Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 12-15)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - تعالى - { سَخَّرَ } من التسخير بمعنى التذليل والتيسير . يقال سخر الله - تعالى - الإِبل للإِنسان ، إذا ذللها له ، جعلها منقادة لأمره . أى الله - تعالى - وحده ، هو الذى بقدرته ورحمته { سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ } بأن جعلكم متمكنين من الانتفاع بخيراته ، وبأن جعله على هذه الصفة التى تستطيعون منها استخراج ما فيه من خيرات . وقوله { لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ … } بيان لبعض الأسباب التى من أجلها سخر الله - تعالى - البحر على هذه الصفة . أى جعل لكم البحر على هذه الصفة ، لكى تتمكن السفن من الجرى فيه بأمره - تعالى - وقدرته ، ولتطلبوا ما فيه من خيرات ، تارة عن طريق استخراج ما فيه من كنوز ، وتارة عن طريق التجارة فيها … وكل ذلك بتيسير الله - تعالى - وفضله ورحمته بكم . وقوله { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } متعلق بمحذوف . أى أعطاكم ما أعطاكم من النعم ، وجعل البحر على صفة تتمكنون معها من الجرى فيه وأنتم فى سفنكم ، ومن استخراج ما فيه من خيرات … لعلكم بعد ذلك تشكرون الله - تعالى - على هذه النعم ، وتستعملونها فيما خلقت من أجله . وقوله - تعالى - { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ … } تعميم بعد تخصيص . أى يسر لكم الانتفاع بما فى البحر من خيرات ، ويسر لكم - أيضاً - الانتفاع بكل ما فى السماوات والأرض من نعم لا تعد ولا تحصى ، وكلها منه - تعالى - وحده ، لا من أحد سواه . فقوله { جَمِيعاً } حال من { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أو تأكيد له . والضمير فى قوله - { مِّنْهُ } - يعود إلى الله - عز وجل - ، والجار والمجرور حال من { مَا } أيضا ، أى جميعا كائنا منه - تعالى - لا من غيره . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى { مِّنْهُ } فى قوله { جَمِيعاً مِّنْهُ } ؟ وما موقعها من الإِعراب ؟ قلت هى واقعة موقع الحال . والمعنى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده . يعنى أنه مكونها وموجدها بقدرته وحكمته ، ثم سخرها لخلقه ، ويجوز أن يكون خبر لمبتدأ محذوف تقديره هى جميعا منه . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور من تسخير البحر وما فى السماوات والأرض لكم { لآيَاتٍ } ساطعات ، وعلامات واضحات ، ودلائل بينات ، على وحدانية الله - تعالى - وقدرته وفضله { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فى هذه النعم ، ويحسنون شكرها . وخص المتفكرين بالذكر ، لأنهم هم الذين ينتفعون بما بين أيديهم من نعم ، إذ بالتفكر السليم ينتقل العاقل من مرحلة الظن ، إلى مرحلة اليقين ، التى يجزم معها بأن المستحق للعبادة والحمد ، إنما هو الله رب العالمين . ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحض المؤمنين على التجاوز والصفح ، عما يصدر من المشركين من كلمات بذيئة ، ومن أفعال قبيحة ، حتى يأتى الله بأمره . … فقال - تعالى - { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } . وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها وما روى عن ابن عباس أنها نزلت فى عمر بن الخطاب ، شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة فهَّم أن يبطش به ، فنزلت . ومقول القول محذوف لأن الجواب دال عليه . والرجاء هنا بمعنى الخوف . والمراد بأيام الله وقائعه بأعدائه . أى قل - أيها الرسول الكريم - لأتباعك المؤمنين ، على سبيل النصح والإِرشاد ، قل لهم اغفروا يغفروا للمشركين الذين لا يخافون من وقائع الله ونقمته بأعدائه ، ولا يتوقعون أن هناك عذابا شديدا سينتظرهم ، وأن هناك ثوابا عظيما سينتظر المؤمنين . فالآية الكريمة توجيه حكيم للمؤمنين إلى التسامح والصبر على كيد أعدائهم ، حتى يأتى الله - تعالى - بأمره ، الذى فيه النصر للمؤمنين ، والخسران للكافرين . وقوله - سبحانه - { لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } علة للأمر بالصفح والمغفرة ، وهو متعلق بما قبله ، والمراد بالقوم المؤمنون الذين أمروا بالتسامح والعفو … والتنكير فى لفظ { قَوْماً } للتعظيم . أى أمر الله المؤمنين بذلك ، ليجزيهم يوم القيامة بما كسبوا فى الدنيا من الأعمال الصالحة ، التى منها الصبر على أذى أعدائهم ، والإِغضاء عنهم ، واحتمال المكروه منهم . قال صاحب الكشاف قوله { لِيَجْزِيَ قَوْماً } تعليل للأمر بالمغفرة أى إنما أمروا بأن يغفروا ، لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة . فإن قلت قوله { قَوْماً } ما وجه تنكيره ، وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف ؟ قلت هو مدح لهم وثناء عليهم ، كأنه قيل ليجزى أيما قوم . أو قوما مخصوصين ، لصبرهم وإغضائهم على أعدائهم من الكفار ، وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص . ثم عقب - سبحانه - على ذلك بما يؤكد عدالة الجزاء ، واحتمال كل نفس لما تعمله فقال { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } . أى من عمل عملا صالحا ، فثواب هذا العمل يعود إلى نفسه ، ومن عمل سيئا فعقاب هذا العمل يعود عليها - أيضا - . { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة فترون ذلك رأى العين ، وتشاهدون أن كل إنسان سوف يجازى على حسب عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شراً فشر . ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعم الله - سبحانه - على بنى إسرائيل ، وعن موقفهم منها ، وأمرت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسك بالشريعة التى أنزلها الله - سبحانه - عليه … فقال { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ … وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .