Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 25-29)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الجمل ما ملخصه قوله { وَقَيَّضْنَا … } أى سببنا وهيأنا وبعثنا لهم قرناء يلازمونهم ويستولون عليهم استيلاء القيض على البيض . والقيضص قشر البيض … والتقييض - أيضا - التيسير والتهيئة ، تقول قيضت لفلان الشئ ، أى هيأته ويسرته له … والقرناء جمع قرين ، وهو الصديق الملازم للشخص الذى لا يكاد يفارقه ، وله تأثير عليه والمراد بما بين أيديهم شهوات الدنيا وسيئاتها . والمراد بما خلفهم ما يتعلق بالآخرة من بعث وحساب وثواب وعقاب . والمعنى إن حكمتنا قد اقتضت أن نهيئ ونسبب لهؤلاء المشركين قرناء سوء ، هؤلاء القرناء يزينون لهم القبيح من أعمال الدنيا التى يعيشون فيها ، كما يزينون لهم إنكار ما يتعلق بما خلفهم من أمور الآخرة ، كتكذيبهم بالبعث والحساب والجزاء . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } وقوله - تعالى - { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ … } بيان لما ترتب على استجابتهم لقرناء السوء ، وانقيادهم لهم انقياد التابع للمتبوع . أى وثبت عليهم القول الذى قاله - سبحانه - لإبليس ، وتحقق مقتضاه وهو قوله - تعالى - { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وقوله { فِيۤ أُمَمٍ } فى محل نصب على الحال من الضمير فى { عَلَيْهِمُ } أى وثبت عليهم العذاب . حالة كونهم داخلين فى جملة أمم كافرة جاحدة ، قد مضت من قبلهم ، وهذه الأمم منها ما هو من الجن ، ومنها ما هو من الإِنس . وجملة { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } تعليل لاستحقاقهم العذاب . والضمير لكفار قريش ولغيرهم من الأمم السابقة التى هلكت على الكفر . ثم حكى - سبحانه - ما تواصى به المشركون فيما بينهم فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } . وقوله { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } من اللغو ، وهو الكلام الساقط الذى لا فائدة فيه يقال لغا فلان فى كلامه يلغو ، إذا نطق بكلام ساقط لا خير فيه . ويبدو أن هذا الكلام قد قاله الزعماء من كفار مكة لأتباعهم ، فقد ورد عن ابن عباس أنه قال قال أبو جهل - لأتباعه - إذا قرأ محمد فصيحوا فى وجهه ، حتى لا يدري ما يقول . أى وقال زعماء الكفر لأتباعهم لا تسمعوا لهذا القرآن الذى يقرأه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا تنصتوا إليه ، بل ابتعدوا عن قارئيه ، والغوا فيه أى وأظهروا عند قراءته أصواتكم باللغو من القول ، كالتشويش على القارئ ، والتخليط عليه فى قراءته بالتصفيق وبرفع الصوت بالخرافات والهذيان … { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } أى لعلكم بعملكم هذا تتغلبون على المسلمين ، وتجعلونهم ينصرفون عن قراءة القرآن . ولا شك أن قولهم هذا دليل واضح على خوفهم من تأثير القرآن فى القلوب ، هذا التأثير الذى حمل كثيرا منهم عند سماعه على الدخول فى الإِسلام ونبذ الكفر والكافرين . كما يدل على أنهم لعجزهم عن معارضته ، وعن الإِتيان بسورة من مثله ، لجأوا إلى تلك الأساليب السخيفة ، لصرف الناس عن سماع القرآن الكريم . وقد رد - سبحانه - على فعلهم هذا بما يناسبه من تهديد فقال { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أى فوالله لنجعلن الذين كفروا بهذا القرآن والذين شوشوا على قارئيه بالصياح والاستهزاء ، لنجعلنهم يذوقون العذاب الذى يهينهم ، ويحسون به إحساسا أليما . ولنجزينهم فى الآخرة الجزاء المناسب لقبح أعمالهم التى عملوها فى الدنيا . قال الآلوسى قوله - تعالى - { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى جزاء سيئات أعمالهم التى هى فى أنفسها أسوأ ، فأفعل للزيادة المطلقة وقيل إنه - سبحانه - لا يجازيهم بمحاسن أعمالهم كإغاثة الملهوف ، وصلة الأرحام وإكرام الضيف … لأن هذه الأعمال قد حبطت بسبب كفرهم … وقال الجمل فى حاشيته وفى هذا تعريض بمن لا يكون عند سماعه لكلام الله خاضعا خاشعا متفكرا متدبرا . وتهديد ووعيد شديد لمن يصدر عنه عند سماعه ما يشوش على القارئ ويخلط عليه القراءة ، فانظر إلى عظمة القرآن المجيد ، وتأمل فى هذا التغليظ والتشديد ، واشهد لمن عظمه وأجل قدره ، وألقى إليه السمع وهو شهيد ، بالفوز العظيم . واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ … } يعود إلى ما تقدم من العذاب الشديد المعد لهؤلاء الكافرين ، وهو مبتدأ ، وجملة { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ } خبره وقوله { ٱلنَّارُ } بدل أو عطف بيان . أى ذلك العذاب الشديد الذى نذيقه للكافرين جزاء عادل لأعداء الله ، وهذا العذاب الشديد يتمثل فى النار التى أعدها - سبحانه - لهم . وجملة { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } مؤكدة لما قبلها . أى لهم فى تلك النار الإِقامة الدائة الباقية المستمرة ، فهى بمثابة الدار المهيأة لسكنهم الدائم . وقوله - سبحانه - { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } بيان لحكم الله العادل فيهم . أى نجازيهم جزاء أليما بسبب جحودهم لآياتنا الدالة على وحدانيتنا وعلى صدق رسلنا . ثم صور - سبحانه - أحوالهم وهم يتقلبون فى النار وحكى بعض أقوالهم التى يقولونها وهم فى ذلك العذاب الأليم فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على من أضلوهم . { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ … } أى قالوا يا ربنا أطلعنا على الفريقين اللذين زينوا لنا الكفر والفسوق والعصيان من أفراد الجن والإِنس { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } أى أرنا إياهم لننتقم منهم ، بأن ندوسهما بأقدامنا احتقارا لهم ، وغضبا عليهم ، ليكونا بذلك فى أسفل مكان من النار ، وفى أحقره وأكثرهم سعيرا . وهكذا تتحول الصداقة التى كانت بين الزعماء والأتباع فى الدنيا ، إلى عداوة تجعل كل فريق يحتقر صاحبه ، ويتمنى له أسوأ العذاب . وكعادة القرآن فى المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار ، جاء الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين ، بعد الحديث عن سوء مصير الكافرين ، فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا … } .