Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتحت سورة القتال بهذا الذم الشديد للكافرين ، وبهذا الثناء العظيم على المؤمنين . افتتحت بقوله - سبحانه - { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } . وقوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } … مبتدأ ، خبره قوله - سبحانه - { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } . والمراد بهم كفار قريش ، الذين أعرضوا عن الحق وحرضوا غيرهم على الإِعراض عنه . فقوله { صَدُّواْ } من الصد بمعنى المنع ، والمفعول محذوف . وقوله { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أى أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة ذاهبة لا أثر لها ولا وجود ، والمراد بهذه الأعمال ما كانوا يعملونه فى الدنيا من عمل حسن ، كإِكرام الضيف ، وبرد الوالدين ، ومساعدة المحتاج . أى الذين كفروا بالله - تعالى - وبكل ما يجب الإِيمان به ، ومنعوا غيرهم من اتباع الدين الحق الذى أمر الله - تعالى - باتباعه { أَضَلَّ } - سبحانه - أعمالهم ، بأن جعلها ذاهبة ضائعة غير مقبولة عنده . كما قال - تعالى - { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } قال صاحب الكشاف { أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أى أبطلها وأحبطها وحقيقته ، جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها ، كالضالة من الإِبل ، التى هى مضيعة لا رب لها يحفظها ويعتنى بأمرها ، أو جعلها ضالة فى كفرهم ومعاصيهم ، ومغلوبة بها ، كما يضل الماء اللبن . وأعمالهم ما كانوا يعملونه فى كفرهم بما يسمونه مكارم من صلة الأرحام ، وفك الأسرى . وقيل أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصد عن سبيل الله ، بأن نصره عليهم وأظهر دينه على الدين كله . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ } الأعمال { ٱلصَّالِحَاتِ } التى توافر فيها الإِخلاص والاتباع لهدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقوله { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } من باب عطف الخاص على العام ، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل فى الإِيمان والعمل الصالح ، للإِشارة إلى أنه شرط فى صحة الإِيمان ، وللإِشعار بسمو مكانة هذا المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وبعلو قدره . وقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } جملة معترضة ، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - وتقرير كماله وصدقه . أى وهذا المنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الحق الكائن من عند الله - تعالى - رب العالمين ، لا من عند أحد سواه . وقوله { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } خبر الموصول ، أى والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة ، محا عنهم - سبحانه - ما عملوه من أعمال سيئة ، ولم يعاقبهم عليها ، فضلا منه وكرما . فقوله { كَفَّرَ } من الكَفْرِ بمعنى الستر والتغطية ، يقال كفر الزارع زرعه إذا غطاه ، وستره حماية له مما يضره . والمراد به هنا المحو والإِزالة على سبيل المجاز . وقوله { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } معطوف على ما قبله . أى محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ، ما اقترفوه من سيئات ، كما قال - تعالى - { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } ولم يكتف - سبحانه - بذلك ، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم ، بأن وفقهم للتوبة الصادقة فى الدنيا ، وبأن منحهم الثواب الجزيل فى الآخرة . فالمراد بالبال هنا الحال والأمر والشأن . قال القرطبى والبال كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ، ولا تجمعه العرب إلا فى ضرورة الشعر ، فيقولون فيه بالات … وهذه الجملة الكريمة وهى قوله { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله - تعالى - إياها ، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب ، ممزق النفس ، مضطرب المشاعر والأحوال . أما الذى ينفعه فهو راحة البان . وطمأنينة النفس ، ورضا القلب ، والشعور بالأمان والسلام . والإِشارة فى قوله { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ … } تعود إلى ما مر من ذم الكافرين ، ومدح المؤمنين . أى ذلك الذين حكمنا به من ضلال أعمال الكافرين ، ومن إصلاح بال المؤمنين ، سببه أن الذين كفروا اتبعوا فى دنياهم الطريق الباطل الذى لا خير فيه ولا فلاح . وأن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحاة فى دنياهم ، اتبعوا طريق الحق الكائن من ربهم . فالمراد بالباطل هنا . الكفر وما يتبعه من أعمال قبيحة ، والمراد بالحق الإِيمان والعمل الصالح . وقوله { ذَلِكَ } مبتدأ ، وخبره ما بعده . وقوله { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } أى مثل ذلك البيان الرائع الحكيم ، يبين الله - تعالى - للناس أحوال الفريقين ، وأوصافهما الجارية فى الغرابة مجرى الأمثال ، وهى اتباعُ المؤمنين الحقَّ وفوزُهم ، واتباعُ الكافرين الباطلَ وخسرانُهم . قال صاحب الكشاف فإن قلت أين ضرب الأمثال ؟ قلت فى جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار ، واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين ، أو فى أن جعل الإِضلال مثلا لخيبة الكفار ، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين " . ثم أرشد الله - تعالى - المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند لقائهم لأعدائهم ، وبعد انتصارهم عليهم ، كما بين لهم الحكمة من مشروعية القتال . والجزاء الحسن الذى أعده للمجاهدين ، فقال - تعالى - { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ … عَرَّفَهَا لَهُمْ } .