Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 79-85)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ … } بيان لنعمة أخرى من نعمه التى تتعلق بما سخره - سبحانه - لخدمة الإِنسان من دواب ، بعد بيانه قبل لكثير من النعم التى تتعلق بالليل والنهار ، والسماء والأرض … إلخ . والأنعام جمع نعم ، وأطلق على الإِبل والبقر والغنم ، قالوا والمراد بها هنا الإِبل خاصة لأن معظم المنافع التى ذكرت هنا توجد فيها . أى الله - تعالى - هو الذى خلق لكم بقدرته الإِبل { لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أى لتركبوا بعضا منها ، ولتأكلوا بعضا آخر منها . فمن فى الموضعين للتبعيض . { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أخرى غير الأكل وغير الركوب ، كالانتفاع بألبانها وأوبارها وجلودها … { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } أى ومن منافعها - أيضا - أنكم تستعملونها فى الأمور الهامة كحمل الأثقال ، والانتقال عليها من مكان إلى مكان … كما قال - تعالى - { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أى وعلى هذه الإِبل فى البر وعلى السفن فى البحر تحملون . كما قال - تعالى - { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } هذا ، ولا مانع من أن يكون المراد بالأنعام هنا ما يشمل الإبل والبقر والغنم ، وإلى هذا المعنى ذهب الإِمام ابن كثير ، فقد قال يقول - تعالى - ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام ! وهى الإِبل والبقر والغنم ، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ، ويحمل عليها الأثقال فى الأسفار والرحال إلى البلاد النائبة ، والأقطار الشاسعة ، والبقر تؤكل ويشرب لبنها ، وتحرث عليها الأرض ، والغنم تؤكل ويشرب لبنها ، والجميع تجز أوبارها وأصوافها وأشعارها . فيتخذ منه الأثاث والثياب والأمتعة … " وقوله - تعالى - { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } تعجب من غفلتهم عن هذه الآيات المبثوثة فى الكون ، والتى تدل جميعها على وحدانية الله - تعالى - وقدرته . ولفظ " أى " منصوب بقوله { تُنكِرُونَ } وقدم وجوبا لأن له صدر الكلام . أى أنه - سبحانه - فى كل وقت وحين يريكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته ، فقولوا لى . أية تلك الآيات تنكرون دلالتها على ذلك . إنها جميعا تنطق وتصرح بوجوب إخلاص العبادة لله - عز وجل - فكيف جحدتموها أو غفلتم عنها مع وضوحها ؟ فالآية الكريمة توبيخ شديد لأولئك الذين استحبوا العمى على الهدى مع أن كل شئ فى هذا الكون يدعوهم إلى الإِيمان بالله الواحد القهار . ثم وبخهم - سبحانه - مرة أخرى لعدم اتعاظهم بمصارع الغابرين فقال { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ … } أى أقبعوا فى بيوتهم . فلم يسيروا فى أقطار الأرض . فينظروا كيف كانت عاقبة الأمم المكذبة من قبلهم ، كقوم صالح وقوم لوط ، وقوم شعيب وغيرهم . فالاستفهام للتوبيخ والتأنيب ، والفاء فى قوله { أَفَلَمْ … } للعطف على مقدر . ثم فصل - سبحانه - حال الذين كانوا من قبل كفار مكة فقال { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ } أى فى العدد { وَأَشَدَّ قُوَّةً } أى فى الأبدان والأجسام { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } أى وكانوا أظهر منهم فى العمران والحضارة والغنى . { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أى أن هؤلاء الغابرين عندما حل بهم عذابنا لم تغن عنهم شيئا كثرتهم أو قوتهم أو أموالهم … بل أخذناهم أخذ عزيز مقتدر فى زمن يسير . ثم بين - سبحانه - موقف هؤلاء الجاحدين من رسلهم فقال { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ … } . أى فحين جاء الرسل إلى هؤلاء الجاهلين ، فرحوا بما لديهم من العلوم الدنيوية كالتجارة والزراعة … واغتروا بتلك القشور التى كانوا يسمعونها ممن كانوا يزعمون أنهم على شئ من العلم الدينى ، واستهزأوا بما جاءهم به الرسل من علوم تهدى إلى الرشد ، وتدعو إلى إخلاص العبادة لله . واعتقدوا - لغبائهم - وانطماس بصائرهم - أنه لا علم أنفع من علومهم ففرحوا بها … ورحم الله صاحب الكشاف فقد فصل القول عند تفسيره لهذه الآية فقال قوله { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } فيه وجوه منها أنه أراد العلم الوارد على سبيل التهكم فى قوله - تعالى - { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } وعلمهم فى الآخرة أنهم كانوا يقولون لانبعث ولا نعذب . ومنه أن يريد علم الفلاسفة والدهريين عن بنى يونان ، وكانوا إذا سمعوا بوحى الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم . ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال - تعالى - { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات … لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها ، واعتقدوا أنه لا أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به . ويبدو لنا أن هذا الرأى الأخير الذى ذكره صاحب الكشاف ، هو أقرب الآراء إلى الصواب . وقوله - سبحانه - { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } بيان لما نزل بهم من عذاب بسبب تكذيبهم لرسلهم ، واستهزائهم بهم . أى ونزل بهؤلاء الكافرين العذاب الأليم بسبب استهزائهم برسلهم ، وإعراضهم عن دعوتهم . ثم بين - سبحانه - حالهم عندما أحاط بهم العذاب فقال { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أى عاينوا عذابنا النازل بهم . { قَالُوۤاْ } بفزع وخوف { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } أى وكفرنا بما كنا به مشركين فى الدنيا من عبادة لغير الله - تعالى - واعتماد على سواه . وقد بين - سبحانه - أن إيمانهم هذا لن ينفعهم لأنه جاء فى غير وقته فقال { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } شيئا من النفع لأنه إيمان جاء عند معاينة العذاب ، والإِيمان الذى يدعى فى هذا الوقت لا قيمة له ، لأنه جاء فى وقت الاضطرار لافى وقت الاختيار . ولفظ " سنة " فى قوله - تعالى - { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ … } منصوب على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف . أى سن الله - تعالى - ذلك ، وهو عدم نفع الإِيمان عند حلول العذاب سنة ماضية فى الناس ، بحيث لا تتخلف فى أى زمان أو مكان . { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } أى فى هذا الوقت الذى ينزل الله - تعالى - فيه العذاب على الكافرين يخسرون كل شئ ، بحيث لا تنفعهم لا أموالهم ولا أولادهم ولا آلهتهم التى كانوا يتوهمون شفاعتها . وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة " غافر " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم -