Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 11-14)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } روايات منها أن مشركى مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء ، كعمار ، وبلال ، وعبد الله بن مسعود … قالوا ذلك . وسبب قولهم هذا ، اعتقادهم الباطل ، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة ، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان ، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم ، ولا سبق لهم إلى خير … أى وقال الذين كفروا للذين آمنوا - على سبيل السخرية والاستخفاف بهم - ، لو كان هذا الذى أنتم عليه من الإِيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا وخيرا ، لما سبقتمونا إليه ، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء … وأنتم الضعفاء الفقراء … فهم - لانطماس بصائرهم وغرورهم - توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير ، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه ، ولا يفهم ما يفهمونه … ومن الآيات الكريمة التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ … } وقوله - سبحانه - { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } تعجيب من غرروهم وعنادهم ، ورميهم بما هو برئ منه . و " إذ " ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام ، أى وإذا لم يهتدوا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه ، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من اخبار السابقين ، نسبه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه . وشبيه بهذا الآية . قوله - تعالى - { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً … } ثم بين - سبحانه - أن هذا القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية التى سبقته فقال - تعالى - { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً … } . أى ومن قبل هذا القرآن الذى أنزلناه على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان كتاب موسى وهو التوراة { إِمَاماً } يهتدى به فى الدين { وَرَحْمَةً } من الله - تعالى - لمن آمن به . وقوله { وَمِن قَبْلِهِ } خبر مقدم ، و { كِتَابُ مُوسَىٰ } مبتدأ مؤخر ، وقوله { إِمَاماً وَرَحْمَةً } حالان من { كِتَابُ مُوسَىٰ } . والمقصود من هذه الجملة الكريمة ، الرد على قولهم فى القرآن { هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } فكأنه - تعالى - يقول لهم كيف تصفون القرآن بذلك ، مع أنه قد سبقه كتاب موسى الذى تعرفونه ، والذى وافق القرآن فى الأمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، وفى غير ذلك من أصول الشرائع . ثم مدح - سبحانه - هذا القرآن بقوله { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } . أى وهذا القرآن الذى أنزلناه على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدق لكتاب موسى الذى هو إمام ورحمة ، ومصدق لغيره من الكتب السماوية السابقة وأمين عليها ، وقد أنزلناه بلسان عربى مبين ، امتنانا منا على من بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم وهم العرب . وقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من وظيفة هذا الكتاب الإِنذار للظالمين بسوء المصير إذا ما أصروا على ظلمهم ، والبشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم . فاسم الاشارة فى قوله { وَهَـٰذَا } يعود للقرآن الكريم ، وقوله مصدق صفة لكتاب . وقوله { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } حال من الضمير فى " مصدق " الذى هو صفة للكتاب والضمير فى " لينذر " يعود إلى الكتاب ، و " الذين ظلموا " مفعوله . أى لينذر الكتاب الذين ظلموا ، وقوله { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } فى محل نصب عطفا على محل " لينذر " . وقال - سبحانه - فى صفة هذا الكتاب { مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً } ولم يقل مصدق لكتاب موسى ، للتنبية على أنه مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب السماوية السابقة . والتعبير بقوله { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } فيه تكريم للعرب ، وتذكير لهم بنعمة الله عليهم ، حيث جعل القرآن الذى هو أجمع الكتب السماوية للهدايات والخيرات بلسانهم ، وهذا يقتضى إيمانهم به ، وحصرهم على اتباع إرشاداته . وقوله - تعالى - { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } بيان لوظيفة هذا الكتاب ، وتحديد لمصير كل فريق ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من من حى عن بينه . ثم فصل - سبحانه - ما أعده للمحسنين من جزيل الثواب فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ … } أى قالوا ذلك بألسنتهم ، وصدقت هذا القول قلوبهم { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } بعد ذلك على صراط الله المستقيم ، بأن فعلوا بإخلاص وطاعة كل ما أمرهم - سبحانه - بفعله ، واجتنبوا بقوة كل ما أمرهم بإجتنابه ، وقوله { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } خبر " إن " وجئ بالفاء فى خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط . أى إن الذين قالوا ذلك ، ثم استقاموا وثبتوا على طاعتنا فلا خوف عليهم من لحوق مكروه بهم ، ولا هم يحزنون بسبب فوات محبوب لديهم ، وإنما هم فى سعادة مستمرة ، وفى سرور دائم ، لا يعكره خوف من مستقبل مجهول ، ولا حزن على أمر قد مضى . { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بما ذكر من الإِيمان والاستقامة ، هم { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا } خلودا أبديا . { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى يجزون هذا الجزاء الطيب بسب أعمالهم الصالحة ، التى كانوا يعملونها فى الدنيا . وبعد هذا الحديث عن حقيقة هذا الدين ، وعن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، جاء الحديث عن وجوب الإِحسان إلى الوالدين وعما يترتب عليه هذا الإِحسان من ثواب عظيم ، قال - تعالى - { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ … كَانُواْ يُوعَدُونَ } .