Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-6)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة " غافر " من السور التى افتتحت ببعض الحروف المقطعة ، وهو قوله - تعالى - { حـمۤ } . وقد ذكرنا آراء العلماء فى تلك الحروف المقطعة بشئ من التفصيل ، عند تفسيرنا لسور البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس … وقلنا ما خلاصته لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد جئ بها فى افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن . فكأنه - سبحانه - يقول لهؤلاء المعاندين والمعارضين فى أن القرآن من عند الله ها كم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله ، أو عشر سور فى مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . وقوله - تعالى - { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } جملة من مبتدأ وخبر ، أى هذا الكتاب منزل عليك - أيها الرسول الكريم - من الله - تعالى - وحده ، وليس من عند أحد غيره . ثم وصف - سبحانه - ذاته بثمانى صفات تليق بذاته فقال { ٱلْعَزِيزِ } أى الغالب لكل من سواه ، من العز بمعنى القوة والغلبة . يقال عزَّ فلان يعز - من باب تعب - فهو عزيز ، إذا كان معروفا بالقوة والمنعة ، ومنه قولهم أرض عزاز إذا كانت صلبة قوية . { ٱلْعَلِيمِ } أى المطلع على أحوال خلقه دون أن يخفى عليه شئ منها . { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } أى ساتر لذنوب عباده ، ومزيل لأثرها عنهم بفضله ورحمته . فلفظ { غَافِرِ } من الغفر بمعنى الستر والتغطية ، يقال غفر الله - تعالى - ذنب فلان غَفْراً ومغفرة وغفرانا ، إذا غطاه وستره وعفا عنه . ولفظ الذنب يطلق على كل قول أو فعل تسوء عاقبته ، مأخوذ من ذنب الشئ ، أى نهايته { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } والتوب مصدر بمعنى الرجوع عن الذنب والتوبة منه . يقال تاب فلان عن الذنب توبة وتوبتا إذا رجع عنه . أى أنه - سبحانه يغفر ذنوب عباده ، ويقبل توبتهم فضلا منه وكرما . قال صاحب الكشاف ما بال الواو فى قوله { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } ؟ قلت فيها نكته جليلة ، وهى إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محاءة للذنوب ، كأنه لم يذنب . كأنه قال جامع المغفرة والقبول … { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } أى لمن أشرك به ، وأعرض عن الحق الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم { ذِي ٱلطَّوْلِ } أى ذى الفضل والثواب والإِنعام على من يشاء من عباده . والطَّول السعة والغنى والزيادة ، يقال لفلان على فلان طول ، أى زيادة وفضل ، ومنه الطُّول فى الجسم لأنه زيادة فيه . قال - تعالى - { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً … } أى غنى وسعة . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أى لا إله بحق وصدق إلا هو - سبحانه - . { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أى إليه المرجع والمآب يوم القيامة ، ليحاسبكم على أعمالكم فى الدنيا . قال القرطبى روى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فلما سأل عنه قيل له تتابع فى هذا الشراب . فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان ، سلام عليك ، وأنا أحمد الله إليك الذى لا إله هو { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ . حـمۤ . تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } . إلى قوله - تعالى - { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . ثم ختم الكتاب وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا . ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة . فلما وصل الكتاب إلى الرجل جعل يقرؤه ويقول قد وعدنى الله أن يغفر لى ، وحذرنى عقابه ، فلم يبرح يرددها حتى بكى ، ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته . فلما بلغ عمر ذلك قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلته فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه . ثم هون - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم من شأن الكافرين ، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم فقال { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } . والمراد بالجدال هنا الجدال بالباطل ، وأما الجدال من أجل الوصول إلى الحق فمحمود . وقوله { فَلاَ يَغْرُرْكَ } جواب لشرط محذوف . والتقلب التنقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على المنافع والمكاسب . أى ما يجادل فى آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق التكذيب بها والطعن فيها … إلا الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وإذا تقرر ذلك ، فلا يغررك - أيها الرسول الكريم - تقلبهم فى البلاد ، وتصرفهم فيها عن طريق التجارات الرابحة ، وجمع الأموال الكثيرة ، فإن ما بين أيديهم من أموال إنما هو لون من الاستدراج ، وعما قريب ستزول هذه الأموال من بين أيديهم ، وستكون عليهم حسرة … { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أى قبل هؤلاء الكافرين المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق { قَوْمُ نُوحٍ } الذين أغرقناهم بسبب هذا التكذيب لنبيهم . { وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } أى وكذلك الأقوام الآخرون الذين جاءوا من بعد قوم نوح ، قد تحزبوا على أنبيائهم ، وأجمعوا على تكذيبهم ، كما فعل قوم عاد مع نبيهم هود ، وكما فعل قوم ثمود مع نبيهم صالح ، وكما فعل أهل مدين مع نبيهم شعيب … فالضمير فى قوله - تعالى - { مِن بَعْدِهِمْ } يعود إلى قوم نوح . وأفردهم - سبحانه - بالذكر لأنهم أول قوم كذبوا رسولهم بعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما . ولم يزدهم دعاؤه لهم إلا عتوا ونفورا . وقوله - تعالى - { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } بيان لما فعله هؤلاء الأقوام الظالمون مع أنبيائهم الذين جاءوا لهدايتهم … أى أن هؤلاء الأقوام المجرمين ، لم يكتفوا بالتكذيب لأنبيائهم ، بل إن كل أمة منهم قد مكرت بنبيها ، وأرادت به السوء ، وحاولت أن تتمكن منه بالأسر أو بالقتل ، وجادلته بالجدال الباطل ، لتزيل به الحق الذى جاء به من عند ربه وتبطله . والتعبير بقوله { لِيَأْخُذُوهُ } يشعر بأن هؤلاء المجرمين كانوا حريصين على التمكن من إيذاء نبيهم ومن الاعتداء عليه ، كما يحرص الشخص على أخذ عدوه وأسره ليفعل به ما يشاء . وقوله - تعالى - { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } بيان لما آل إليه مكرهم وجدالهم بالباطل . أى هموا بما هموا ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وحاولوا أن يجعلوا رسولهم بمنزلة الأسير فيهم . فكانت نتيجة كل ذلك أن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم تدميرا فكيف كان عقابى لهم ؟ لقد كان عقابا مدمرا ، جعلهم أثرا بعد عين ، وترك آثار مساكنهم تشهد بهلاكهم واستئصالهم . ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف فقال { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } . أى وكما حقت كلمة ربك - أيها الرسول الكريم - ووجبت بإهلاك الأمم الماضية التى كذبت أنبياءها ، وجعلهم وقودا للنار ، فكذلك تكون سنتنا مع المكذبين لك من قومك ، إذا ما استمروا فى تكذيبهم لك ، ولم يعودوا إلى طريق الحق . فالآيات الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتحذير لمشركى قريش من الاستمرار فى غيهم . ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر رحمته بالمؤمنين ، وتكريمهم ، فذكر أن حملة عرشه من وظائفهم الاستغفار للمؤمنين ، والدعاء لهم بالخير فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ … }