Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-10)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد ذكروا فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها ما رواه الإِمام أحمد عن أنس قال قيل للنبى - صلى الله عليه وسلم - لو أتيت عبد الله بن أبى ؟ فانطلق إليه النبى - صلى الله عليه وسلم وركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهى أرض سبخة ، فلما انطلق إليه - عليه الصلاة والسلام - قال إليكم عنى ، فوالله لقد آذانى ريح حمارك . فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك . قال فغضب لعبد الله رجال من قومه ، وغضب للأنصارى أصحابه . قال فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى … فبلغنا أنه أنزلت فيهم { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ … } . والخطاب فى الآية لأول الأمر من المسلمين ، والأمر فى قوله { فَأَصْلِحُواْ } للوجوب ، والطائفة الجماعة من الناس . أى وإن حدث قتال بين طائفتين من المؤمنين ، فعليكم يا أولى الأمر من المؤمنين أن تتدخلوا بينهما بالإِصلاح ، عن طريق بذل النصح ، وإزالة أسباب الخلاف . والتعبير " بإن " للإِشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين ، فإن وقع على سبيل الندرة ، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته . وجاء " إقتتلوا " بلفظ الجمع ، لأن لفظ الطائفة وإن كان مفردا فى اللفظ إلا أنه جمع فى المعنى ، فروعى فيه المعنى هنا . وروعى فيه اللفظ فى قوله { بَيْنَهُمَا } . قالوا والنكنة فى ذلك أنهم فى حال القتال يكونون مختلطين فلذا جاء الأسلوب بصيغة الجمع ، وفى حال الصلح يكونون متميزين متفرقين فلذا جاء الأسلوب بصيغة التثنية . ثم بين - سبحانه - حكمه فى حال اعتداء إحداهما على الأخرى فقال { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } . والبغى التعدى وتجاوز الحد والامتناع عن قبول الصلح المؤدى إلى الصواب . أى فإن بغت إحدى الطائفتين على الأخرى ، وتجاوزت حدود العدل والحق ، فقاتلوا - أيها المؤمنون - الفئة الباغية ، حتى تفئ وترجع إلى حكم الله - تعالى - وأمره ، وحتى تقبل الصلح الذى أمرناكم بأن تقيموه بينهم . وقوله { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ } بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه مع الفئة الباغية ، إذا ما قبلت الصلح ورجعت إلى حكم الله - تعالى - . أى فإن رجعت الفئة الباغية عن بغيها ، وقبلت الصلح ، وأقلعت عن القتال ، فأصلحوا بين الطائفتين إصلاحا متسما بالعدل التام وبالقسط الكامل . وقيد - سبحانه - الإِصلاح بالعدل . ثم أكد ذلك بالأمر بالقسط حتى يلتزم الذين يقومون بالصلح بينهما العدالة التى لا يشوبها أى حيف أو جور على إحدى الطائفتين . وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } تذييل المقصود به حض المؤمنين على التقيد بالعدل فى أحكامهم ، لأن الله - تعالى - يحب من يفعل ذلك . وقوله { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ … } استئناف مقرر لمضمون ما قبله من الأمر بوجوب الإِصلاح بين المتخاصمين . أى إنما المؤمنون إخوة فى الدين والعقيدة ، فهم يجمعهم أصل واحد وهو الإِيمان ، كما يجمع الإِخوة أصل واحد وهو النسب ، وكما ان أخوة النسب داعية إلى التواصل والتراحم والتناصر فى جلب الخير ، ودفع الشر ، فكذلك الأخوة فى الدين تدعوكم إلى التعاطف والتصالح ، وإلى تقوى الله وخشيته ، ومتى تصالحتم واتقيتم الله - تعالى - كنتم أهلا لرحمته ومثوبته . قال صاحب الكشاف فإن قلت فلم خص الإِثنان بالذكر دون الجمع فى قوله فأصلحوا بين أخويكم - ؟ قلت لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان ، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل ، كانت بين الأكثر ألزم ، لأن الفساد فى شقاق الجمع أكثر منه فى شقاق الاثنين . هذا ، وقد أخذ العلماء من هاتين الآيتين جملة من الأحكام منها أن الأصل فى العلاقة بين المؤمنين أن تقوم على التواصل والتراحم ، لا على التنازع والتخاصم ، وأنه إذا حدث نزاع بين طائفتين من المؤمنين ، فعلى بقية المؤمنين أن يقوموا بواجب الإِصلاح بينهما حتى يرجعا إلى حكم الله - تعالى - . قال الشوكانى إذا تقاتل فريقان من المسلمين ، فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم ، ويدعوهم إلى حكم الله فإن حصل بعد ذلك التعدى من إحدى الطائفتين على الأخرى ، ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه ، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية ، حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه ، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها ، وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه ، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين فى الحكم ، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله ، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة ، حتى تخرج من الظلم ، وتؤدى ما يجب عليها نحو الأخرى . ثم وجه - سبحانه - إلى المؤمنين نداء رابعا ، نهاهم فيه عن أن يسخر بعضهم من بعض ، أو أن يعيب بعضهم بعضا فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ … فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } .