Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 47-54)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - تعالى - { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ … } بيان لانفراد الخالق - عز وجل - بوقت قيام الساعة ، وبإحاطة علمه - تعالى - بكل شئ ، وإرشاد للمؤمنين إلى ما يقولونه إذا ما سئلوا عن ذلك . والأكمام جمع كم - بكسر الكاف - وهو الوعاء الذى تكون الثمرة بداخله . أى إلى الله - تعالى - وحده مرجع علم قيام الساعة ، وما تخرج ثمرات من أوعيتها الكائنة بداخلها ، وما تحمل من أنثى حملا ولا تضعه إلا بعلمه وإرادته - عز وجل - و " من " فى قوله { مِن ثَمَرَاتٍ } وفى قوله { مِنْ أُنْثَىٰ } مزيدة لتأكيد الاستغراق . وفى قوله { مِّنْ أَكْمَامِهَا } ابتدائية . قال الجمل " فإن قلت قد يقول الرجل الصالح قولا فيصيب فيه ، وكذلك الكهان والمنجمون . قلت أما قول الرجل الصالح فهو من إلهام الله ، فكان من علمه - تعالى - الذى يرد إليه ، وأما الكهان والمنجمون فلا يمكنهم القطع والجزم فى شئ ما يقولونه ألبتة ، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف قد لا يصيب . وعلم الله - تعالى - هو العلم اليقين المقطوع به الذى لا يشركه فيه أحد . ثم بين - سبحانه - تبرُّأ المشركين من آلهتهم يوم القيامة فقال { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ . وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } . والظرف " يوم " منصوب بفعل مقدر ، ومعنى " آذناك " أعلمناك وأخبرناك ، آذان فلان غيره يؤذنه ، إذا أعلمه بما يريد إعلامه به . والنداء والسؤال إنما لتوبيخهم والتهكم بهم فى هذا الموقف العظيم . والظن هنا بمعنى اليقين . أى واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ يوم ينادى الله - تعالى - المشركين فيقول لهم يوم القيامة أين شركائى الذين كنتم تعبدونهم من دونى ليقربوكم إلى أو ليشفعوا لكم عندى ؟ { قَالُوۤا } على سبيل التحسر والتذلل يا ربنا لقد { آذَنَّاكَ } أى لقد أعلمناك بأنه مامنا أحد يشهد بأن لك شريكا ، فقد انكشفت عنا الحجب ، واعترفنا بأنك أنت الواحد القهار . { وَضَلَّ عَنْهُم } أى وغاب عن هؤلاء المشركين ، ما كانوا يدعون من قبل أى ما كانوا يعبدونه فى الدنيا من أصنام وغيرها . { وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أى وأيقنوا بأنه لا مهرب ولا منجى لهم من العذاب . يقال حاص يحيص حيصا ومحيصا إذا هرب . وقوله - تعالى - { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِنْ مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } بيان لما جبل عليه الإِنسان من حب للمال وغيره من ألوان النعم . ومن ضيقه بما يخالف ذلك . ويبدو أن المراد بالإِنسان فى هذه الآية وأمثالها جنسه الغالب ، وإلا فهناك مؤمنون صادقون ، إذا رزقهم الله النعم شكروا ، وإذا ابتلاهم بالمحن صبروا . والمراد بالخير ما يشمل المال والصحة والجاه والسلطان وما إلى ذلك مما يشتهى . والسأم الملل ، يقال سئم فلان هذا الشئ ، إذا مله وضاق به وانصرف عنه . واليأس أن ينقطع قلب الإِنسان عن رجاء الحصول على الشئ ، يقال يئس فلان من كذا - من باب فهم - ، إذا فقد الرجاء فى الظفر به . والقنوط أن يظهر أثر ذلك اليأس على وجهه وهيئته ، بأن يبدو منكسرا متضائلا مهموما . فكأن اليأس شئ داخل من أعمال القلب بينما القنوط من الآثار الخارجية التى تظهر علاماتها على الإِنسان . أى لا يسأم الإِنسان ولا يمل ولا يهدأ من طلب الخير والسعة فى النعم . { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ } من عسر أو مرض { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أى فهو كثير اليأس والقنوط من رحمة الله - تعالى - وفضله ، بحيث تنكسر نفسه ، ويظهر ذلك على هيئته . وعبر - سبحانه - بيئوس وقنوط وهما من صيغ المبالغة ، للإِشارة إلى شدة حزنه وجزعه عندما يعتريه الشر . ثم بين - سبحانه - حالة أخرى من حالات هذا الإِنسان فقال { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ … } . أى ولئن أعطينا هذا الإِنسان الجحود نعمة منا تتعلق بالمال أو بالصحة أو بغيرهما ، من بعد أن كان فقيرا أو مريضا … ليقولن على سبيل الغرور والبطر هذا الذى أعطيته شئ استحقه ، لأنه جاءنى بسبب جهدى وعلمى . ثم يضيف إلى ذلك قوله { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً } أى وما أعتقد أن هناك بعثا أو حسابا أو جزاء . { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ } على سبيل الفرض والتقدير { إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } أى إن لى عنده ما هو أحسن وأفضل مما أنا فيه من نعم فى الدنيا . وقوله - تعالى - { فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } بيان للعاقبة السيئة التى يكون عليها هذا الإِنسان الجاحد . أى فلنعلمن هؤلاء الكافرين بأعمالهم السيئة ، ولنرينهم عكس ما اعتقدوه بأن ننزل بهم الذل والهوان بدل الكرامة والحسنى التى أيقنوا أنهم سيحصلون عليها ، ولنذيقنهم عذابا غليظا ، لا يمكنهم الفكاك منه أو التفصى عنه لشدته وإحاطته بهم من كل جانب ، فهو كالوثاق الغليظ الذى لا يمكن للإِنسان أن يخرج منه . ثم أكد - سبحانه - ما ذكره من حالات الإِنسان فقال { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ } بنعمة من نعمنا التى توجب عليه شكرنا وطاعتنا . { أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أى أعرض عن شكرنا وطاعتنا ، وتكبر وتفاخر على غيره وادعى أن هذه النعمة من كسبه واجتهاده . وقوله { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } كناية عن الانحراف والتكبر والصلف والبطر . والنأْى البعد . يقال نأى فلان عن مكان كذا ، إذا تباعد عنه . وقوله - تعالى - { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } بيان لحالة هذا الإِنسان فى حالة الشدة والضر . أى هكذا حالة هذا الإِنسان الجاحد ، فى حالة إعطائنا النعمة له يتكبر ويغتر ويجحد . وفى حالة إنزال الشدائد به يتضرع ويتذلل إلينا بالدعاء الكثير الواسع . وفى معنى هذه الآيات الكريمة ، جاءت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَنْ رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } وقوله - تعالى - { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً . إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً . وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوبخ هؤلاء الكافرين على جحودهم وجهالاتهم فقال { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ … } . أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله - تعالى - وحده ، ثم كفرتم به مع ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإِيمان به . والاستفهام فى قوله - تعالى - { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } للنفى والإنكار أى لا أحد أكثر ضلالا منكم - أيها الكافرون - بسبب معاداتكم للحق ، وابتعادكم عنه ، ونفوركم منه نفورا شديدا . والشقاق والمشاقة بمعنى المخالفة والمعاداة . من الشق - أى الجانب - فكأن كل واحد من المتعاديين أو المتخالفين صار فى شق غير شق صاحبه . ووصف - سبحانه - شقاقهم بالبعد ، للإِشارة بأنهم قد بلغوا فى هذا الضلال مبلغا كبيرا ، وشوطا بعيدا . فالآية الكريمة تجهيل لهؤلاء الكافرين ، وحث لهم على التأمل والتدبر . ثم بين - سبحانه - أن حكمته قد اقتضت أن يطلع الناس فى كل زمان ومكان على دلائل وحدانيته وقدرته ، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عنه ، فقال { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ … } . والمراد بالآيات فى قوله { آيَاتِنَا } الدلائل والبراهين الدالة على وحدانيته - سبحانه - وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم . والآفاق جمع أفق - كأعناق جمع عنق - وهو الناحية والجهة ، يقال أفق فلان يأفق - كضرب يضرب - إذا سار فى آفاق الأرض وجهاتها المتعددة . والمعنى سنطلع الناس على دلائل وحدانيتنا وقدرتنا فى أقطار السموات والأرض ، من شمس وقمر ونجوم ، وليل ونهار ، ورياح وأمطار ، وزرع وثمار ، ورعد وبرق وصواعق ، وجبال وبحار . سنطلعهم على مظاهر قدرتنا فى هذه الأشياء الخارجية التى يرونها بأعينهم ، كما سنطلعهم على آثار قدرتنا فى أنفسهم عن طريق ما أودعنا فيهم من حواس وقوى ، وعقل ، وروح ، وعن طريق ما يصيبهم من خير وشر ، ونعمة ونقمة . ولقد صدق الله - تعالى - وعده ، ففى كل يوم بل فى كل ساعة ، يطلع الناس على أسرار جديدة فى هذا الكون الهائل ، وفى أنفسهم . . وكلها تدل على وحدانيته - تعالى - وقدرته ، وعلى صحة دين الإِسلام الذى جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام . وقوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } استئناف مسوق لتوبيخ الكافرين على عنادهم مع ظهور الأدلة على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه هو الحق المبين . والهمزة للإِنكار ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والباء مزيدة للتأكيد ، وقوله { بربك } فاعل كفى . والمعنى ألم يغن هؤلاء الجاحدين عن الآيات الموعودة الدالة على صحة هذا الدين ، أن ربك - أيها الرسول الكريم - شهيد على كل شئ ، وعلى أنك صادق فيما تبلغه عنه … بلى إن فى شهادة ربك وعلمه بكل شئ ما يغنيك عن كل شئ سواه . ثم بين - سبحانه - فى ختام السورة حقيقة أمر أولئك الكافرين فقال { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } . أى ألا إن هؤلاء المشركين فى مرية وشك وريبة من لقاء ربهم يوم القيامة ، لإِنكارهم البعث والحساب والجزاء … ألا إنه - سبحانه - بكل شئ محيط إحاطة تامة لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء . وسيجمعهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، ولن يستطيعوا النجاة من ذلك . وبعد فهذا تفسير لسورة " فصلت " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .