتكبرين وإذلالهم ، بسبب تطاولهم على غيرهم ، وتكذيبهم لآيات الله ؟ بلى إن بها ما يجعلهم يذوقون العذاب الأليم . ثم بين - سبحانه - حال المؤمنين يوم القيامة ، بعد بيانه لحال الذين كذبوا على الله فقال { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . ومفازتهم اسم مصدر . أو مصدر ميمى . من فاز فلان بكذا ، إذا ظفر به ، ونال مراده منه . أى وينجى الله - تعالى - بفضله ورحمته ، { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } الشرك والمعاصى من عذاب جهنم ، { بِمَفَازَتِهِمْ } أى بسبب فوزهم برضا الله - تعالى - ورحمته ، جزاء إيمانهم وتقواهم ، وقرأ حمزة والكسائى { بمفازاتهم } بالجمع . ويصح أن تكون الباء فى قوله { بِمَفَازَتِهِمْ } للملابسة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الذين اتقوا . أى ينجيهما حالة كونهم متلبسين . وقوله { لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يجوز أن يكون تفسيراً لذلك الفوز ، كأنه قيل وما مظاهر فوزهم فكان الجواب لا يمسهم السوء الذى يصيب غيرهم من الكافرين والعصاة ، ولا هم يحزنون على شئ تركوه خلفهم فى الدنيا . ويجوز أن يكون حالا من الذين اتقوا . أى ينجيهم بسبب مفازتهم ، حال كونهم لا يمسهم السوء ، أى لا يمسهم شئ مما يكره لا فى الحال ولا فى الاستقبال ، ولا هم يحزنون على ما كان منهم فى الماضى . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد كرم المتقين تكريما عظيما ، حيث نجاهم من عذاب جهنم ، وجعلهم آمنين من كل ما يغمهم فى كل زمان أو مكان . قال الإِمام الرازى ما ملخصه هذه آية جامعة ، لأن الإِنسان إذا علم أنه لا يمسه السوء ، كان فراغ البال بحسب الحال ، وإذا علم أنه لا يحزن كان هادئ النفس عما وقع فى قلبه بسبب فوات الماضى ، فحينئذ يظهر أنه سلم عن كل الآفات . وقد دلت الآية على أن المؤمنين ، لا ينالهم الخوف والرعب فى القيامة ، وتأكد هذا بقوله { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ … } ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته فقال { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } . أى الله - تعالى - هو وحده الخالق لكل شئ فى هذا الكون ، وهو - سبحانه - المتصرف فى كل شئ فى هذا الوجود ، بحيث لا يخرج مخلوق عن إذنه ومشيئته . { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى له وحده مفاتيح خزائنهما ، والمقاليد جمع مقلاد ، أو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، مأخوذ من التقليد بمعنى الإِلتزام . أى أنه لا يملك أمر السموات والأرض ، ولا يتمكن من التصرف فيهما غيره - تعالى - . قال صاحب الكشاف قوله { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أى هو مالك أمرهما وحافظهما لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها ، هو الذى يملك مقاليدها ، ومنه قولهم فلان ألقيت إليه مقاليد الملك ، وهى المفاتيح ، ولا واحد لها من لفظها وقيل جمع مقليد … والكلمة أصلها فارسية . فإن قلت ما للكتاب العربى المبين وللفارسية ؟ قلت التعريب أحالها عربية ، كما أخرج الاستعمال المهمل عن كونه مهملا ، ثم بين - سبحانه - مصير الكافرين فقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أى والذين كفروا بآيات الله التنزيلية والكونية الدالة على وحدانيته ، أولئك هم البالغون أقصى الدرجات فى الخسران . وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } وما بينهما اعتراض للدلالة على هيمنة الله - تعالى - على شئون خلقه … أى وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم … والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الكاملون فى الخسران . وهذه المقابلة فيها ما فيها من تأكيد الثواب العظيم للمتقين ، والعقاب الأليم للكافرين . ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوبخ الكافرين على جهالاتهم . فقال { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } . وقد ذكروا فى سبب نزولها أن المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك . والاستفهام للإِنكار والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، و " غير " منصوب بقوله { أَعْبُدُ } ، وأعبد معمول لتأمرونى على تقدير أن المصدرية ، فلما حذفت بطل عملها . والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين على سبيل التوبيخ والتأنيب أبعد أن شاهدتهم ما شاهدتم من الآيات الدالة على وحدانية الله - تعالى - ، وعلى صدقى فيما أبلغه عنه ، أبعد كل ذلك تأمرونى أن أعبد غير الله - تعالى - أيها الجاهلون بكل ما يجب لله - تعالى - من تنزيه وتقديس . ووصفهم هنا بالجهل ، لأن هذا الوصف هو الوصف المناسب للرد على ما طلبوه منه صلى الله عليه وسلم من إشراك آلهتهم فى العبادة . ثم حذر - سبحانه - من الشرك أبلغ تحذير فقال { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ . بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } قال الجمل قوله { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ … } هذه اللام دالة على قسم مقدر وقوله { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } هذه اللام - أيضا - دالة على قسم مقدر ، وقوله { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } كل من هذين اللامين واقعة فى جواب القسم الثانى . والثانى وجوابه جواب الأول . وأما جواب الشرط فى قوله { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } فمحذوف ، لدخول جواب القسم عليه ، فهو من قبيل قول ابن مالك @ واحذف لدى اجتماع شرط مقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم @@ وقوله { أُوْحِيَ } مسلط على { إِلَيْكَ } وعلى { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } فيكون المعنى ولقد أوحى إليك - أيها الرسول الكريم - وأوحى إلى الرسل الذين من قبلك أيضا لئن أشركت ، بالله - تعالى - على سبيل الفرض { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } أى ليفسدن عملك فسادا تاما { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } خسارة ليس بعدها خسارة فى الدنيا والآخرة . قال صاحب الكشاف فإن قلت الموحى إليهم ، جماعة ، فكيف قال { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } على التوحيد ؟ قلت معناه . أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك ، وإلى الذين من قبلك مثله أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم ، لئن أشركت ليحبطن عملك . كما تقول فلان كسانا حلة . أى كل واحد منا . فإن قلت كيف صح الكلام مع علم الله - تعالى - أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم . قلت هو على سبيل الفرض . والمحالات يصح فرضها … والآية الكريمة تحذر من الشرك بأسلوب فيه ما فيه من التنفير منه ومن التقبيح له ، لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لو وقع فى شئ منه - على سبيل الفرض - حبط عمله ، وكان من الخاسرين . فكيف بغيره من أفراد أمته ؟ وقوله - تعالى - { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } أمر منه - تعالى - بالثبات على عبادة الله - تعالى - وحده ، وبالمداومة على شكره ، ونهى عن طاعة المشركين ، ولفظ الجلالة منصوب بقوله { فَٱعْبُدْ } والفاء جزائية فى جواب شرط مقدر . أى لا تطع - أيها الرسول الكريم - المشركين فيما طلبوه منك ، بل اجعل عبادتك لله - تعالى - وحده ، وكن من الشاكرين له على نعمه التى لا تحصى . ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغير الله - تعالى - قد تجاوزوا حدودهم معه - عز وجل - ولم يعطوه ما يستحقه من تنزيه وتقديس فقال { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } . أى أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغيره - تعالى - ، ما عظموه حق تعظيمه ، وما أعطوه ما يستحقه - سبحانه - من تقديس وتكريم وتنزيه وطاعة . ثم ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته . وكمال قدرته . فقال { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } . والقَبْضة المرة من القَبْض ، وتطلق على المقدار المقبوض بالكف . ومطويات أى مجموعات تحت قدرته وملكه ، كما يجمع الكتاب المطوى ، والجملة الكريمة حال من لفظ الجلالة ، فيكون المعنى إن هؤلاء المشركين لم يعظموا الله حق تعظيمه ، حيث أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى هى من مخلوقاته ، والحال أنه - سبحانه - هو المتولى لإِبقاء السموات والأرض على حالهما فى الدنيا ، وهو المتولى لتبديلهما ، أو إزالتهما فى الآخرة ، فالأرض كلها مع عظمتها وكثافتها تكون يوم القيامة فى قبضته وتحت قدرته ، كالشئ الذى يقبض عليه القابض ، والسموات كذلك مع ضخامتها واتساعها ، تكون مطويات بيمينه وتحت قدرته وتصرفه ، كما يطوى الواحد منا الشئ الهين القليل بيمينه ، وما دام الأمر كذلك فكيف يشركون معه غيره فى العبادة ؟ فالمقصود من الآية الكريمة بيان وحدانيته وعظمته وقدرته - سبحانه - وبيان ما عليه المشركون من جهالة وانطماس بصيرة حين أشركوا معه فى العبادة غيره . قال صاحب الكشاف والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعته ، تصوير عظمته ، والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز … وقال الآلوسى والكلام فى هذه الآية عند كثير من الخلف ، تمثيل لحال عظمته - تعالى - ونفاذ قدرته … بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ، ويمين بها يطوى السموات ، أو بحال من يكون له قبضة فيها الأرض والسموات ، ويمين بها يطوى السموات . والسلف يقولون إن الكلام هنا تنبيه على مزيد جلالته - تعالى - . إلا أنهم لا يقولون إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ، ولا اليمين مجاز عن القدرة ، بل ينزهون الله - تعالى - عن الأعضاء والجوارح ، ويؤمنون بما نسبه - تعالى - إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذى أراده - سبحانه - وكذا يفعلون فى الأخبار الواردة فى هذا المقام . فقد أخرج البخارى ومسلم عن ابن مسعود قال " جاء حبر من الأحبار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد . إنا نجد الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع . فيقول أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ هذه الآية … " وقدم - سبحانه - الأرض على السموات لمباشرتهم لها ، ومعرفتهم بحقيقتها . وخص يوم القيامة بالذكر ، وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا - أيضا - لأن الدعاوى تنقطع فى ذلك اليوم . كما قال - تعالى - { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } روى الشيخان عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يطوى الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ، أين ملوك الأرض " . وقوله - تعالى - { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه له - تعالى - عما افتراه المفترون . أى تنزه وتقدس الله - تعالى - عن شرك المشركين ، وعن ضلال الضالين . ثم بين - سبحانه - حال الناس عند النفخة الأولى والثانية فقال { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } . والصور اسم للقرن الذى ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله - تعالى - وحقيقته لا يعلمها إلا هو - سبحانه - وقوله { فَصَعِقَ } من الصعق بمعنى الموت أو بمعنى الصوت الشديد الذى يجعل الإِنسان فى حالة ذهول شديد حتى لكأنه قد فارق الحياة . أى ونفخ فى الصور بأمر الله - تعالى - النفخة الأولى ، فخر ميتا كل من كان حيا فى السموات أو فى الأرض . { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } له الحياة من أهلهما ، قالوا والمستثنى من الصعق جبريل وإسرافيل وميكائيل . ولم يرد حديث صحيح يعتمد عليه فى تعيين من استثناه الله - تعالى - من ذلك ، فالأولى تفويض من استثناه الله من الصعق إلى علمه - عز وجل - . { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } أى ثم نفخ فى الصور نفخة أخرى - وهى النفخة الثانية التى يكون بعدها البعث والنشور . { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } أى فإذا بهؤلاء الذين صعقوا بعد النفخة الأولى قيام من قبورهم ، ينظرون حولهم بدهشة وحيرة ماذا يفعل بهم ، أو ينظرون على أى حال يكون مصيرهم . فالآية الكريمة تفيد أن النفخ فى الصور يكون مرتين المرة الأولى يكون بعدها الصعق والموت لجميع الأحياء ، والنفخة الثانية يكون بعدها البعث والنشور وإعادة الحياة مرة أخرى . والمراد بالأرض فى قوله - تعالى - بعد ذلك { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } أرض المحشر . وأصل الإِشراق الإِضاءة . يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت ، وشرقت إذا طلعت . قال ابن كثير وقوله { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } أى أضاءت - الأرض - يوم القيامة ، إذا تجلى الحق - تبارك وتعالى - للخلائق لفصل القضاء . والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } صحائف الأعمال التى تكون فى أيدى أصحابها . فالمراد بالكتاب جنسه ، أى أعطى كل واحد كتابه إما بيمينه . وإما بشماله . وقيل المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ الذى فيه أعمال الخلق . { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } أى وبعد أن أعطى كل إنسان صحائف أعماله جئ بالنبيين لكى يشهدوا على أممهم أنهم بلغوهم ما كلفهم الله بتبليغه إليهم ، وجئ بالشهداء وهم الملائكة الذين يسجلون على الناس أعمالهم من خير وشر ، كما قال - تعالى - { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } وقيل المراد بهم من استشهدوا فى سبيل الله . ثم بين - سبحانه - مظاهر عدالته فى جمل حكيمة فقال { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ } أى وقضى - سبحانه - بين الجميع بقضائه العادل { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أى نوع من الظلم . { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } من خير أو شر { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } أى وهو سبحانه - عليم بما يفعلونه من طاعة أو معصية ، لا يخفى عليه شئ من أحوال خلقه ، بل هو - تعالى - يعلم السر وأخفى . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان مصير الكافرين ، وببيان مصير المتقين ، وببيان ما يقوله المتقون عندما يرون النعيم المقيم الذى أعده - سبحانه - لهم ، فقال - تعالى - { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ … } .