Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 167-170)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله { وَصَدُّواْ } من الصد بمعنى المنع والانصراف عن الشئ . قال الراغب والصد قد يكون انصرافا عن الشئ وامتناعا نحو { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } وقد يكون صرفا ومنعا نحو { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } والمعنى إن الذين كفروا بالحق الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى وأعرضوا عن الطريق الذى أمر الله بسلوكه وهو طريق الإِسلام ولم يكتفوا بذلك بل منعوا غيرهم أيضا عن سلوكه . إنهم بفعلهم هذا { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } أى قد ضلوا - بسبب كفرهم وصدهم أنفسهم والناس عن الحق - ضلالا بلغ الغاية فى الشدة والشناعة . ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بما يجب الإِيمان به { وَظَلَمُواْ } أنفسهم بإيرادها موارد التهلكة ، وظلموا غيرهم بأن حببوا إليه الفسوق والعصيان وكرهوا إليه الطاعة والإِيمان . إن هؤلاء الذين جمعوا بين الكفر والظلم { لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } . أى لم يكن الله ليغفر لهم ، لأنه - سبحانه - لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ولم يكن - سبحانه - ليهديهم طريق من طرق الخير ، لكنه - سبحانه - يهديهم إلى طريق تؤدى بهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، وبسبب فساد استعدادهم ، وسوء اختيارهم . والتعبير بالهداية فى جانب طريق النار من باب التهكم بهم . وقوله { خَالِدِينَ فِيهَآ } حال مقدرة من الضمير المنصوب فى { يَهْدِيَهُمْ } ، لأن المراد بالهداية هداتيهم فى الدنيا إلى طريق جهنم . أى ما يؤدى بهم إلى الدخول فيها . وقوله { أَبَداً } منصوب على الظرفية ، وهو مؤكد للخلود فى النار رافع لاحتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل . أى خالدين فيها خلودا أبديا بحيث لا يخرجون منها . وقوله { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } تذييل قصد به تحقير شأنهم ، وبيان أنه - سبحانه - لا يعبأ بهم . والمراد وكان ذلك - أى انتفاء غفران ذنبوهم ، وانتفاء هدايتهم إلى طريق الخير ، وقذفهم فى جهنم وبئس المهاد - كان كل ذلك على الله يسيرا . أى هينا سهلا لأنه - سبحانه - لا يستعصى على قدرته شئ . ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } . أى يأيها المكلفون من الناس جميعا ، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته ، بالهدى ودين الحق من ربكم ، فآمنوا به وصدقوه وأطيعوه ، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة . فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين ، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود ، بعيدا أم قريبا . … لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا . والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته . وقوله { بِٱلْحَقِّ } متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول . أى جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل . وقوله { مِن رَّبِّكُمْ } متعلق بمحذوف على أنه حال أيضا من الحق . أو متعلق بجاء . أى جاءكم من عند الله - تعالى - وليس منقولا . ويرى بعضهم أن قوله { خَيْراً } خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، أى فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم . ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف . أى فآمنوا إيمانا خيرا لكم . وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود ، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً . فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين ، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام ، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة . تلك هى عاقبة المؤمنين ، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } . أى وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم ، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا ، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه ، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته . وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير ، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين ، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير . ثم وجهت السورة الكريمة بعد ذلك نداء إلى أهل الكتاب حذرتهم فيه من المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - وبينت لهم وللناس أن عيسى إنما هو عبد الله ورسوله ، وبشرت المؤمنين بالأجر الجزيل ، وأنذرت المستكبرين بالعذاب الأليم . استمع إلى القرآن الكريم وهو يرشد إلى كل ذلك فيقول { يٰأَهْلَ … صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } .