Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 69-78)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ … } للتعجيب من أحوال هؤلاء المشركين . حيث أنكروا الحق الواضح وانساقوا وراء الأوهام والأباطيل . والمعنى انظر - أيها الرسول الكريم - إلى أحوال المشركين ، وتعجب من سلوكهم الذميم ، حيث جادلوا فى الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته بدون علم أو حجة . وقوله { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } أى انظر كيف يصرفون عن آيات الله الموجبة للإِيمان بها . إلى الجحود والتكذيب والجدال بالباطل فيها ؟ لقد كان من المنتظر منهم أن يهتدوا إلى الحق بعد أن وصل إليهم … ولكنهم عموا وصموا عنه . لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم . وقوله { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ … } بدل من قوله { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } أى تعجب من هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن الكريم . الذى أنزلناه إليك - يا محمد - لتخرجهم به من الظلمات إلى النور . وكذبوا - أيضا - { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من سائر الكتب والمعجزات . فهم لم يكتفوا بالتكذيب بك بل أضافوا إلى ذلك تكذيبهم بكل كتاب ورسول . وقوله - تعالى - { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وعيد شديد لهم على تكذيبهم بالرسل وبكتبهم ، أى فسوف يعلمون سوء عاقبة تكذيبهم لأنبياء الله - تعالى - ولكتبه التى أنزلها عليهم . ثم فصل - سبحانه - هذا الوعيد ، وبين ما أعده لهم من عذاب فقال { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ . فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } و " إذ " هنا ظرف بمعنى " إذا " وهو متعلق بيعلمون ، وعبر - سبحانه - بالظرف الدال على المضى ، للدلالة على تحقق الخبر ، حتى لكأن العذاب قد نزل بهم فعلا . والأغلال جمع غل - بضم الغين - وهو القيد يوضع فى اليد والعنق فيجمعهما . والسلاسل جمع سلسلة ، وهى ما يربط بها الجانى على سبيل الإِذلال له . والحميم الماء البالغ أقصى درجات الحرارة . ويسجرون مأخوذ من سجر التنور ، إذا ملأه بالوقود . والمعنى فسوف يعلمون سوء عاقبة تكذيبهم وجدالهم بالباطل يوم القيامة ، وقت أن توضع الأغلال والقيود فى أعناقهم ، ثم يسحبون ويجرون إلى الحميم بعنف وإهانة ، ثم يلقى بهم فى النار التى تمتلئ بهم ، ويكونون وقودا لها . قال صاحب الكشاف فإن قلت وهل قوله { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ ٱلأَغْلاَلُ … } إلا مثل قولك سوف أصوم أمس ؟ قلت المعنى على إذا ، إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت فى أخبارك الله - تعالى - متيقنة مقطوعا بها ، عبر عنها بلفظ ما كان ووجد . والمعنى على الاستقبال … وقوله - تعالى - { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } تبكيت وتأنيب لهم . أى ثم قيل بعد هذا العذاب المهين لهم أين تلك الآلهة التى كنتم تعبدونها من دون الله ، لكى تدفع عنكم شيئا من العذاب الأليم الذى نزل بكم ؟ وقوله { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً . … } حكاية لجوابهم الذى يدل على حسرتهم وبؤسهم . أى قالوا ذهبوا وضاعوا وغابوا عنا ولم نعد نعرف لهم طريقا ، ولا هم يعرفون عنا طريقا . ثم أضربوا عن هذا القول توهما منهم أن هذا الإضراب ينفعهم فقالوا بل لم نكن نعبد من قبل فى الدنيا شيئا يعتد به ، وإنما كانت عبادتنا لتلك الآلهة أوهاما وضلالا … وقوله - تعالى - { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } أى مثل هذا الضلال البين والتخبط الواضح ، يضل الله - تعالى - الكافرين ، ويجعلهم يتخبطون فى إجابتهم على السائلين لهم . ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بهم إلى هذا العذاب المهين فقال { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ . ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } . وقوله { تَمْرَحُونَ } من المرح وهو التوسع فى الفرح مع الأشر والبطر . أى ذلكم الذى نزل بكم من العذاب ، بسبب فرحكم وبطركم فى الأرض بالباطل ، وبسبب مرحكم وأشركم وغروركم فيها . وحق عليكم أن يقال لكم بسبب ذلك ادخلوا أبواب جهنم المفتوحة أمامكم ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، فبئس { مَثْوَى } أى مكان ٱلْمُتَكَبِّرِينَ عن قبول الحق جهنم . وقال - سبحانه - { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } ولم يقل فبئس مدخل المتكبرين ، للإِشارة إلى خلودهم فى جهنم ، إذ الثواء معناه الإِقامة الدائمة ، مأخوذ من ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة . ثم ذكر الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم الوصية بالصبر فقال { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } وقوله { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } أصله فإن نُرِك ، فزيدت " ما " لتوكيد " إن " الشرطية ، وجوابها محذوف ، وقوله { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } جوابه { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } والمعنى إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك يا محمد ، فاصبر على جدالهم بالباطل ، إن وعد الله - تعالى - بتعذيبهم وبنصرك عليهم حق . فإن نرك بعض الذى نعدهم به من القتل والأسر والهزيمة فبها ونعمت ، أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم يوم القيامة ، فنجازيهم بما يستحقون من عقاب . فالآية الكريمة تأمر النبى صلى الله عليه وسلم بمداومة الصبر ، وتحض على تبليغ ما أنزل إليه من ربه بدون كلل أو ملل ، ثم بعد ذلك يترك النتائج لله - تعالى - يسيرها كيف يشاء ، فإما أن يطلعه على ما توعد به أعداءه ، وإما أن يتوفاه قبل ذلك . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } ثم ساق - سبحانه - تسلية أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً . … } أى رسلا كثيرين { مِّن قَبْلِكَ } أى من قبل إرسالك إلى الناس . { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ } كنوح وهود وصالح وإبراهيم . وغيرهم . { وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } أخبارهم وأحوالهم لأن حكمتنا قد اقتضت ذلك . كما قال - تعالى - فى آية أخرى { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } والمراد بالآية فى قوله - تعالى - { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } المعجزة الخارقة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه . أى وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى بمعجزة من عند نفسه ، وإنما يأتى بها بإذن الله - تعالى - ومشيئته ، إذ المعجزات جميعا عطايا من الله - تعالى - لرسله لتأييدهم فى دعوتهم . { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أى فإذا جاء الوقت الذى حدده - سبحانه - لعذاب أعدائه { قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } أى قضى بين الناس جميعا بالحق ، فينجى - سبحانه - بقضائه العادل عباده المؤمنين . { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أى وخسر - عند مجئ أمر الله ، عند القضاء بين خلقه - المبطلون ، وهم الذين ماتوا مصرين على كفرهم أو فسوقهم عن أمره . وكما قال - تعالى - فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } ثم بين - سبحانه - فى أواخر هذه السورة الكريمة ، جانبا آخر من نعمه على عباده ، ووبخ الفاسقين على عدم اعتبارهم بأحوال من سبقهم من الأمم ، وهددهم بأنهم عند مجئ العذاب إليهم لن ينفعهم إيمانهم … فقال - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ … } .