Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 163-166)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما حكى أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، وذكر - سبحانه - بعد ذلك أنهم لا يسألون لأجل الاسترشاد ، ولكن لأجل العناد واللجاج ، وحكى أنواعا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم … شرع - سبحانه - بعد ذلك فى الجواب عن شبهاتهم فقال { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } . وقوله { أَوْحَيْنَآ } من الإِيحاء و الوحى . والوحى فى الأصل الإِعلام فى خفاء عن طريق الإِشارة ، أو الإِيماء ، أو الإِلهام ، أو غير ذلك من المعانى التى تدل على أنه إعلام خاص ، وليس أعلاما ظاهراً . والمراد به هنا إعلام الله - تعالى - نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ما أراد إعلامه به من قرآن أو غيره . والمعنى إنا أوحينا إليك يا محمد بكلامنا وأوامرنا ونواهينا وهداياتنا … كما اوحينا إلى نبينا نوح وإلى سائر الأنبياء الذين جاءوا من بعده . فأنت يا محمد لست بدعا من الرسل ، وإنما أنت رسول من عند الله - تعالى - تلقيت رسالتك منه - سبحانه - كما تلقاها غيرك من الرسل . وأكد - سبحانه - خبر إيحائه صلى الله عليه وسلم ، للاهتمام بهذا الخبر ، ولإِبطال ما أنكره المنكرون لوحى الله - تعالى - على أنبيائه ورسله فقد حكى القرآن عن الجاحدين للحق أنهم قالوا { مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } وبدأ سبحانه بنوح عليه السلام ، لأنه الأب الثانى للبشرية بعد آدم عليه السلام ، ولأن فى ذكره معنى التهديد لأولئك الجاحدين للرسالة السماوية ، فقد أجاب الله تعالى ، دعاءه فى الكافرين فأغرقهم أجمعين . قال الجمل وإنما بدأ الله - تعالى - بذكر نوح - عليه السلام - لأنه أول نبى بعث بشريعة ، وأول نذير على الشرك . وكان أول من عذبت أمته لردهم دعوته . وكان أطول الأنبياء عمرا . والتشبيه فى قوله { كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ } تشبيه بجنس الوحى ، وإن اختلفت أنواعه ، واختلف الموحى به . والكاف فى قوله { كَمَآ } نعت لمصدر محذوف ، { مَآ } مصدرية . أى إنا أوحينا إليك إيحاءً مثل إيحائنا إلى نوح - عليه السلام - . وقوله { مِن بَعْدِهِ } جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للبنيين أى والنبيين الكائنين من بعده أى من بعد نوح . وقوله { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } معطوف على أوحينا إلى نوح ، داخل معه فى حكم التشبيه . أى أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، وكما أوحينا إلى إبراهيم من آزر ، وكما أوحينا إلى ابنه اسماعيل ، وابنه إسحاق ، وكما أوحينا إلى يعقوب بن إسحاق ، وكما أوحينا إلى الأسباط وهم أولاد يعقوب . قال الآلوسى والأسباط هم أولاد يعقوب - عليه السلام - فى المشهور . وقال غير واحد إن الأسباط فى ولد إسحاق كالقبائل فى أولاد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل . فيجوز أن يكون - سبحانه - أراد بالوحى إليهم ، الوحى إلى الأنبياء منهم . كما تقول أرسلت إلى بنى تميم ، وتريد أرسلت إلى وجوههم ولم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنبياء ، بل الذى صح عندى - وألف فيه الجلال السيوطى رسالة - خلافه " . وكرر - سبحانه - كلمة { وَأَوْحَيْنَآ } للإِشعار بوجود فترة زمنية طويلة بين نوح وبين إبراهيم - عليهما السلام - . ثم ذكر - سبحانه - عدداً آخر من الأنبياء تشريفا وتكريما لهم فقال { وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } . أى أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى هؤلاء الأنبياء السابقين ، وكما أوحينا إلى عيسى ابن مريم الذى أنكر نبوته اليهود الذين يسألونك الأسئلة المتعنتة ، وإلى أيوب الذى ضرب به المثل فى الصبر ، وإلى يونس بن متى الذى لم ينس ذكر الله وهو فى بطن الحوت ، وإلى هارون أخى موسى ، وإلى سليمان بن داود الذى آتاه الله ملكا لم يؤته لأحد من بعده . وقوله { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } معطوف على قوله أوحينا ، وداخل فى حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإِيحاء . وأوثر . قوله هنا وآتينا على أوحينا لتحقق المماثلة فى أمر خاص وهو إيتاء الكتاب بعد تحققها فى مطلق الإِيحاء . والزبور - بفتح الزاى - اسم الكتاب الذى أنزله الله على داود - عليه السلام - قالوا ولم يكن فيه أحكام ، بل كان كله مواعظ وحكم وتقديس وتحميد وثناء على الله - تعالى - . ولفظ زبور هنا بمعنى مزبور أى متكوب . فهو على وزن فعول ولكن بمعنى مفعول . وزبر معناه كتب . أى وآتينا داود كتابا مكتوبا . ثم أجمل - سبحانه - بيان الرسل الذين أرسلهم فقال { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } . وقوله { وَرُسُلاً } منصوب بفعل مقدر قبله . أى وأرسلنا رسلا قد أخبرناك عنهم ، وقصصنا عليك أنباءهم فيما نزل عليك من قرآن قبل نزول الآيات عليك . وأرسلنا رسلا آخرين غيرهم لم نقصص عليك أخبارهم لأن حكمتنا تقتضى ذلك ، ولأن فيما قصصناه عليك من أخبار بعضهم عظات وعبرا لقوم يؤمنون . هذا ، وقد تكلم بعض العلماء عن عدد الأنبياء والرسل ، واستندوا فى كلامهم على أخبار وأحاديث لم تسلم أسانيدها من الطعن فيها . قال ابن كثير وقد اختلف فى عدد الأنبياء والمرسلين ، والمشهور فى ذلك حديث أبى ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه فى تفسيره حيث قال حدثنا إبراهيم بن محمد . عن أبى إدريس الخولانى " عن أبى ذر قال قلت يا رسول الله كم عدد الأنبياء ؟ قال " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قلت يا رسول الله . كم الرسل منهم ؟ قال ثلاثمائة وثلاثة عشر … " " . وقوله { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } تشريف لموسى - عليه السلام - بهذه الصفة ولهذا يقال له موسى الكليم . أى . وخاطب الله موسى مخاطبة من غير واسطة . قال الجمل والجملة إما معطوفة على قوله { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } عطف القصة على القصة ، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات . وقوله { تَكْلِيماً } مصدر مؤكد لعامله رافع لاحتمال المجاز . قال الفراء العرب تسمى ما وصل إلى الإِنسان كلاما بأى طريق وصل . ما لم يؤكد بالمصدر . فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام . فدل قوله { تَكْلِيماً } على أن موسى قد سمع كلام الله - تعالى - حقيقة من غير واسطة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - سبحانه - . وقد سابق بعض المفسرين نقولا حسنة فى مسألة كلام الله - تعالى - فارجع إليها إن شئت . وقوله { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } . بيان لوظيفة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وللحكمة من إرسالهم . وقوله { رُّسُلاً } منصوب على المدح ، أو بفعل مقدر قبله ، أى وأرسلنا رسلا . والمراد بالحجة هنا المعذرة التى يعتذر بها الكافرون والعصاة . أى وكما أوحينا إليك يا محمد بما أوحينا من قرآن وهدايات . وأرسلناك للناس رسولا ، فقد أرسلنا من قبلك رسلا كثيرين مبشرين من آمن وعمل صالحا يرضاه الله عنه فى الدنيا والآخرة ، ومنذرين من كفر وعصى بسوء العقبى ، وقد أرسل - سبحانه - الرسل مبشرين ومنذرين لكى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ } يوم القيامة ، أى لكى لا تكون لهم معذرة يعتذرون بها كأن يقولوا . يا ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك ، ويعلمنا أحكامك وأوامرك ونواهيك ، فقد أرسلنا إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لكى لا تكون لهم حجة يحتجون بها ، كما قال - تعالى - { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } قال الآلوسى فالآية ظاهرة فى أنه لا بد من الشرع وإرسال الرسل . وأن العقل لا يغنى عن ذلك . وزعم المعتزلة أن العقل كاف وأن مسألة الرسل إنما هو للتنبيه عن سنة الغفلة التى تعترى الإِنسان من دون اختيار . فمعنى الآية عندهم لئلا يبقى للناس على الله حجة . وتسمية ما يقال عند ترك الإِرسال حجة مع استحالة أن يكون لأحد عليه - سبحانه - حجة مجاز . بتنزيل المعذرة فى القبول عنده - تعالى - بمقتضى كرمه ولطفه منزلة الحجة القاطعة التى لا مرد لها " . وقوله { حُجَّةٌ } اسم يكون . وخبره قوله " للناس " وقوله على الله حال من حجة . وقوله { بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } أى بعد إرسال الرسل وتبليغ الشريعة على ألسنتهم وهو متعلق بالنفى أى لتنفى حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل . قال ابن كثير وقد ثبت فى الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أحد أغير من الله ، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، ومن أجل ذلك مدح نفسه ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " وفى لفظ آخر " ومن أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه " . وقوله { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } تذييل قصد به بيان قدرته التى لا تغالب وحكمته التى لا تحيط أحد بكنهها . أى وكان الله - تعالى - وما زال هو القادر الغالب على كل شئ ، الحكيم فى جميع أفعاله وتصرفاته ، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى . هذا وللمرحوم الأستاذ الإِمام محمد عبده كلام نفس فى كتابه رسالة التوحيد عن حاجة البشر إلى إرسال الرسل ، وعن وظيفتهم - عليهم الصلاة والسلام - وما قاله فى ذلك الرسل يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته . ويبينون الحد الذى يجب أن ييقف عنده فى طلب ذلك العرفان . على وجه لا يشق عليه الاطمئنان إليه ، ولا يرفع ثقته بما آتاه الله من القوة . الرسل يبينون للناس ما اختلفت عليه عقولهم وشهواتهم . وتنازعته مصالحهم ولذاتهم . فيفصلون فى تلك المخاصمات بأمر الله الصادع . ويؤيدون بما يبلغون عنه ما تقوم به المصالح العامة . ولا يفوت به المصالح الخاصة . الرسل يضعون لهم بأمر الله حدودا عامة . يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم . كاحترام الدماء البشرية إلا بحق . مع بيان الحق الذى تهدر له ، وحظر تناول شئ ما كسبه الغير إلا بحق . مع بيان الحق الذى يبيح تناوله . واحترام الأعراض . مع بيان ما يباح وما يحرم من الأبضاع . يحملونهم على تحويل أهوائهم عن اللذائذ الفانية إلى طلب الرغائب السامية آخذين فى ذلك كله بطرف من الترغيب والترهيب والإِنذار والتبشير حسبما أمرهم الله - جل شأنه - . يفصلون فى جميع ذلك للناس ما يؤهلهم لرضا الله عنهم وما يعرضهم لسخطه عليهم . ثم يحيطون بيانهم بنبأ الدار الآخرة ، وما أعد الله فيها من الثواب وحسن العقبى ، لمن وقف عند حدوده . وأخذ بأوامره . وبهذا تطمئن النفوس ، وتثلج الصدور ، ويعتصم المرزوء بالصبر ، انتظارا لجزيل الأجر . أو إرضاء لمن بيده الأمر . وبهذا ينحل أعظم مشكل فى الاجتماع الإِنسانى ، لا يزال العقلاء يجهدون أنفسهم فى حلة إلى اليوم . وقوله - سبحانه - { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } استدراك قصد به الرد على جحود أهل الكتاب للحق الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم " إنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله . فقالوا ما نعلم ذلك " فأنزل الله قوله { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } . الآية . والمقصود من الآية الكريمة تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عن تكذيب كثير من الناس له ، وإدخال الطمأنينة على قلبه ، فكأنه - سبحانه - يقول له لم يشهد أهل الكتاب بأنك رسول من عند الله وصادق فيما تبلغه عنه { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ } أى لكن الله يشهد بأن الذى أنزله إليك من قرآن هو الحق الذى لا ريب فيه . وقوله { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أى أنزله بعلم تام ، وحكمة بالغة ، أو بما علمه من مصالح عباده فى إنزاله عليك . وقوله { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ } أى والملائكة يشهدون بأنك صادق فى رسالتك ، وبأن ما أنزله الله عليك هو الحق الذى لا تحوم حوله شبهة . وقوله . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } أى وكفى بشهادة الله شهادة بأنك على الحق وإن لم يشهد غيره لك . فإنه لا عبرة لإِنكار المنكرين لنبوتك ، ولا قيمة لجحود الجاحدين لما نزل عليك بعد شهادة الله لك بأنك نبيه ورسوله ، لتخرج الناس بإذنه من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام . وقد أجاد صاحب الكشاف فى توضيح تلك المعانى حيث قال فإن قلت الاستدارك لا بد له من مستدرك فما هو فى قوله { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } . قلت لما سأل أهل الكتاب إنزال كتاب من السماء ، واحتج عليهم بقوله { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } قال لكن الله يشهد . بمعنى أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد … ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه ، إثباته لصحته بإظهار المعجزات ، كما تثبت الدعاوى بالبينات وشهادة الملائكة شهادة بأنه حق وصدق . فإن قلت ما معنى قوله { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } قلت معناه أنزله متلبسا بعلمه الخاص الذى لا يعلمه غيره . وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان ، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة ، لأنه بيان للشهادة . وقيل أنزله وهو عالم بأنك أهل لإِنزاله إليك وأنك مبلغه . ويحتمل أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشيطان برصد من الملائكة ، والملائكة يشهدون بذلك . هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها قد أثبتت صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى رسالته بالأدلة الساطعة . والحجج الواضحة وبينت وظيفة الرسل - عليهم السلام - وحكمة الله فى إرسالهم ، وزادت للنبى صلى الله عليه وسلم طمأنينة بأنه على الحق ، لأن الله قد شهد له بذلك ، وكفى بشهادة الله شهادة مهما خالفها المخالفون ، وأعرض عنها المعرضون . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما عليه الكافرون من ضلال وخسران ، وما سيصير إليه حالهم يوم القيامة من ذل ومهانة ، ووجه إلى الناس جميعا نداء أمرهم فيه بالإِيمان وترك الكفر والعصيان فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … عَلِيماً حَكِيماً } .