Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 19-24)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والظرف فى قوله { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } متعلق بمحذوف تقديره اذكر . وقوله { يُوزَعُونَ } من الوزع وأصله الكف ، تقول وزع فلان فلانا عن الشئ ، أى كفه ومنعه عنه . ومنه قول الشاعر @ ولن يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس ، إلا وافر العقل كامله @@ والمراد هنا أن يكف أولهم ويمنع عن التحرك حتى يرد آخرهم فيلحق بأولهم ، بحيث يجتمعون جميعا للحساب ثم يدعون إلى نار جهنم . والمعنى واذكر - أيها العاقل - يوم يحشر أعداء الله جميعا إلى النار ، بعد أن حوسبوا على أعمالهم السيئة { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أى فهم يحبسون فى هذا اليوم العصيب حتى يلحق آخرهم بأولهم ، ويكفون جميعا عن الحركة حتى يقضى الله - تعالى - بقضائه العادل فيهم . والتعبير بقوله { أَعْدَآءُ ٱللَّهِ } يدل على ذمهم ، وعلى أن ما أبهم من عذاب مهين . إنما هو بسبب عداوتهم لله - تعالى - ولرسله - صلوات الله عليهم - ، حيث أعرضوا عن الحق الذى جاءهم به الرسل من عند ربهم . والتعبير بقوله { يُوزَعُونَ } يشعر بأنهم يحبسون ويمنعون عن الحركة بغلظة وزجر . ثم بين - سبحانه - أحوالهم عندما يعرضون على النار فقال { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . والمراد بشهادة هذه الأعضاء عليهم أنها تنطق - بإذن الله - تعالى - وتخبر بما اجترحوه من سيئات ، وبما فعلوه من قبائح . قال صاحب الكشاف ما ملخصه " فإن قلت " ما " فى قوله { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } ما هى ؟ قلت مزيدة للتأكيد ، ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ، ولا وجه لأن يخلو منها … فإن قلت كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق ؟ قلت الله - عز وجل - ينطقها … بأن يخلق فيها كلاما … وشهادة الجلود بالملامسة للحرام ، وما أشبه ذلك مما يفضى إليها من المحرمات . وقيل المراد بالجلود الجوارح - وقيل هو كناية عن الفروج … ثم حكى - سبحانه - ما يقوله هؤلاء الكافرون لجوارحهم على سبيل التوبيخ والتعجيب فقال { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا … } أى وقال هؤلاء الكافرون لجلودهم التى تشمل جميع جوارحهم بتعجب وذهول لماذا شهدتم علينا مع أننا ما دافعنا إلا عنكم ، لكى ننقذكم من النار ؟ وهنا ترد عليهم جوارهم بقولها - كما حكى سبحانه عنها - { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } أى قالوا فى الرد عليهم أنطقنا الله - تعالى - الذى أنطق كل شئ بقدرته التى لا يعجزها شئ { وهو } - سبحانه - الذى { خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ولم تكونوا شيئا مذكورا . { وَإِلَيْهِ } وحده { تُرْجَعُونَ } فيحاسبكم على أعمالكم ، ويحكم فيكم بحكمه العادل . وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث ، منها ما جاء عن أنس ابن مالك - رضى الله عنه - قال " ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وتبسم فقال " ألا تسألون عن أي شئ ضحكت " ؟ قالوا يا رسول الله ، من أي شئ ضحكت ؟ قال " عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول أي ربي ، أليس قد وعدتنى أنْ لا تظلمني ؟ قال بلى . فيقول فإني لا أقبل عليَّ شاهداً إلا من نفسي . فيقول الله - تعالى - أو ليس كفى بي شهيداً . وبالملائكة الكرام الكاتبين ؟ قال فيردد هذا الكلام مراراً قال فيختم على فيه ، وتتكلم أركانه بما كان يعمل . فيقول بعداً لكن وسحقاً ، فعنكن كنت أجادل " . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ثم حكى - سبحانه - ما يقال لهؤلاء الكافرين يوم القيامة من جهته - تعالى - أو من جهة جوارحهم التى شهدت عليهم فقال - تعالى - { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } . وقوله { تَسْتَتِرُونَ } من الاستتار بمعنى الاستخفاء ، " وما " نافية . وقوله { أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ … } فى موضع نصب على نزع الخافض أى من أن يشهد عليكم … أو مفعول لأجله . أى مخافة أو خشية أن يشهد عليكم سمعكم . والمعنى أن جوارحهم تقول لهم يوم القيامة على سبيل التبكيت أنتم - أيها الكافرون - لم تكونوا فى الدنيا تخفون أعمالكم السيئة ، خوفا من أن نشهد عليكم ولكنكم كنتم تخفونها . لاعتقادكم أن الله - تعالى - لا يعلم ما تخفونه من أعمالكم ، ولكنه يعلم ما تظهرونه منها . وما حملكم على هذا الاعتقاد الباطل إلا جهلكم بصفات الله - تعالى - وكفركم باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء ، واستبعادكم أننا سنشهد عليكم . قال القرطبى قوله - تعالى - { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ … } يجوز أن يكون هذا من قول الجوارح لهم ، ويجوز أن يكون من قول الله - تعالى - لهم ، أو الملائكة . وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود قال اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ، قرشيان وثقفى ، - أى شخص من قبيلة ثقيف - أو ثقفيان وقرشى ، قليل فقه قلوبهم ، كثير شحم بطونهم . فقال أحدهم أترون الله - تعالى - يسمع ما نقول فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا . فأنزل الله - عز وجل - { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ } . فالآية الكريمة تنعى على المشركين جهالاتهم الفاضحة ، حيث ظنوا أن الله - تعالى - لا يعلم الكثير من أعمالهم ، وتنبه المؤمنين إلى أن من الواجب عليهم أن يعلموا أن الله - تعالى - معهم ، ولا يخفى عليه شئ من أقوالهم أو أفعالهم ، وأنه - سبحانه - يعلم السر ، وأخفى ورحم الله من قال @ إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت . ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أنَّ ما يخفى عليك ، يغيب @@ ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة ظن هؤلاء الكافرين الجاهلين فقال { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } . و { ذلكم } اسم إشارة يعود إلى ظنهم السابق ، وهو مبتدأ ، وقوله { أَرْدَاكُمْ } خبره . أى وذلكم الظن الذى ظننتموه بربكم ، وهو أنه - سبحانه - لا يعلم كثيرا مما تعملونه سرا ، هذا الظن { أَرْدَاكُمْ } أى أهلككم ، يقال ردى فلان - كصدى - إذا هلك { فَأَصْبَحْتُمْ } أيها الكافرون من الخاسرين لكل شئ فى دنياكم . { فَإِن يَصْبِرُواْ } عن العذاب { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أى فالنار هى المكان المعد لثوائهم فيه ، ولبقائهم به بقاء أبديا . يقال ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة . ؟ { وَإِنْ يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } أى وإن يطلبوا الرضا عنهم ، فما هم من المرضى عنهم ، وإنما هم من المغضوب عليهم ، أو وإن يطلبوا منا الرجوع إلى ما يرضينا بأن نعيدهم إلى الدنيا ، فما هم من المجابين إلى ذلك . قال القرطبى وأصل الكلمة من العَتْب - بفتح العين وسكون التاء - وهى المَوْجِدَة ، يقال عتب عليه يعتب - كضرب يضرب - إذا وَجَدَ عليه . فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه ، قيل عاتبه ، فإذا رجع إلى مسرتك فقد أعتب . والاسم العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرى العاتب قال الشاعر @ فإن أك مظلوماً فعبداً ظلمته وإنْ تك ذا عتبى فمثلك يعتب @@ وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة ، قد بينت الأحوال السيئة التى يكون عليها الكافرون يوم القيامة ، والمجادلات التى تدور بينهم وبين جوارحهم فى هذا اليوم العسير عليهم . ثم بين - سبحانه - جانبا من الأسباب التى أوقعتهم فى هذا المصير الأليم ، ومن الأقوال السيئة التى كانوا يتواصون بها فيما بينهم ، وعن عاقبة هذا التواصى الأثيم فقال - تعالى - { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ … } .