Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 9-12)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام الرازى ما ملخصه اعلم أنه - تعالى - لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ … } أردفه بما يدل على أنه لا يجوز إثبات الشركة بينه - تعالى - وبين هذه الأصنام فى الإِلهية والمعبودية ، وذلك بأن بين كمال قدرته وحكمته فى خلق السموت والأرض فى مدة قليلة … والاستفهام فى قوله { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ … } بمعنى الإِنكار ، وهو لإِنكار شيئين الكفر بالله … وجعل الأنداد له . والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين على سبيل الإِنكار لأفعالهم أئنكم لتكفرون بالله - تعالى - الذى خلق الأرض فى يومين . قال الآلوسى وإن واللام فى قوله { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ } لتأكيد الإِنكار … وعلق - سبحانه - كفرهم بالاسم الموصول لتفخيم شأنه - تعالى - واستعظام كفرهم به . واليوم فى المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق ، وأريد منه ها هنا الوقت مطلقا ، لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها ، ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف ، ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر ، والأقل أنسب بالمقام . قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - إن الله - تعالى - قادر على أن يخلق هذا الكون كله فى لحظة ، ولكنه خلق السموات والأرض فى ستة أيام ، ليعلم خلقه التثبت والتأنى فى الأمور . وقوله { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } معطوف على قوله { تكفرون } وداخل معه فى حكم الإِنكار . والأنداد جمع ند وهو مثل الشئ يضاده وينافره ويتباعد عنه . وأصله من ند البعير إذا نفر وذهب على وجهه شاردا . أى وتجعلون له أمثالا ونظراء تعبدونها من دونه ، وتسمونها - زورا وكذبا - آلهة ، وجمع - سبحانه - الأنداد باعتبار واقعهم ، لأنهم كانوا يعبدون آلهة شتى ، فمنهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب . واسم الإِشارة فى قوله { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } يعود إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة . أى ذلك الموصوف بتلك القدرة الباهرة ، رب العالمين جميعا ، وخالق جميع المخلوقات ، والمتولى لتربيتها دون سواه . وقوله { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا … } معطوف على { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } . والرواسى جميع راس من الرسو - بفتح الراء وسكون السين - بمعنى الثبات والاستقرار فى المكان ، يقال رسا الشئ إذا ثبت واستقر . وهو صفة لموصوف محذوف . أى وجعل فيها جبالا رواسى من فوقها ، لكى تستقر وتثبت ، ولا تميد أو تضطرب بكم . وقال - تعالى - { مِن فَوْقِهَا } لبيان الواقع ، إذ وجود الجبال من فوق الأرض ، ومشاهدة الإِنسان لذلك بعينيه ، يزيده اقتناعا بقدرة الله - تعالى - الباهرة وحكمته البليغة . { وَبَارَكَ فِيهَا } أى وجعلها مباركة زاخرة بأنواع الخيرات والمنافع ، عن طريق الزروع والثمار المبثوثة فوقها ، والمياه التى تخرج من جوفها . والكنوز التى تحصل من باطنها . { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } والأقوات جمع قوت . والمراد بها أرزاق أهل الأرض وما يصلحهم . أى وجعل أقوات أهلها يحتاجون إليها فى معايشهم ومنافعهم ، على مقادير محددة معينة ، بحيث نشر فى كل قطر من أقطارها أقواتا تناسب أهله ، وبذلك يتبادل الناس المنافع فيما بينهم ، فيعمر الكون ، ويزيد الاتصال والتعارف فيما بينهم . قال ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى معنى هذه الآية والصواب فى القول فى ذلك أن يقال إن الله - تعالى - أخبر أنه قدر فى الأرض أقوات أهلها ، وذلك ما يقوتهم من الغذاء ، ويصلحهم من المعاش . ولم يخصص - جل ثناؤه - بقوله { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أنه قدر فيها قوتا دون قوت ، بل عم الخبر عن تقديره جميع الأقوات … وقوله - تعالى - { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } متعلق بمحذوف يدل ، عليه ما قبله . أى خلق الأرض ، وجعل فيه رواسى من فوقها ، وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها فى تمام أربعة أيام ، فتكون المدة التى خلق فيها الأرض وما عليها أربعة أيام . وقوله - سبحانه - { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } تأكيد لما دلت عليه الآية الكريمة من أن خلق كل من الأرض وما فيها وما عليها قد حدث فى أربعة أيام . قال الآلوسى وقيدت الأيام الأربعة بقوله { سَوَآءً } فإنه مصدر مؤكد لمضمر هو صفة الأيام . أى - فى أربعة أيام - استوت سواء ، أى استواء . وقوله - تعالى - { لِّلسَّآئِلِينَ } متعلق بمحذوف وقع خبر لمبتدأ محذوف ، أى هذا الحصر فى أربعة ، كائن للسائلين عن مدة خلق الأرض ، وما فيها … وقال الجمل فى حاشيته فإن قيل لم جعلت مدة خلق الأرض بما فيها ، ضعف مدة خلق السموات ، مع كون السماء أكبر من الأرض وأكثر مخلوقات وعجائب ؟ قلت للتنبيه على أن الأرض هى المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين ومن كثرة المنافع ، فزادات مدتها ليكون ذلك أدخل فى المنة على ساكنيها ، وللاعتناء بشأنهم وشأنهم - أيضا - زادت مدتها لما فيها من الابتلاء بالمعاصى والمجاهدات والمعالجات … ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر قدرته فى خلق السماء ، فقال { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ … } . ومعنى استوائه - سبحانه - إلى السماء ، ارتفاعه إليها بلا كيف أو تشبيه أو تحديد ، لأنه - سبحانه - منزه عن ذلك . والدخان ما ارتفع من لهب النار . والمراد به هنا ما يرى من بخار الأرض أو بخار الماء ويصح أن يكون معنى { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } تعلقت إرادته - تعالى - بخلقها . قال الآلوسى قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أى قصد إليها وتوجه ، دون إرادة تأثير فى غيرها ، من قولهم استوى إلى مكان كذا ، إذا توجه إليه لا يلوى على غيره . . وقوله { وَهِيَ دُخَانٌ } أى أمر ظلمانى ، ولعله أريد بها مادتها التى منها تركبت . وقوله - تعالى - { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً … } بيان لما وجهه - سبحانه - إليهما من أوامر . والمراد بإتيانهما انقيادهما التام لأمره - تعالى - . أى فقال - سبحانه - للسماء وللأرض أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد ، فأنت يا سماء ، أبرزى ما خلقت فيك من شمس وقمر ونجوم … وأنت يا أرض أخرجى ما خلقت فيك من نبات وأشجار وكنوز . قال الفخر الرازى والمقصود من هذا القول إظهار كمال القدرة ، أى ائتيا شئتما أم أبيتما ، كما يقول الجبار لمن تحت يده لتفعلن هذا شئت أم لم تشأ ، ولتفعلنه طوعا أو كرها ، وانتصابهما على الحال ، بمعنى طائعين أو مكرهين … وقوله { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } بيان لامتثالهما التام لأمره - تعالى - . أى قالتا فعلنا ما أمرتنا به منقادين خاضعين متسجيبين لأمرك ، فأنت خالقنا وأنت مالك أمرنا . قال القرطبى وقوله { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } فيه وجهان أنه تمثيل لظهور الطاعة منهما ، حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما . ومنه قول الراجز @ امتلأ الحوض وقال قطني مهلاً رويداً ملأت بطني @@ يعنى ظهر ذلك فيه . وقال أكثر أهل العلم بل خلق الله - تعالى - فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد - سبحانه - . وجمعهما - سبحانه - جمع من يعقل ، لخطابهما بما يخاطب به العقلاء . ثم فصل - سبحانه - بديع صنعه فى خلق السموات فقال { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ … } أى ففرغ من خلقهن وتسويتهن على أبدع صورة وأحكم صنع فى مقدار يومين . والضمير فى قوله { فَقَضَاهُنَّ } إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سبع سموات ، وإما مبهم يفسره ما بعده وهو سبع سموات . وقوله { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أى وأوحى فى كل منها ما أراده وما أمر به ، وخلق فيها ما اقتضته حكمته من الملائكة ومن خلق لا يعلمه إلا هو - سبحانه - . وقوله { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً } أى وزينا السماء الدنيا أى القريبة منكم - بكواكب مضيئة ، وحفظناها حفظا عظيما من الاختلال والاضطراب والسقوط { ذلك } الذى ذكرناه لكم من خلق السموات والأرض ، وخلق ما فيهما . { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أى تقدير الله - القاهر - لكل شئ . والعليم بما ظهر وبما بطن فى هذا الكون . وقد أخذ العلماء من هذه الآيات الكريمة أن خلق الأرض وما عليها من جبال ومن أقوات للعباد قد تم فى أربعة أيام ، وأن خلق السموات كان فى يومين فيكون مجموع الأيام التى خلق الله - تعالى - فيها السموات والأرض وما بينهما ستة أيام . وقد جاء ذلك فى آيات متعددة ، منها قوله - تعالى - { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ … } كما أخذ العلماء منها - أيضا - أن خلق الأرض متقدم على خلق السموات بدليل قوله - تعالى - بعد حديثه عن خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهى دخان . وبدليل قوله - تعالى - فى آية أخرى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } وعلى هذا الرأى سار جمهور العلماء ، وردوا على من قال بأن خلق السموات متقدم على خلق الأرض ، لأن الله - تعالى يقول فى سورة النازعات { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } أى بسطها . ردوا عليهم بما روى عن ابن عباس من أنه سئل عن الجمع بين الآيات التى معنا ، وبين آيات سورة النازعات فقال إنه - تعالى - خلق الأرض أولا غير مدحوة ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسى والأنهار وغيرهما . أى أن أصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها كان بعد خلق السماء ، وردوا عليهم - أيضا - بأن لفظ " بعد " فى قوله - تعالى - { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } بمعنى مع أى والأرض مع ذلك بسطها ومهدها لسكنى أهلها فيها . وردوا عليهم - أيضا - بأنه - تعالى - لما خلق الأرض غير مدحوة ، وهى أهل لكل ما فيها كان كل ما فيها كأنه قد خلق بالفعل لوجود أصله فيها . قال بعض العلماء والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع ، - وإن لم يكن موجودا بالفعل - قوله - تعالى - { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ … } فقوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُم } أى بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذى هو أصلكم . كما أخذ منها العلماء أن وجود هذا الكون ، بتلك الصورة البديعة ، المتمثلة فى هذه الأرض وما أقلت . وفى هذه السموات وما أظلت … من أكبر الأدلة التى تحمل العقلاء على إخلاص العبادة لله الواحد القهار . وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله فى هذا الكون ، انتقلت السورة إلى تهديد المشركين ، وإنذارهم بأن عاقبتهم ستكون كعاقبة الظالمين الذين سبقوهم ، فقال - تعالى - { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً … } .