Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد بالآيات فى قوله - سبحانه - { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ … } آيات القرآن الكريم ، كما فى قوله - تعالى - { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } و { تَلْكَ } مبتدأ ، و { آيَاتُ ٱللَّهِ } خبر و { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } حال عاملها ما دل عليه { تَلْكَ } من معنى الإِشارة . وقوله { بِٱلْحَقِّ } حال من فاعل { نَتْلُوهَا } أو من مفعوله ، أى نتلوها محقين ، أو ملتبسة بالحق . أى تلك - أيها الرسول الكريم - آيات الله - تعالى - المنزلة إليك ، نتلوها عليك تلاوة ملتبسة بالحق الذى لا يحوم حوله باطل . وكانت الإِشارة للبعيد ، لما فى ذلك من معنى الاستقصاء للآيات ، ولعلو شأنها ، وكمال معانيها ، والوفاء فى مقاصدها . وأضاف - سبحانه - الآيات إليه ، لأنه هو الذى أنزلها على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وفى هذه الإِضافة ما فيها من التشريف لها ، والسمو لمنزلتها . وجعل - سبحانه - تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له ، للإِشعار بشرف جبريل ، وأنه ما خرج فى تلاوته عما أمره الله - تعالى - به ، فهو رسوله الأمين ، إلى رسله المكرمين . وقوله - سبحانه - { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } تعجيب من حالهم ، حيث أصر هؤلاء الكافرون على كفرهم ، مع وضوح البراهين والأدلة على بطلان ذلك . أى فبأى حديث بعد آيات الله المتلوة عليك يؤمن هؤلاء الجاهلون ؟ إن عدم إيمانهم بعد ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، دليل على انطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد والجحود على قلوبهم . قال الآلوسى وقوله { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } هو من باب قولهم أعجبنى زيد وكرمه ، يريدون أعجبنى كرم زيد ، إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة فى الإِعجاب . أى فبأى حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون ، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان ، ولا آية أدل من هذه الآية . وقال الواحدى فبأى حديث بعد حيث الله ، أى القرآن ، وقد جاء إطلاقه عليه فى قوله - تعالى - { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ … } وحسن الإِضمار لقرينة تقدم الحديث . وقوله { وَآيَاتِهِ } عطف عليه لتغايرهما إجمالا وتفصيلا … والفاء فى جواب شرط مقدر ، والظرف صفة { حَدِيثٍ } . ثم هدد - تعالى - هؤلاء المشركين بقوله { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } . والويل لفظ يدل على الشر أو الهلاك . وهو مصدر لا فعل له من لفظه ، وقد يستعمل بدون حرف النداء كما هنا ، وقد يستعمل معه كما فى قوله - تعالى - { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } والأفاك هو الإِنسان الكثير الإِفك وهو أشنع الكذب وأقبحه . والأثيم هو الإِنسان المرتكب للذنوب والآثام بقلبه وجوارحه ، فهو سيئ الظاهر وسيئ الباطن . أى هلاك وعذاب وحسرة يوم القيامة لكل إنسان ينطق بأقبح الأكاذيب ويفعل أسوأ السيئات . هذا الإِنسان - أيضا - من صفاته أنه { يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } صباح مساء . { ثُمَّ } بعد ذلك { يُصِرُّ } على كفره { مُسْتَكْبِراً } أى متكبرا عن الإِيمان . { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أى كأنه لم يسمع هذه الآيات ، لأنها لم توافق هواه أو شهواته . والتعبير بقوله { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } للتعجيب من حاله ، حيث يصر على كفره ، بعد سماع ما يدعو إلى التخلى عن الكفر ، ويحمل على الدخول فى الإِيمان . والإِصرار على الشئ ملازمته وعدم الانفكاك عنه ، مأخوذ من الصر - بفتح الصاد - وهو الشد ، ومنه صرة الدراهم ، لأنها مشدودة على ما بداخلها . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى { ثُمَّ } فى قوله { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟ قلت كمعناه فى قول القائل ، يرى غمرات الموت ثم يزورها . زذلك أن غمرات الموت خليقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفرار عنها . وأما زيارتها والإِقدام على مزاولتها ، فأمر مستبعد ، فمعنى { ثُمَّ } الإِيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها وعاينها ، شئ يستبعد فى الغايات والطباع . وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق ، من تليت عليه وسمعها كان مستبعدا فى العقول إصراره على الضلالة عندها ، واستكباره عن الإِيمان بها . وقوله - تعالى - { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تهكم بهذا الأفاك الأثيم … واستهزاء به . لأن البشارة فى الأصل إنما تكون من أجل الخبر السار ، الذى تتهلل له البشرة . أى فبشره بعذاب أليم ، بسبب إصراره على كفره ، واستحبابه العمى على الهدى . ثم بين - سبحانه - صفة أخرى من صفات هذا الأفاك الأثيم فقال { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً } . أى وإذا بلغ هذا الإِنسان شئ من آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، بادر إلى الاستهزاء بها والسخرية منها ، ولم يكتف بالاستهزاء بما سمعه ، بل استهزأ بالآيات كلها لرسوخه فى الكفر والجحود . والتعبير بقوله { وَإِذَا عَلِمَ } زيادة فى تحقيره وتجهيله ، لأن اتخاذه الآيات هزوا بعد علمه بمصدرها ، يدل على إيغاله فى العناد والضلال . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } بيان لسوء عاقبته . أى أولئك الذين يفعلون ذلك لهم فى الآخرة عذاب يهينهم ويذلهم ، ويجعلهم محل سخرية العقلاء واحتقارهم . { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } أى من قدامهم جهنم لأنهم يوجهون إليها بعد موتهم ، أو هى من خلفهم لأنهم معرضون عنها ، ومهملون لما يبعدهم عن دخولها . والوراء اسم يستمعل بمعنى الأمام والخلف ، لأنه يطلق على الجهة التى يواريها الشخص فتعم الخلف والأمام . { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً } أى ولا يدفع عنهم ما كسبوه فى الدنيا من أموال شيئا من العذاب ، ولو كان هذا الشىء يسيرا ، كما قال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } فقوله { وَلاَ يُغْنِي } من الغناء - بفتح الغين - بمعنى الدفع والنفع ، ومنه قول الشاعر @ وقل غناء عنك مال جمعته إذا صار ميراثا وواراك لاحد @@ { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } أى ولا يغنى عنهم - أيضا - ما اتخذوه من دون الله - تعالى - من معبودات باطلة . و { مَّا } فى قوله { مَّا كَسَبُواْ } و { مَا ٱتَّخَذُواْ } موصولة والعائد محذوف . ويصح أن تكون فى الموضعين مصدرية . { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } لا يعلم مقدار شدته وهوله إلا الله - تعالى - وحده . والإِشارة فى قوله - تعالى - { هَـٰذَا هُدًى } تعود إلى القرآن الكريم . والهدى مصدر هداه إلى الشئ إذا دله وأرشده إليه . أى . هذا القرآن الذى أوحيناه إليك يا محمد ، فى أعلى درجات الهداية وأكملها . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الدالة على وجوب إخلاص العبادة له . { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } والرجز يطلق على أشد أنواع العذاب … أى لهم أشد أنواع العذاب ، وأكثره إيلاما وإهانة . وجمهور القراء قرأ { أليم } بالخفض على أنه نعت لقوله { رِّجْزٍ } وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { أليم } بالرفع ، على أنه صفة لعذاب . وهذه الآيات تهديد لكل من كانت فيه هذه الصفات التى منها كثرة الكذب ، وكثرة اقتراف السيئات ، والإِصرار على الباطل … ويدخل فى هذا التهديد دخولا أوليا ، النضر بن الحارث ، الذى كان يشترى أحاديث الأعاجم ليشغل بها الناس عن سماع القرآن ، والذى قيل إن هذه الآيات قد نزلت فيه . ثم انتقلت السورة الكريمة بعد هذا التهديد الشديد للأفاكين … إلى بيان جانب من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على عباده ، ودعت المؤمنين إلى الصبر والصفح ، فقال - تعالى - { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ … ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .