Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله { صَدُقَاتِهِنَّ } جمع صدقة - بضم الدال - وهى ما يعطى للزوجة من المهر . وقوله { نِحْلَةً } أى عطية واجبة وفريضة لازمة . إذ النحلة فى الأصل العطية على سبيل التبرع . يقال نحله كذا نحلة ونحلا ، إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا مقابلة عوض . والمعنى وأعطوا النساء مهورهن عطية عن طيب نفس منكم ، لأن هذه المهور قد فرضها الله لهن ، فلا يجوز أن يطمع فيها طامع ، أويغتالها مغتال ، والخطاب للأزواج . قالوا لأن الرجل كان يتزوج المرأة بلا مهر ويقول لها أرثك وترثيننى ؟ فتقول نعم . فأمروا أن يسرعوا إلى إعطاء المهور . وقيل الخطاب لأولياء النساء ، وذلك لأن العرب فى الجاهلية كانت لا عطى النساء من مهورهن شيئا ، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت هنيئا لك النافجة . أى هنيئا لك هذه البنت التى تأخذ مهرها إبلا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أى تزيده وتكثره . وقد رجح ابن جرير كون الخطاب للأزواج فقال " وذلك لأن الله - تعالى - ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين للنساء ، ونهاهم عن ظلمهن . ولا دلالة فى الآية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم . فإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذين قيل لهم { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } هم الذين قيل لهم { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ } وأن معناه وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهم نحلة ، لأنه قال فى الأول { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } ولم يقل " فأنحكوا " حتى يكون قوله { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ } مصروفا إلى أنه معنى به أولياء النساء دون أزواجهن . وهذا أمر من الله لأزواج النساء المسمى لهن الصداق أن يؤتوهن صدقاتهن " والذي نراه أن الخطاب فى الآية الكريمة يتناول كل من له علاقة بالنساء من الأزواج أو الأولياء وغيرهم من الاحكام الذين اليهم المرجع في رد الحقوق إلى ذويها ، والضرب على أيدى المعتدين والطامعين فى حقوق النساء ، وذلك لأن الخطاب من أول السورة موجبة إلى الأولياء والأزواج فناسب أن يكون الخطاب هنا شاملا لكليهما فإن أعطوهن عن رضا كان حسنا وإلا أجبرهم الحكام على ذلك . وقوله { نِحْلَةً } منصوب على الحالية من قوله { صَدُقَاتِهِنَّ } أي منحولة معطاة عن طيب نفس . أو منصوب على الحالية من المخاطبين . أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبى النفوس بالإِعطاء . وفي التعبير عن إيتاء المهور بالنحلة مع كونها واجبة الأداء . لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضا وطيب الخاطر دون أن يكون لهذه النحلة مقابل . وقوله - تعالى - { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } بيان للحكم فيما إذا تنازل النساء عن شيء مما أعطوا عن طيب خاطر منهن أى عليكم أيها الرجال أن تدفعوا للنساء مهورهن مناولة أو التزاما . فإن حدث وتنازل لكم النساء عن شئ من هذه المهور بسماحة ورضا نفس ، فكلوه أكلا سائغا ، حميد المغبة ، حلال الطعمة ، خاليا من شائبة الحرام والشبهات والضمير المجرور في قوله { مِّنْهُ } يعود إلى الصدقات أي المهور . وجئ به مفرداً مذكرا ، لجريانه مجرى اسم الاشارة كأنه قيل فإن طابت أنفسهن لكم عن شئ من ذلك المذكور وهو الصدقات فكلوه . قال صاحب الكشاف وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن ولم يقل فإن وهبن أو سمحن ، إعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب عن طيب خاطر . والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق ، وتجافت عنه نفوسهن طيبات لا لحياء عرض لهن منكم أو من غيركم ، ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم ، وسوء معاشرتكم فكلوه هنيئا مريئا " . وقوله { نَفْساً } منصوب على التمييز من الضمير وهو نون النسوة في قوله { طِبْنَ } … وهو محول عن الفاعل والأصل فان طابت أنفسهن عن شئ منه فكلوه . وجئ به مفرداً لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه كقولك عندى عشرون درهما . والمراد بالأكل في قوله { فَكُلُوهُ } مطلق التصرف والانتفاع . وإنما خص الأكل بالذكر ، لأنه معظم وجوده التصرفات المالية . وقوله { هَنِيئاً مَّرِيئاً } حالان من الضمير المنصوب في قوله { فَكُلُوهُ } أو منصوبان على أنهما نعت لمصدر محذوف . أي فكلوه أكلا هنيئا مريئا . وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ . يقال هنؤ الطعام وهنئ هناءة . إذا كان سائغا لاتنغيص فيه . وقيل الهنئ ما أناك بلا مشقة ولا تبعة . ويقال مرأ الطعام - بتثليث الراء - مراءة فهو مرئ ، إذا كان حميد المغبة والمراد المبالغة في تحليل ما يأتيهم من نسائهم عن طيب خاطر منهن ، فقد كانوا يتأنمون من أخذ شئ من مهور نسائهم ، فقال الله - تعالى - لهم إن طابت نفوسهن بالتنازل عن شئ من مهورهن لكم فكلوه هنيئا مريئا ، لأنه حلال خالص من الشوائب . هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة أنه لا بد فى النكاح من صداق يعطى للمرأة سواء أسمى ذلك في العقد أم لم يسم . قال القرطبي وهو مجمع عليه ولا خلاف عليه . ومنها أن هذا الصداق ملك لها ، ومن حقها أن تتصرف فيه بما شاءت . ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أولا . ولذا قال بعض الفقهاء . لها أن تبيع مهرها قبل أن تقبضه لأنه ملك بلا عوض وقال آخرون ليس لها أن تبيعه حتى تقبضه لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض . ومنها أنه يجوز للمرأة أن تعطى زوجها - برضاها واختيارها - مهرها أو جزاءاً منه سواء أكان مقبوضا معينا أم كان في الذمة . فشمل ذلك الهبة والإبراء . وأنه ليس من حقها الرجوع فيما أعطت لأنها قد طابت نفسها بذلك . وهذا رأى جمهور العلماء . ويرى بعض العلماء أن من حقها الرجوع فيما أعطت . قال الفخر الرازى قال بعض العلماء إن وهبت ثم طلبت بعد الهبة علم أنها لم تطب عنه نفسا . وعن الشعبى أن أمرأة جاءت مع زوجها الى شريح القاضى فى عطية أعطتها إياه . وهي تطلب الرجوع . فقال شريح رد عليها عطيتها . فقال الرجل أليس قد قال الله - تعالى - { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ } ؟ فقال شريح لو طابت نفسها لما رجعت فيه . وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى قضاته . أن النساء يعطين رغبة ورهبة . فأيما امرأة اعطت ثم ارادت أن ترجع فذلك لها . ثم نهى - سبحانه - عن إيتاء الأموال للسفهاء ، لدفع توهم إيجاب أن يؤتى كل مال لمالكه ولو كان سفيها فقال تعالى { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ … } .