Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-5)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والسفهاء جمع سفيه . والسفه - كما يقول الراغب - خفة في البدن ، ومنه قيل زمام سفيه أى كثير الأضطراب ، وثوب سفيه ردئ النسج ، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل ، ويكون في الأمور الدنيوية والأخروية ، قال - تعالى - في السفه الدنيوي { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } وقال في السفه الأخروي { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } والمراد من السفهاء هنا ضعاف العقول والأفكار الذين لا يحسنون التصرف . والمراد من قوله { قِيَاماً } ما به القيام والتعيش . يقال فلان قيام أهله أي يقيم شأنهم ويصلهم . وهو المفعول الثانى لجعل . أما المفعول الأول لجعل فمحذوف ويرجع إلى ضمير الأموال . وقرأ نافع وابن عامر { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قيٰماً } على أنه مصدر مثل الحول والعوض . وقرأ ابن عمر { قواما } - بكسر القاف وبواو وألف - قال الآلوسي وفيه وجهان الأول أنه مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا فصحت الواو في المصدر كما صحت في الفعل . والثاني أنه اسم لما يقوم به الأمر وليس بمصدر " . هذا ، وقد اختلف المفسرون في تعيين المخاطبين بقوله - تعالى - { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } كما اختلفوا في المراد من السفهاء على أقوال أشهرها أن المخاطبين بهذه الآية هم أولياء اليتامى ، وأن المراد من السفهاء هم اليتامى الذين لم يحسنوا التصرف في أموالهم لصغرهم أو لضعف عقولهم ، واضطراب أفكارهم . وأن المراد بالأموال فى قوله { أَمْوَالَكُمُ } هي أموال هؤلاء اليتامى لا أموال الأولياء . فيكون المقصود من الاية الكريمة نهى الأولياء عن إيتاء السفهاء من اليتامى أموالهم التى جعلها الله مناط تعيشهم ، خشية إساءة التصرف فيها لخفة أحلامهم . وإنما أضيفت الأموال فى الآية الكريمة إلى ضمير المخاطبين وهم الأولياء ، مع أن هذه الأموال في الحقيقة لليتامى للتنبيه إلى أن أموال اليتامى كأنها عين أموالهم ، مبالغة فى حملهم على وجوب حفظها وصيانتها من أى إتلاف أو إضرار بها . قال الفخر الرازى ما ملخصه والدليل على أن الخطاب فى الآية الكريمة للأولياء قوله - تعالى - بعد ذلك { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } وأيضا فعلى هذا القول يحسن تعليق هذه الآية بما قبلها فكأنه - تعالى - يقول إنى وإن كنت أمرتكم بإيتاء اليتامى أموالهم . فإنما قلت ذلك إذا كانوا عاقلين بالغين متمكنين من حفظ أموالهم ، فأما إذا كانوا غير بالغين أو غير عقلاء ، أو إن كانوا بالغين عقلاء إلا أنهم كانوا سفهاء مسرفين ، فلا تدفعوا إليهم أموالهم وأمسكوها لأجلهم إلى أن يزول عنهم السفه . والمقصود من كل ذلك الاحتياط في حفظ أموال الضعفاء والعاجزين " . وقيلإن الخطاب في الآية الكريمة للأباء ، والمراد من السفهاء الأولاد الذين لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه ، بل إذا أعطى لهم أفسدوه وأتلفوه . وعلى هذا الرأى تكون إضافة الأموال الى المخاطبين على سبيل الحقيقة . ويكون المعنى لا تؤتوا أيها الأباء أموالكم لأولادكم السفهاء لأن فى إعطائكم إياهم لهم إفسادا لهم مع أن فيها قوام حياتكم وصلاح أحوالكم . والذى نراه أن الخطاب في الآية الكريمة لجميع المكلفين حاكمين ومحكومين ليأخذ كل من يصلح لهذا الحكم حظه من الامتثال . وأن المراد بالسفهاء كل من لا يحسن المحافظة على ماله لصغره ، أو لضعف عقله ، أو لسوء تصرفاته سواءً أكان من اليتامى أم من غيرهم لأن التعميم فى الخطاب وفى الألفاظ - عند عدم وجود المخصص - أولى ، لأنه أوفر معنى ، وأوسع تشريعا . وفي إضافة الأموال إلى جميع المخاطبين المكلفين من المسلمين إشارة بديعة إلى أن المال المتداول بينهم هو حق لمالكية المختصين به في ظاهر الأمر ، ولكنه عند التأمل تلوح فيه حقوق الأمة جمعاء لأن وضعه في المواضع التى أمر الله بها منفعة للأمة كلها ، وفى وضعه فى المواضع التى نهى الله عنها مضرة بالأمة كلها ، وتعاليم الإسلام التى تجعل المسلمين جميعا أمة واحدة متكافلة متراحمة تعتبر مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين . وبعد أن نهى - سبحانه - عن إيتاء المال للسفهاء ، أمر بثلاثة أشياء ، أولها وثانيها قوله - تعالى - { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } . أى اجعلوا هذه الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم ، بأن تتجروا فيها حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من أصل المال لئلا يفنيه الإِنفاق منه . وإنما قال { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } ولم يقل " منها " لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم ، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويستثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال . أما الأمر الثالث فهو قوله - تعالى - { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } . والقول المعروف هو كل ما تسكن إليه النفس لموافقته للشرع والعقول السليمة ، كأن يكلموهم كلاما لينا تطيب به نفوسهم ، وكأن يعدوهم عدة حسنة بأن يقولوا لهم إذا صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم . وكأن ينصحوهم بما يصلحهم ويبعدهم عن السفه وسوء التصرف . وفى أمره - سبحانه - للمخاطبين بأن يقولوا لهؤلاء السفهاء قولا معروفا ، بعد أمره لهم برزقهم وكسوتهم ، إشعار بأن من الواجب عليهم أن يقدموا إليهم الرزق والكسوة مصحوبين بوجه طلق ، وبقول جميل بعيد عن المن والأذى ، فقد جرت عادة من تحت يده المال أن يستثقل إخراجه لمن سأله إياه . هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب المحافظة على الأموال وعدمت تضييعها . قال صاحب الكشاف وكان السلف يقولون المال سلاح المؤمن . ولأن أترك مالا يحاسبنى الله عليه ، خير من أن أحتاج إلى الناس . وعن سفيان - وكانت له بضاعة يقلبها - لولاها لتمندل بى بنو العباس - أي لولاها لأتخذوني كالمنديل يسخروننى لمصالحهم - وقيل لأبى الزناد لم تحب الدراهم وهى تدنيك من الدنيا ؟ فقال لئن أدنتنى من الدنيا فقد صانتنى عنها . وكانوا يقولون اتجروا واكتسبوا فإنكم فى زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه . وربما رأوا رجلا فى جنازة ، فقالوا له اذهب إلى دكانك " . وقال بعض العلماء ولنقف عند قوله - تعالى - { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } لنعلم ما يوحى به من تكافل الأمة ومسئولية بعضها عن بعض . ومن أن المال الذى فى يد بعض الأفراد " قوام للجميع " ينتفعون به فى المشروعات العامة ، ويفرجون به أزماتهم وضائقاتهم الخاصة عن طريق الزكاة ، وعن طريق التعاون وتبادل المنافع . وهذا هو الوضع المالى فى نظر الشريعة الإِسلامية ، فليس لأحد أن يقول مالى مالى . هو مالى وحدى لا ينتفع به سواى ، ليس لأحد أن يقول هذا أو ذاك . فالمال مال الجميع ، والمال مال الله ، ينتفع به الجميع عن الطريق الذى شعره الله فى سد الحاجات ودفع الملمات . وهو ملك لصاحبه يتصرف فيه لا كما يشاء ويهوى بل كما رسم الله وبين فى كتابه ، حتى إذا ما أخل بذلك فأسرف وبذر أو ضن وقتر حجر عليه " . كذلك من الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الحجر على السفهاء ، لأن الله - تعالى - قد أمر بذلك . ووجوب إقامة الوصى والولى والكفيل على الأيتام الصغار ومن فى حكمهم ممن لا يحسنون التصرف . ثم بين - سبحانه - الوقت الذى يتم فيه تسليم أموال اليتامى إليهم ، وكيف تجب حياطتهم والعناية بهم وبأموالهم فقال - تعالى - { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ … } .