Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 19-19)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود يا معشر اليهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله . لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته . فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا ما قلنا هذا لكم ، وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده ، فأنزل الله فى قولهما قوله { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } الآية . وقوله { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى على انقطاع من الرسل ، إذ الفترة هى الزمن بين زمنين ، ويكون فيها سكون عما يكون فى هذين الزمنين . قال الراغب الفتور سكون بعد حدة ، ولين بعد شدة ، وضعف بعد قوة . قال - تعالى { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى سكون خال عن مجىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله { يُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } أى لا يسكنون عن نشاطهم فى العادة " . فأصل الفتور السكون والانقطاع . يقال فتر عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد والنشاط . والمعنى يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، يا من أنزل الله - تعالى - الكتب السماوية على أنبيائكم لهدايتكم وسعادتكم ، ها هو ذا رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد جاءكم لكى يبين لكم شرائع الدين ، والطريق الحق الذى يوصلكم إلى السعادة الدينية والدنيوية ، وذلك بعد انقطاع من الرسل ، وطموس من السبل ، وضلال فى العقائد ، وفساد فى الأفكار والمعاملات . قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه قوله - تعالى - { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى بعد مدة متطاولة ما بين إرساله صلى الله عليه وسلم وبين عيسى ابن مريم . وقد اختلفوا فى مقدار هذه الفترة كم هى ؟ فعن قتادة خمسمائة وستون سنة . وكانت هذه الفترة بين عيسى ابن مريم - آخر أنبياء بنى إسرائيل - وبين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين من بنى آدم على الإِطلاق ، كما ثبت فى " صحيح البخارى " عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا أولى الناس بابن مريم ليس بينى وبينه نبى " وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبى يقال له خالد بن سنان . والمقصود من هذه الآية ، أن الله - تعالى - بعث محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وتغير الأديان ، وكثرة عُبَّاد الأوثان والنيران والصلبان ، فكانت النعمة به أتم النعم . وفى ندائه - سبحانه - لليهود والنصارى بقوله { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } تنبيه لهم إلى أن مصاحبتهم للكتاب وكونهم أهل معرفة ، يوجبان عليهم المبادرة إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بشرت بمبعثه كتبهم التى بين أيديهم ، والذى يعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم . وإلا فسيكون عقابهم أشد إذا استمروا فى كفرهم وضلالهم . وعبر - سبحانه - بقوله { قَدْ جَآءَكُمْ } للإِبذان بأنه صلى الله عليه وسلم قد أصبح بينهم ، بحيث يشاهدهم ويشاهدونه ، ويسمع منهم ويسمعون منه ، وأنه قد صار من اللازم عليهم اتباعه ، لأن الشواهد قد قامت على صدقه فيما يبلغه عن ربه . وأضاف - سبحانه - الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذاته فقال { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } لتشريفه صلى الله عليه وسلم وتكريمه ، وللإِشارة إلى قدسية هذه الرسالة وسمو منزلتها ، وأنها لا تسوغ مخالفة من أتى بها ، ولا يصح الخروج عن طاعته ، لأنه رسول من عند الله - تعالى - الذى له الخلق والأمر . ومفعول يبين محذوف . أى يبين لكم الشرائع والأحكام ، وما أمرتم به ، وما نهيتم عنه ، وحذف هذا المفعول اعتماداً على ظهوره ، إذ من المعلوم أن ما يبينه الرسول هو الشرائع والأحكام . وقوله { عَلَىٰ فَتْرَةٍ } متعلق بقوله جاءكم على الظرفية ، وقوله { مَّنَ ٱلرُّسُلِ } متعلق بمحذوف صفة لفترة . أى قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم على حين فتور من الإِرسال وانقطاع الوحى ، ومزيد من الاحتياج إلى البيان . والتعبير بقوله - تعالى - { عَلَىٰ فَتْرَةٍ } فيه معنى فوقية الرسالة على الفترة ، وعلوها عليها كعلو البيان على الجهل ، والنور على الظلمة ، فمن الواجب عليهم أن يسارعوا إلى اتباع الرسول الذى جاءهم بالحق ، وإلا كانوا ممن يرتضى لنفسه الانحدار من الأعلى إلى الأدنى ، ومن العلم إلى الجهل ، ومن الهدى إلى الضلال . وقوله - تعالى - { أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } جملة تعليلية المقصود بها قطع معاذيرهم إذا احتجوا بالجهل وعدم معرفتهم لأوامر الله ونواهيه . والمراد بالبشير المبشر الذى يبشر أهل الحق والطاعة بالخير والسعادة . والمراد بالنذير المنذر الذى ينذر أهل الباطل والضلال بسوء المصير . والمعنى لقد جاءكم يا معشر أهل الكتاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبين لكم شرائع الله بعد فترة متطاولة من انقطاع الرسل ، لكى لا تقولوا على سبيل المعذرة يوم الحساب ، ما جاءنا من بشير يبشرنا بالخير عند الطاعة ، ولا نذير ينذرنا بسوء العاقبة عند المعصية . و من فى قوله { مِن بَشِيرٍ } لتأكيد نفى المجىء . والتنكير فى قوله { بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } للتقليل ، أى ما جاءنا أى بشير ولو كان صغيرا ، وما جاءنا أى نذير ولو كان ضئيلا . وهنا يسوق الله - تعالى - ما يبطل معاذيرهم ، بإثبات أن البشير والنذير قد جاءهم فقال - تعالى - { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } . والفاء هنا للافصاح عن كلام مقدر قبلها . والتقدير . لا تعتذروا بقولكم ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فقد جاءكم رسولنا الذى يبشركم بالخير إن آمنتم وينذركم بسوء المصير إذا ما بقيتم على كفركم . والتنكير هنا فى قوله { بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } للتعظيم من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى هو خاتم النبيين ، والذى أرسله الله - تعالى - رحمة للعالمين . وقوله { بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } وإن كانا وصفين للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن ثانيهما قد عطف على أولهما لتغايرهما فى المعنى ، لأن التبشير عمل يختلف عن الإِنذار ، وكلاهما من وظائف النبوة . وقوله - تعالى - { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تذييل قصد به شمول قدرة الله وأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء . أى والله على كل شىء قدير ، فلا يعجزه أن يرسل رسله تترى ، كما لا يعجزه أيضا أن يرسلهم على فترات متباعدة . وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت سمو الرسالة المحمدية وعظمتها ، وأنها جاءت والناس فى أشد الحاجة إليها ، وأنه لا عذر لأهل الكتاب فى عدم الاستجابة لها بعد أن بلغتهم ، وبشرتهم بالخير إن آمنوا وأطاعوا ، وبالعذاب الأليم إن استمروا على كفرهم وضلالهم . وبعد أن بين - سبحانه - جانبا من رذائل أهل الكتاب ، ومن أقوالهم الباطلة فى حق الرسول الذى أرسله الله - تعالى - لهدايتهم وسعادتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان . بعد كل ذلك ساق - سبحانه - جانبا مما حدث بين موسى - عليه السلام - وبين قومه بنى إسرائيل ، ومما لقيه منه من سفاهة وجبن وتخاذل وعصيان . إذ فى ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما شاهده منهم من عناد وجحود . استمع إلى القرآن وهو يحكى بعض قصص بنى إسرائيل مع نبيه موسى فيقول { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ … }