Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 7-9)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالذين يحملون العرش عدد من الملائكة المقربين إلى الله - تعالى - ولا يعلم عددهم أحد سوى الله - تعالى - لأنه لم يرد نص صحيح فى تحديد عددهم . والمراد بمن حوله عدد آخر من الملائكة يطوفون بالعرش مهللين مسبحين مكبرين لله - تعالى - كما قال - تعالى - { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ … } وعرش الله - تعالى - كما قال الراغب مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم ، فعلينا أن نؤمن بان لله - تعالى - عرشا عظيما ، أما كيفيته وهيئته فنفوض معرفتها إلى الخالق - عز وجل - . وقد ذكر هذا اللفظ فى القرآن الكريم فى إحدى وعشرين آية . والاسم الموصول فى قوله - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } مبتدأ . وخبره قوله { يُسَبِّحُونَ … } . والجملة الكريمة مستأنفة ومسوقة لتسلية النبى صلى الله عليه وسلم ببيان أن هؤلاء الملائكة الذين هم أقرب الملائكة إلى الله - تعالى - يضمون إلى تسبيحهم لذاته - سبحانه - ، الاستغفار للمؤمنين ، والدعاء لهم . وقد ذكر كثير من المفسرين كلاما طويلا فى صفة هؤلاء الملائكة وفى صفة العرش . رأينا أن نضرب عنه صفحا لضعفه وقلة فائدته . أى الملائكة الكرام المقربون إلينا ، والحاملون لعرشنا ، والحافون به ، من صفاتهم أنهم { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أى ينزهون الله - تعالى - عن كل نقص ، ويلهجون بحمده وبالثناء عليه بما يليق به . { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } - تعالى - إيمانا تاما لا يشوبه ما يتنافى مع هذا الإِيمان والإذعان لله الواحد القهار . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما فائدة قوله - تعالى - { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون ؟ قلت فائدته إظهار شرف الإِيمان وفضله ، والترغيب فيه ، كما وصف الأنبياء فى غير موضع من كتابه بالصلاح كذلك ، كما عقب أعمال الخير بقوله - تعالى - { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فأبان بذلك فضل الإِيمان . ويستغفرون للذين آمنوا ، أى أنهم بجانب تسبيحهم وحمدهم لربهم ، وإيمانهم به ، يتضرعون إليه - سبحانه - أن يغفر للذين آمنوا ذنوبهم . وفى هذا الاستغفار منهم للمؤمنين ، إشعار بمحبتهم لهم ، وعنايتهم بشأنهم ، لأنهم مثلهم فى الإِيمان بوحدانية - الله تعالى - وفى وجوب إخلاص العبادة والطاعة له . ثم حكى - سبحانه - كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } . والجملة الكريمة على تقدير قول محذوف ، وهذا القول فى محل نصب على الحال من فاعل { وَيَسْتَغْفِرُونَ } وقوله { رَّحْمَةً وَعِلْماً } منصوبان على التمييز . أى إنهم يستغفرون للذين آمنوا ، حالة كونهم قائلين يا ربنا يا من وسعت رحمتك ووسع علمك كل شئ ، تقبل دعاءنا . { فَٱغْفِرْ } بمقتضى سعة رحمتك وعلمك { لِلَّذِينَ تَابُواْ } إليك توبة صادقة نصوحا { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } الحق ، وصراطك المستقيم . { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أى وصنهم يا ربنا واحفظهم من الوقوع فى جهنم لأن عذابها كرب عظيم . يا { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْن } أى وادخلهم جناتك دخولا دائما لا انقطاع معه . يقال عدَن فلان بالمكان يعِدنُ عَدْناً ، إذا لزمه وأقام فيه دون أن يبرحه ، ومنه سمى الشئ المخزون فى باطن الأرض بالمعدن ، لأنه مستقر بداخلها . { ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } فضلا منك وكرما . وأدخل معهم { وَمَن صَـلَحَ } لدخولها بسبب إيمانهم وعملهم الطيب { مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ } يا مولانا { ٱلْعَزِيزُ } أى الغالب لكل شئ { ٱلْحَكِيمُ } فى كل تصرفاتك وأفعالك . فالمراد بالصلاح فى قوله - تعالى - { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ } من كان منهم مؤمنا بالله ، وعمل عملا صالحا ، ودعوا لهم بذلك . ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإِنسان فى الجنة ، يزيد سروره وانشراحه . { وَقِهِمُ } يا ربنا { ٱلسَّيِّئَاتِ } أى احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات ، ومن العقوبات التى تترتب على ذلك ، بأن تتجاوز عن خطاياهم . { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أى فى يوم القيامة الذى تجازى فيه كل نفس بما كسبت { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أى فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء . { وَذَلِكَ } الذى تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة ، ومن وقايتهم السوء . { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذى لا يضارعه فوز ، والظفر الكبير الذى لا يقاربه ظفر ، والأمل الذى لا مطمع وراءه لطامع . وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم . وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترغيب بالترهيب أو العكس جاء الحديث بعد ذلك عن الكافرين . مبينا انقطاعهم عن كل من يشفع لهم ، أو يدعو لهم بخير - كما دعا الملائكة للمؤمنين - فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } .