Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 51-59)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى إن الذين اتقوا الله - تعالى - وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضيه سيكونون يوم القيامة { فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } أى فى مكان يأمن معه صاحبه من كل خوف . فالمراد بالمقام - بالفتح - موضع القيام ، أى الثبات والملازمة . وقرأ ابن عامر ونافع ، { مَقَامٍ } - بضم الميم - أى موضع الإِقامة . والمراد أنهم فى مكان أو مجلس لا خوف فيه ولا مكروه . وقوله { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } بدل من { مَقَامٍ أَمِينٍ } بأعادة حرف الجر أى هم فى مكان آمن ، تتوسطه وتحيط به البساتين الناضرة ، وعيون الماء المتفجرة . { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ } والسندس هو أجود أنواع الحرير وأرقه ، واحدة سندسة . { وَإِسْتَبْرَقٍ } وهو ما كان سميكا من الديباج والحرير . { مُّتَقَابِلِينَ } أى يجلسون فى مجالس متقابلة ، بحيث ينظر بعضهم إلى بعض . { كَذَلِكَ } أى الأمر كذلك . من أن المتقين لهم كل هذا النعيم . { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } أى وزوجناهم بنساء يحار الطرف فيهم لجمالهن وحسنهن ، والحور جمع حوراء … وهى التى يحار الطرف فيها لفرط جمالها . والعين جمع عيناء . وهى التى اتسعت عينها فى حسن وجمال . { يَدْعُونَ فِيهَا } أى فى الجنات { بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } . أى يطلبون ويأمرون غيرهم بأن يحضر لهم كل ما يشتهونه من فاكهة أو غيرها ، فيلبى طلبهم وهم آمنون فى أماكنهم من كل خوف أو ضرر . ثم بين - سبحانه - أن بقاءهم فى تلك الجنات بقاء دائم فقال { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } . أى هم باقون بقاء دائما فى تلك الجنات ، بحيث لا يموتون فيها أبدا ، إلا الموتة الأولى التى ذاقوها عند نهاية آجالهم فى الدنيا ، ووقاهم - سبحانه - بعدها عذاب الجحيم ، الذى حل بالكافرين . قال الآلوسى وقوله { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } جملة مستأنفة أو حالية ، وكأنه أريد أن يقال لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع الموتة الأولى موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها فى المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال ، كأنه قيل إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها فى المستقبل فإنهم يذوقونها . ونظيره قول القائل لمن يستسقيه لا أسقيك إلا الجمر ، وقد علم أن الجمر لا يسقى . وقوله { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ } أى أعطوا كل ذلك فضلا من ربك ، فقوله { فَضْلاً } منصوب على المصدرية بفعل محذوف . أو على أنه مفعول لأجله . أى لأجل الفضل منه - سبحانه - . { ذَلِكَ } الذى أعطيناهم إياه { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذى لا يدانيه ولا يساميه فضل . { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ } أى فإنما أنزلناه عليك - يا محمد - هذا القرآن وجعلناه بلغتك ولغة قومك { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ما فيه من هدايات ويعتبرون بما اشتمل عليه من عبر وعظات . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } . أى فعلنا ذلك لعلهم يتذكرون ، فإن لم يتذكروا ويتعظوا ويؤمنوا بما جئتهم به . فارتقب وانتظر ما يحل بهم من عذاب ، وما وعدناك به من النصر عليهم ، إنهم - أيضا - منتظرون ومرتقبون ما يحل بك من موت أو غيره . ونحن بفضلنا ورحمتنا سنحقق لك ما وعدناك به ، وسنخيب ظنونهم وآمالهم . وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة " الدخان " . نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .