Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة " الزخرف " من السور التى افتتحت بالحروف المقطعة ، وقد سبق أن قلنا فى المراد بهذه الحروف ما خلاصته هذه الحروف التى افتتحت بها بعض السور ، يغلب على الظن أنه جئ بها للتنبيه إلى إعجاز القرآن ، لأنه مؤلف من كلام هو من جنس كلامهم ، ومع ذلك فقد عجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله … و الواو فى قوله - تعالى - { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } للقسم ، والمقسم به الكتاب ، وجواب القسم قوله - تعالى - بعد ذلك { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً … } . أى وحق هذا الكتاب الواضح المرشد إلى طريق الحق والسعادة ، لقد جعلنا بقدرتنا وحكمتنا هذا الكتاب قرآنا عربيا { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . أى جعلناه كذلك لكى تفهموه وتتعقلوا معانيه ، وتهتدوا إلى ما فيه من الأحكام السامية ، والآداب العالية . قال صاحب الكشاف أقسم - سبحانه - بالكتاب المبين وهو القرآن وجعل قوله { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } جوابا للقسم ، وهو من الأيمان الحسنة البديعة ، لتناسب القسم والمقسم عليه ، وكونهما من واد واحد … و { ٱلْمُبِينِ } أى البين الذى أنزل بلغتهم وأساليبهم … فقوله - تعالى - { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } بيان للحكمة التى من أجلها أنزل الله - تعالى - هذا القرآن بلسان عربى مبين . أى جعلناه كذلك رجاء أن تعقلوا وتفهموا أوامره ونواهيه ، وتوجيهاته وإرشاداته . ثم بين - سبحانه - المنزلة السامية التى جعلها لهذا القرآن ، والصيانة التامة التى أحاطه بها فقال { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } . والمراد بأم الكتاب اللوح المحفوظ ، وسمى بذلك لأن جميع الكتب السماوية منقولة عنه . كما قال - تعالى - { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } . وقيل المراد بأم الكتاب علمه الأزلى - عز وجل - . أى وإن هذا القرآن المبين لثابت ، وكائن فى اللوح المحفوظ ، وهو { لَدَيْنَا } أى عندنا { لَعَلِيٌّ } أى لرفيع الشأن ، عظيم القدر { حَكِيمٌ } أى محكم النظم فى أعلى طبقات البلاغة . فلا يضيره تكذيب المكذبين ، ولا طعن الطاعنين . فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على القيمة العظيمة التى جعلها - سبحانه - لهذا القرآن ، فى علمه - تعالى - وتقديره ، كما أن وصف هذا الكتاب بقوله { عَلِيٌّ حَكِيمٌ } يؤكد هذه المنزلة السامية ويقررها . وبعد هذا البيان المشرف للقرآن الكريم ، أتبع - سبحانه - ذلك بالكشف عن مدى الإِسراف القبيح الذى ارتكبه المشركون حين أعرضوا عنه فقال - تعالى - { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } . والهمزة للاستفهام الإِنكارى ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والضرب هنا بمعنى التنحى والابتعاد والإِهمال ، تقول ضربت عن فلان صفحا ، إذا أعرضت عنه وتركته ، والصفح مصدر صفحت عنه ، إذا أعرضت عنه ، وذلك بأن تعطيه صفحة وجهك أى جانبه . وهو منصوب لنضرب من غير لفظه ، كما فى قولهم قعدت جلوسا . أو على الحال من الفاعل على المصدرية أى صافحين . والمراد بالذكر هنا القرآن الكريم . والمعنى أنعرض عنكم ونهملكم فلا نذكركم بالقرآن الكريم ، ولا نرشدكم إلى هداياته . بسبب إسرافكم على أنفسكم ، ومحاربتكم للحق ، وإيثاركم الغى على الرشد ؟ ! ! لا لن نفعل ذلك ، بل سننزل هذا القرآن على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ، ومن شاء فليكفر . قال الشوكانى قوله { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } قرأ نافع وحمزة والكسائى بكسر { إن } على أنها شرطية ، والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقرأ الباقون بفتحها على التعليل ، أى لأن كنتم قوما منهمكين فى الإِسراف مصرين عليه . ثم سلى - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن مكرهم فقال { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } و { كَمْ } هنا خبرية لإِفادة كثرة الأنبياء والمرسلين وهى مفعول مقدم لأرسلنا . وقوله { مِن نَّبِيٍّ } تمييز لها . أى ما أكثر الرسل الذين أرسلناهم فى الأمم الأولين لهدايتهم ، فكان موقف أكثر هؤلاء الأمم من رسلهم . يدل على إعراضهم عنهم ، وتكذيبهم لهم ، فاصبر - أيها الرسول الكريم - على أذى قومك ، كما صبر الذين من قبلك . ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى فقال { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أى أن هؤلاء السابقين لم يأتهم نبى من الأنبياء لهدايتهم ، إلا استهزأوا به ، وسخروا منه ، وأعرضوا عنه . فماذا كانت نتيجتهم ؟ كانت استهزائهم برسلهم كما قال - تعالى - { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } . والضمير فى قوله { مِنْهُم } يعود إلى القوم المسرفين ، المخاطبين بقوله - تعالى - { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً … } وفى الآية التفات من الخطاب الى الغيبة ، لأنه كان الظاهر أن يقال فأهلكنا أشد منكم بطشا - أيها المشركون - . وقوله { أَشَدَّ مِنْهُم } مفعول به لأهلكنا . وأصله نعت لمحذوف . أى فأهلكنا قوما أشد منهم بطشا . والبطش السطوة والقوة . يقال فلان بطش بفلان إذا أخذه بقوة وعنف ، ومنه قوله - تعالى - { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } والمراد " بمثل الأولين " صفتهم المتمثلة فى استئصال شأفتهم ، وقطع دابرهم . أى هكذا كان موقف السابقين من رسلهم ، لقد استهزءوا برسلهم فأهلكناهم ، وكانوا أشد قوة وبطشا من قومك المسرفين أيها الرسول الكريم - وقد اقتضت حكمتنا أن نسوق لقومك قصص هؤلاء السابقين وصفاتهم وما حل بهم من نكبات ، لكى يعتبروا بهم ، ولا ينهجوا نهجهم ، حتى لا يصيب قومك ما أصاب أولئك السابقين المكذبين . ومن الآيات الكثيرة التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك نماذج من تناقض هؤلاء المشركين مع أنفسهم ومن مواقفهم الجحودية من نعم الله - تعالى - عليهم … فقال - تعالى - { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ … إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } .