Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-14)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واللام فى قوله - تعالى - { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } للقسم . وجوابه قوله - تعالى - بعد ذلك { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ … } . والمعنى وحق الله الذى لا إله إلا هو ، لئن سألت - أيها الرسول الكريم - هؤلاء المشركين عمن خلق هذا الكون ، ليقولون بدون تردد الله - تعالى - المتصف فى نفس الأمر بالعزة والعلم . فالآية الكريمة تدل دلالة صريحة على أن هؤلاء المشركين يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا العالم ، وأن معبوداتهم بعض خلقه - تعالى - ولكنهم لجهلهم وانطماس بصائرهم أشركوها معه فى العبادة ، وقالوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } ويبدو أن هاتين الصفتين { ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } ليستا من أقوالهم . فهم كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا الكون ، ولكنهم لم يكونوا يعرفون الله بصفاته التى جاء بها القرآن الكريم . ولذا قال بعض العلماء الذى يظهر أن هذا الكلام مجزأ ، فبعضه من قولهم وبعضه من قول الله - تعالى - ، فالذى هو من قولهم { خَلَقَهُنَّ } ، وما بعده من قول الله - عز وجل - ، وأصل الكلام أنهم قالوا خلقهن الله ، ويدل عليه قوله - تعالى - فى آية أخرى { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ثم لما قالوا خلقهن الله وصف الله - تعالى - ذاته بهاتين الصفتين . ثم وصف - سبحانه - ذاته بصفات أخرى فقال { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً … } . المهد والمهاد الفراش المهد المذلل الذى يستقر عليه من جلس فوقه . أى الخالق لهذا العالم هو الله العزيز العليم ، الذى جعل لكم الأرض كالفراش الممهد ، حيث بسطها لكم ، وجعلها صالحة لسيركم عليها ، ولإِنبات الزروع فيها . { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أى وجعل لكم فيها طرقا متعددة ، لكى تسلكوها ، فتصلوا من بلد إلى آخر ، ومن قطر إلى قطر ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } وقوله - تعالى - { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بيان للحكمة من جعل الأرض كذلك ، أى جعلها ممهدة كثيرة الطرق ، لعلكم تهتدون إلى ما تريدون الوصول إليه من البلاد ، ومن المنافع المتعددة . ثم وصف - سبحانه - ذاته بصفة ثانية فقال { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } . أى وهو - تعالى - الذى أنزل من السماء ماء بمقدار معين على قدر حاجتهم ومصلحتكم ، فلا هو بالكثير الذى يغرقكم ولا هو بالقليل الذى لا يكفى حاجتكم ، بل نزله بقدر كفايتكم ، كما قال - سبحانه - { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } وكقوله - تعالى - فى آية ثانية { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ … } وقوله - سبحانه - { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } بيان للآثار المترتبة على هذا الإِنزال للماء . أى نحن الذين بقدرتنا أنزلنا من السماء ماء على قدر حاجتكم ، وحسبما تقتضيه مصلحتكم ، فأحيينا بهذا الماء بلدة مجدبة ، لا نبات فيها ولا زرع . فالمراد بالنشور الإِحياء للأرض عن طريق إنبات الزرع بها ، بعد أن كانت مجدبة . وقوله { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } بيان لإِمكانية إحياء الناس بعد موتهم . أى مثل ذلك الإِحياء للأرض بعد موتها ، تخرجون أنتم من قبوركم أحياء يوم القيامة . قال الآلوسى وفى التعبير عن إخراج النبات بالإِنشار الذى هو إحياء الموتى ، وعن إحيائهم بالإِخراج ، تفخيم الإِنبات ، وتهوين لأمر البعث ، وفى ذلك من الرد على منكريه ما فيه … وشبيه بهذه الآية قوله { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ثم وصف - سبحانه - ذاته بصفة ثالثة فقال { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أى خلق أصناف وأنواع المخلوقات كلها . فالمراد بالأزواج هنا الأصناف المختلفة من الذكر والأنثى . ومن غير ذلك من أنواع مخلوقاته التى لا تحصى . قال - سبحانه - { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } وقوله - تعالى - { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } أى وسخر لكم بقدرته ورحمته من السفن التى تستعملونها فى البحر ، ومن الإِبل التى تستعملونها فى البر ، ما تركبونه وتحملون عليه أثقالكم ، وتنتقلون بواسطته من مكان إلى آخر . فما فى قوله { مَا تَرْكَبُونَ } موصولة ، والعائد محذوف والجملة مفعول { جَعَلَ } وقوله { مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ } بيان له مقدم عليه . أى وجعل لكم ما تركبونه من الفلك والأنعام . ثم بين - سبحانه - الحكمة من هذا التذليل والتسخير للفلك والأنعام فقال { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } والضمير فى { ظُهُورِهِ } يعود إلى { مَا } فى قوله { مَا تَرْكَبُونَ } وجاء مفردا رعاية للفظ { مَا } وجمع الظهور لأن المراد بالمركوب جنسه . والاستواء الاستعلاء على الشئ ، والتمكن منه ، أى سخر لكم من السفن والأنعام ما تركبونه ، ولتستعلوا على ظهوره استعلاء المالك على مملوكه . { ثُمَّ تَذْكُرُواْ } بعد كل هذا التمكن والاستعلاء { نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } أى على تلك السفن والأنعام التى تركبونها . والضمير فى { عَلَيْهِ } يعود - أيضا - الى { مَا } فى قوله { مَا تَرْكَبُونَ } باعتبار لفظه { وَتَقُولُواْ } على سبيل الشكر لله - تعالى - والاعتراف بفضله { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } . أى وتقولوا جل شأن الله ، وتنزه عن الشريك والمثيل ، فهو الذى سخر لنا هذا المركوب من الفلك والأنعام ، وجعله منقادا لنا ، طائعا لأمرنا . { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أى والحال أننا ما كنا لهذا المركوب الصعب بقادرين على التمكن منه ، لولا أن الله - تعالى - سخره لنا ، وجعله منقادا لأمرنا . فقوله { مُقْرِنِينَ } أى مطيقين وقادرين وضابطين ، من أقرن الشئ ، إذا أطاقه وقدر عليه ، حتى لكأنه صار له قرنا ، أى مثله فى الشدة والقوة . والمقصود ما كنا بقادرين أو بمطيقين لتذليل هذه السفن والأنعام ، لولا أن الله - تعالى - قد جعلها منقادة لنا ، ومسخرة لخدمتنا . ولا يخفى أن الجمل أقوى من الإِنسان ، وأن البحر لو لم يذلـله - سبحانه - لنا ، لما قدرت السفن على الجرى فيه . قال القرطبى قوله { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أى مطيقين … أو ضابطين وفى أصله قولان أحدهما أنه مأخوذ من الإِقران ، يقال أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق . وأقرنت كذا أطقته وحكمته ، كأنه جعله فى قرَن - أى حبل - فأوثقه به وشده . والثانى أنه مأخوذ من المقارنة ، وهو أن يقرن بعضها ببعض فى السير يقال قرنت كذا بكذا إذا ربطته به ، وجعلته قرينه . وقوله { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } من جملة ما يقولونه - أيضا - عند استوائهم على ظهور السفن والإِبل . أى تقولون إذا استويتم عليه سبحان الذى سخر لنا هذا المركب الصعب ، وما كنا بقادرين على تذليله لولا أن الله - تعالى - وفقنا لذلك ، وإنا إلى ربنا وخالقنا لراجعون يوم القيامة ، لكى يحاسبنا على أعمالنا ، ويجازينا عليها بجزائه العادل . هذا ، وقد ذكر الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، جملة من الأحاديث ، منها ما رواه مسلم وأبو داود والنسائى … " عن عبد الله بن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . ثم يقول اللهم إنى أسألك فى سفرى هذا البر والتقوى . ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا السفر . واطولنا البعيد . اللهم أنت الصاحب فى السفر . والخليفة فى الأهل . اللهم اصحبنا فى سفرنا . واخلفنا فى أهلنا " . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله - تعالى - ، ومن رحمته بعباده ، لكى يخلصوا له العبادة والطاعة . ثم حكى - سبحانه - ما افتراه المشركون على خالقهم ورازقهم من أكاذيب ورد عليها بما يزهق باطلهم ، فقال - تعالى - { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا … كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } .