Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 34-50)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } يعود إلى مشركى مكة ، الذين سبق الحديث عنهم فى قوله - تعالى - { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } الخ . وذكر - سبحانه - قصة فرعون وقومه فى الوسط ، للاشارة إلى التشابه بين الفريقين فى التكذيب للحق ، وفى الإِصرار على الضلال . وكانت الإِشارة للقريب ، لتحقيرهم والتهوين من شأنهم . و { إِنْ } فى قوله - تعالى - { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ … } نافية . أى هؤلاء الكافرين ليقولون على سبيل الجزم والتكذيب للبعث ما الموتة التى نموتها فى نهاية حياتنا الدنيوية ، إلا الموتة النهائية لا حياة بعدها ولا بعث نشور . ومرادهم من الأولى السابقة المتقدمة على الموعد الذى يوعدونه للبعث والنشور . قال بعض العلماء وذلك أنهم لما وعدوا بعد الحياة الدنيا حالتين أخريين . الأولى منها الموت ، والأخرى حياة البعث ، أثبتوا الحالة الأولى وهى الموت ، ونفوا ما بعدها . وسموها أولى مع أنهم اعتقدوا أنه لا شئ بعدها ، لأنهم نزلوا جحدهم على الإِثبات فجعلوها أولى على ما ذكرت لهم … وقوله { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } تأكيد لما سبقه . أى قالوا ليس هنا من موت سوى الموت المزيل لحياتنا ، ثم لا بعث ولا حساب ولا نشور بعد ذلك . يقال أنشر الله - تعالى - الموتى نشورا ، إذا أحياهم بعد موتهم ، فهم منشرون . ثم بين - سبحانه - مطالبهم المتعتنة ، وأدلتهم الباطلة فقال { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . والفاء للإِفصاح ، والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين الذين كانوا يؤمنون بالبعث . أى إن هؤلاء الكافرين قالوا - أيضا للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين . إن كان الأمر كما تقولون من أن هناك بعثا وحسابا … فأعيدوا الحياة إلى آبائنا الأولين ، واجعلوهم يخرجون إلينا مرة لنراهم . وقوله - سبحانه - { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ … } تهديد لهم على جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم . والمراد بتبع أبو كريب بن مليك ، ويسمى بتبع الحميرى . وهو أحد ملوك حمير . وكان مؤمنا ، وقومه كانوا كافرين فأهلكهم الله . وإليه ينسب الأنصار ، ولفظ { تُبَّعٍ } يعد لقبا لكل ملك من ملوك اليمن ، كما أن لقب فرون يعد لقبا لمن ملك مصر كافرا … أى إن هؤلاء الكافرين المعاصرين لك - أيها الرسول الكريم - ليسوا خيرا من قوم تبع ، الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا ، فلما لجوا فى طغيانهم أهلكهم الله - تعالى - وإن مصير هؤلاء المشركين - إذا ما استمروا فى عنادهم - سيكون كمصير قوم تبع … فالمقصود من الآية الكريمة تحذير الكافرين من التمادى فى الضلال ، لأن هذا التمادى سيؤدى بهم إلى الخسران ، كما هو حال قوم تبع الذين لا يخفى أمرهم عليهم . والمراد بمن قبلهم فى قوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } الأقوام السابقون على قوم تبع ، كقوم عاد وثمود وغيرهم . أو على هؤلاء الكافرين المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - . أى والذين من قبل قوم تبع أو من قبل قومك من الظالمين ، أهلكناهم لأنهم كانوا قوما مجرمين . ثم لفت - سبحانه - أنظار الناس إلى التفكر فى خلق السماوات والأرض فقال { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا … } من مخلوقات لا يعلمها إلا الله - تعالى - ما خلقنا ذلك { لاَعِبِينَ } أى عابثين أو لغير غرض صحيح . وقوله - تعالى - { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } استثناء مفرغ من أعم الأحوال . أى ما خلقناهما إلا خلقا ملتبسا بالحق مؤيدا بالحكمة … { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم . ثم بين - سبحانه - أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، وسيحكم - سبحانه - فى هذا اليوم بين الناس بحكمه العادل فقال { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } وهو يوم القيامة الذى يفصل فيه الله - عز وجل - بين المحق والمبطل ، وبين المهتدى والضال … هذا اليوم { مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } أى وقت اجتماعهم للحساب جميعا دون أن يتخلف منهم أحد . ثم وصف - سبحانه - هذا اليوم بقوله { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } . وقوله { يَوْمَ لاَ يُغْنِي … } بدل من يوم الفصل . والمولى يطلق على القريب والصديق والناصر … أى فى هذا اليوم ، وهو يوم الفصل ، لن يستطيع قريب أن ينفع قريبه ، أو صديق أن ينفع صديقه شيئا من النفع ، ولا هم ينصرون من عذاب الله - تعالى - إذا ما أراد - سبحانه - إنزال عذابه بهم . وقوله { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ … } فى محل رفع على أنه بدل من ضمير { يُنصَرُونَ } . أو فى محل نصب على الاستثناء منه أى لا يستطيع صديق أن يدفع العذاب عن صديقه ، ولا قريب أن ينفع قريبه أو ينصره ، إلا من رحمه الله - تعالى - ، وذلك بأن يعفو - سبحانه - عنه ، أو يقبل شفاعة غيره فيه . { إِنَّهُ } - سبحانه - هو { ٱلْعَزِيزُ } الذى لا يغلب { ٱلرَّحِيمُ } الذى وسعت رحمته كل شئ . ثم بين - سبحانه - طعام أهل النار وحالهم يوم القيامة فقال { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ طَعَامُ ٱلأَثِيمِ كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ … } . والمراد بشجرة الزقوم الشجرة التى خلقها الله - تعالى - فى جهنم ، وسماها الشجرة الملعونة ، ليكون طعام أهل النار منها . ولفظ الزقوم اسم لتلك الشجرة ، أو من الزقم بمعنى الالتقام والابتلاع للشئ . والأثيم الكثير الآثام والسيئات . والمراد به الكافر لدلالة ما قبله عليه . والمهل هو النحاس المذاب ، أو ردئ الزيت الحار . أى إن الشجرة المعلونة التى هى شجرة الزقوم ، خلقها الله - تعالى - لتكون طعاما للإِنسان الكافر ، الكثير الآثام والجرائم … فتنزل فى بطنه كما ينزل النحاس الجار المذاب ، فيغلى فيها كغلى الماء البالغ نهاية الحرارة . فقوله { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } نعت لمصدر محذوف . أى غليا كغلى الحميم . وقوله - سبحانه - { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ … } مقول لقول محذوف ، هذا القول موجه من الله - تعالى - لملائكة العذاب . وقوله - سبحانه { فَٱعْتِلُوهُ } من العتل وهو الأخذ بمجامع الشئ ، وجره بغلظة وقهر . يقال عتل فلان فلانا يعتله عتلا ، إذا جذبه جذبا شديدا ، وسار به إلى ما يكره السير إليه . أى يقول الله - تعالى - لملائكة العذاب فى هذا اليوم العسير خذوا هذا الكافر الأثيم ، فجروه بغلظة ، وسوقوه بشدة { إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أى إلى وسطها . { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ } على سبيل التنكيل به { مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } صبا يذله ويوجعه ويجعل رأسه تغلى من شدة حرارة هذا الماء . ثم قولوا له بعد ذلك على سبيل التهكم به ، والتقريع له { ذُقْ } أى تذوق شدة هذا العذاب فالأمر للإِهانة . { إِنَّكَ } كنت تزعم فى الدنيا ، بأنك { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات بقوله { إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } أى إن هذا العذاب الذى نزل بكم أيها الكافرون ، هو ما كنتم بشأنه تجادلون وتخاصمون فى الدنيا ، فمنكم من كان ينكره ، ومنكم من كان يشكك فى صحته . فها هو ذا قد أصبح حقيقة واقعة فوق رءوسكم . وهكذا نجد الآيات الكريمة ، قد وضحت أن يوم القيامة حق لا ريب فيه ، وأن الكافرين به سيصيبهم عذاب شديد يذلهم يخزيهم . * * * وبعد هذا الحديث عن الكافرين وسوء مصيرهم ، ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن المتقين وحسن عاقبتهم فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي … فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } .