Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 37-39)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالآيات فى قوله - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ … } العلامات الدالة دلالة واضحة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته . أى ومن آياته على وحدانيته وقدرته - تعالى - وعلى وجوب إخلاص العبادة له ، وجود الليل والنهار والشمس والقمر بتلك الطريقة البديعة ، حيث إن الجميع يسير بنظام محكم ، ويؤدى وظيفته أداء دقيقا . كما قال - تعالى - { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } وقوله - تعالى - { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ … } نهى عن السجود لغيره - تعالى - وأمر بالسجود له وحده . أى لا تسجدوا - أيها الناس - للشمس ولا للقمر ، لأنهما - كغيرهما - من جملة مخلوقات الله - تعالى - ، واجعلوا طاعتكم وعبادتكم لله الذى خلق كل شئ فى هذا الكون ، إن كنتم حقا تريدون أن تكون عبادتكم مقبولة عنده - عز وجل - . فالآية الكريمة تقيم الأدلة على وجوب إخلاص العبادة لله - عز وجل - وتنهى عن عبادة غيره - تعالى - . قال الجمل هذا رد على قوم عبدوا الشمس والقمر ، وإنما تعرض للأربعة مع أنهم لم يعبدوا الليل والنهار ، للإِيذان بكمال سقوط الشمس والقمر عن رتبة السجودية لهما ، بنظمهما فى المخلوقية فى سلك الأعراض التى لا قيام لها بذاتها ، وهذا هو السر فى نظم الكل فى سلك آياته . وإنما عبر عن الأربع بضمير الإِناث - مع أن فيها ثلاثة مذكرة ، والعادة تغليب المذكر على المؤنث - لأنه لما قال ومن آياته ، فنظم الأربعة فى سلك الآيات ، صار كل واحد منها آية فعبر عنها بضمير الإِناث فى قوله { خَلَقَهُنَّ } . ثم بين - سبحانه - أن استكبار الجاهلين عن عبادة الله - تعالى - وحده ، لن ينقص من ملكه شيئا فقال { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } . أى فإن تكبر هؤلاء الكافرون عن إخلاص العبادة لله - تعالى - فلا تحزن أيها الرسول الكريم - فإن الذين عند ربك من الملائكة . ينزهونه - تعالى - ويعبدونه عبادة دائمة بالليل والنهار وهم لا يسأمون ولا يملون ، لاستلذاذهم لتلك العبادة والطاعة ، وخوفهم من مخالفة أمره - عز وجل - . فالآية الكريمة تهون من شأن هؤلاء الكافرين ، وتبين أنه - تعالى - فى غنى عنهم وعن عبادتهم لأن عنده من مخلوقاته الكرام من يعبده بالليل والنهار بدون سأم أو كلل . والمراد بالعندية فى قوله - تعالى - { عِندَ رَبِّكَ } عندية المكانة والتشريف لا عندية المكان . وقوله { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } تعليل لجواب الشرط المقدر ، أى فإن استكبروا فدعهم وشأنهم فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ . يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } ثم بين - سبحانه - آية أخرى من آياته الدالة على وجوب إخلاص العبادة له فقال { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ … } و { خَاشِعَةً } أى ، يابسة جدبة ، خشعت الأرض ، إذا أجدبت لعدم نزول المطر عليها وقوله { ٱهْتَزَّتْ } أى تحركت بالنبات قبل بروزه منها وبعد ظهوره على سطحها و { وَرَبَتْ } أى انتفخت وعلت ، لأن النبات إذا قارب الظهور ترى الأرض ، ارتفعت له ، ثم تشققت عنه . يقال ربا الشئ إذا زاد وعلا وارتفع ، ومنه الربوة للمكان المرتفع من الأرض . أى ومن آياته - تعالى - الدالة على وجوب العبادة له وحده ، أنك - أيها العاقل - ترى الأرض يابسة جامدة ، فإذا أنزلنا عليها بقدرتنا المطر ، تحركت بالنبات ، وارتفعت بسببه ، ثم تصدعت عنه . وعنى - سبحانه - هنا بقوله { خَاشِعَةً } لأن الحديث عن وجوب السجود لله - تعالى - وحده ، والحديث عن السجود والطاعة يناسبه الخشوع . وفى سورة الحج قال - سبحانه - { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً … } لأن الحديث هناك كان عن البعث ، وعن إمكانيته ، فناسب أن يعبر بالهمود الذى يدل على فقدان الحياة . قال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ … } وقوله - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } بيان لمظاهر قدرته - عز وجل - . أى إن الذى أحياها بنزول المطر عليها ، ويخرج النبات منها ، لقادر عن أن يحيى الموتى عن طريق البعث والنشور ، إنه - سبحانه - على كل شئ قدير . وبعد هذا الحديث عن مظاهر قدرة الله فى هذا الكون ، جاءت الآيات بعد ذلك لتهديد الذين يلحدون فى آياته - تعالى - ولتمدح القرآن الكريم ، ولتسلى النبى صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أعدائه ، ولتبين أن من عمل صالحا فثمار عمله لنفسه ، ومن عمل سيئا فعلى نفسه وحده يجنى … قال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن … } .