Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة " الدخان " من السور المبدوءة بالحروف المقطعة ، وقد سبق أن قلنا إن أقرب الآراء إلى الصواب فى معناها أن الله - تعالى - جاء بها فى أوائل بعض السور للتحدى والتعجيز والتنبيه إلى أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - فكأنه - تعالى - يقول للمكذبين هذا هو القرآن ، مؤلف من كلمات وحروف هى من جنس ما تتخاطبون به ، فإن كنتم فى شك فى كونه من عنده - تعالى - فأتوا بسورة من مثله … فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - . والواو فى قوله - تعالى - { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } للقسم ، وجوابه { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } . والمراد بالليلة المباركة ليلة القدر … أى وحق هذا القرآن الواضح الكلمات ، البين الأسلوب ، لقد ابتدأنا إنزاله فى ليلة كثيرة البركات والخيرات . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذه الليلة بأنها مباركة ، لزيادة خيرها وفضلها ، ولما تتابع فيها من نعم دينية ودنيوية … ولله - تعالى - أن يفضل بعض الأزمنة على بعض وبعض الأمكنة على بعض وبعض الرسل على بعض … لا راد لفضله ، ولا معقب لحكمه … قال الإِمام ابن كثير " يقول الله - تعالى - " مخبرا عن هذا القرآن الكريم أنه أنزله فى ليلة مباركة ، وهى ليلة القدر ، كما قال - تعالى - { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ … } وكان ذلك فى شهر رمضان ، كما قال - تعالى - { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } ومن قال بأنها - أى الليلة المباركة - ليلة النصف من شعبان - كما روى عن عكرمة - فقد أبعد النَّجعة ، فإن نص القرآن أنها فى رمضان " . هذا وقد فصل بعضهم أدلة من قال بأن المراد بها ليلة القدر ، وأدلة من قال بأن المراد بها ليلة النصف من شعبان . والحق أن المراد بها ليلة القدر ، التى أنزل فيها القرآن من شهر رمضان ، كما نصت على ذلك آية سورة البقرة التى تقول { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ … } والأحاديث التى أوردها بعضهم فى أن المراد بها ليلة النصف من شعبان ، أحاديث مرسلة أو ضعيفة ، أو لا أساس لها … فثبت أن المراد بها ليلة القدر . وقوله - سبحانه - { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } استئناف مبين لمقتضى الإِنزال … والإِنذار إخبار فيه تخويف وترهيب ، كما أن التبشير إخبار فيه تأمين وترغيب . أى أنزلنا هذا القرآن فى تلك الليلة المباركة ، أو ابتدأنا إنزاله فيها ، لأن من شأننا أن نخوف بكتبنا ووحينا ، حتى لا يقع الناس فى أمر نهيناهم عن الوقوع فيه . وقوله - تعالى - { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } جملة مستأنفة - أيضا - لبيان وجه تخصيص هذه الليلة بإنزال القرآن فيها . وقوله { يُفْرَقُ } أى يفصل ويبين ويكتب . و { حَكِيمٍ } أى ذو حكمة ، أو محكم لا تغيير فيه . أى فى هذه الليلة المباركة يفصل ويبين ويكتب ، كل أمر ذى حكمة باهرة ، وهذا الأمر صادر عن الله - تعالى - ، الذى لا راد لقضائه ، ولا مبدل لحكمه . قال صاحب الكشاف ما ملخصه فإن قلت { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ما موقع هاتين الجملتين ؟ قلت هما جملتان مستأنفتان ، فسر بهما جواب القسم الذى هو قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } كأنه قيل أنزلناه لأن من شأننا الإِنذار والتحذير من العقاب ، وكان إنزالنا إياه فى هذه الليلة خصوصا ، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم . ومعنى { يُفْرَقُ } يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم … " . ثم بين - سبحانه - أن مرد هذه الكتابة والتقدير للأشياء إليه وحده فقال { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ … } . ولفظ { أَمْراً … } يرى بعضهم أنه حال من { كُلُّ أَمْرٍ … } أى يفرق فى هذه الليلة المباركة كل أمر ذى حكمة ، حالة كون هذا الأمر من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا . ويصح أن يكون منصوبا على الاختصاص ، وتنكيره للتفخيم ، أى أعنى بهذا الأمر الحكيم ، أمرا عظيما كائنا من عندنا وحدنا . وقد اقتضاه علمنا وتدبيرنا . وقوله { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ … } بدل من قوله { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } . أى أنزلنا هذا القرآن ، فى تلك الليلة المباركة لأن من شأننا إرسال المرسلين إلى الناس ، لأجل الرحمة بهم ، والهداية لهم ، والرعاية لمصالحهم . وقوله { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } تعليل لما قبله . أى فعل ما فعل من إنزال القرآن ، ومن إرسال الرسل ، لأنه - سبحانه - هو السميع لمن تضرع إليه ، العليم بجميع أحوال خلقه . ثم وصف - سبحانه - ذاته بما يدل على كمال قدرته ، ونفاذ إرادته فقال { رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ … } من هواء ، ومن مخلوقات لا يعلمها إلا الله - تعالى - . { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } أى إن كنتم على يقين فى إقراركم حين تسألون عمن خلق السماوات والأرض وما بينهما . وجواب الشرط محذوف ، أى إن كنتم من أهل الإِيقان علمتم بأن الله الله - تعالى - وحده ، هو رب السماوات والأرض وما بينهما . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - { يُحْيِـي } من يريد إحياءه ، { وَيُمِيتُ } من يريد إماتته ، هو - تعالى - { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } . أى هو - سبحانه - الذى تعهدكم بالرعاية والتربية والخلق ، كما فعل ذلك مع آبائكم الأولين ، الذين أنتم من نسلهم … ثم بين - سبحانه - أحوال الكافرين ، وكيف أنهم عندما ينزل بهم العذاب ، يجأرون إلى الله - تعالى - أن يكشفه عنهم . فقال - تعالى - { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ … إِنَّا مُنتَقِمُونَ } .