Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 54-56)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - { مَن يَرْتَدَّ } من الارتداد . ومعناه الرجوع إلى الخلف ومنه قوله - تعالى - { رُدُّوهَا عَلَيَّ } أى ارجعوها على . وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } والمراد بالارتداد هنا الرجوع عن دين الإِسلام إلى الكفر والضلال ، والخروج من الحق الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الأباطيل والأكاذيب . قالوا وفى هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن من الذين دخلوا فى الإِسلام من سيرتد عنه إلى غيره من الكفر والضلال ، وقد كان الأمر كما أشارت الآية الكريمة فقد ارتد عن الإِسلام بعض القبائل كقبيلة بنى حنيفة - قوم مسيلمة الكذاب - وقبيلة بنى أسد ، وقبيلة بنى مدلج وغيرهم . وقد تصدى سيدنا أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين الصادقين للمرتدين فكسروا شوكة الردة ، وأعادوا لكلمة الإِسلام هيبتها وقوتها . قال الآلوسى ما ملخصه هذه الآية من الكائنات التى أخبر عنها القرآن قبل وقوعها - وقد وقع المخبر به على وفقها فيكون معجزاً - فقد روى أنه ارتد عن الإِسلام إحدى عشرة فرقة . ثلاث فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم " بنو مدلج ، ورئيسهم الأسود العنسى و " بنو حنيفة " قوم مسيلمة الكذاب و " بنو أسد " قوم طليحة بن خويلد الأسدى . وسبع فى عهد أبى بكر وهم فزارة ، وغطفان ، وبنو سليم ، وبنو يربوع ، وبعض بنى تميم ، وكنده ، وبنو بكر ابن وائل . وارتدت فرقة واحدة فى عهد عمر وهى قبيلة " غسان قوم جبلة بن الأيهم " . والمعنى يا أيها الذين آمنوا لا يتخد أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيراً لأن ولايتهم تفضى إلى مضرتكم وخسرانكم . بل وإلى ردتكم عن الحق الذى آمنتم به ، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا ، لأنه - سبحانه - سوف يأتى بقوم آخرين مخلصين له ، ومطيعين لأوامره ، ومستجيبين لتعاليمه . بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم ، وكفروا بعد إيمانهم . قال - تعالى - { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } ولفظ { فسوف } جىء به هنا لتأكيد وقوع الأمر فى المستقبل ، إذا ما ارتد بعض الناس على أدبارهم . وقد وصف الله - تعالى - أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة ، والسجايا الكريمة . وصفهم - أولا - بقوله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } . ومحبة الله - تعالى - للمؤمنين هى أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها ، ويرجون حصولها ودوامها . وهى - كما يقول الآلوسى - محبة تليق بشأنه على المعنى الذى أراده . ومن علاماتها أن يوفقهم - سبحانه - لطاعته ، وأن ييسر لهم الخير فى كل شئونهم . ومحبة المؤمنين لله - تعالى - معناها التوجه إليه وحده بالعبادة ، واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاء به ، والاستجابة لتعاليمه برغبة وشوق . وقوله { يحبهم } جملة فى محل جر صفة لقوم . وقوله " يحبونه " معطوف على { يحبهم } . وقدم - سبحانه - محبته لهم على محبتهم له ، لشرفها وسبقها ، إذ لولا محبته لهم لما وصلوا إلى طاعته . وصفهم - ثانياً - بقوله { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . وقوله { أذلة } جمع ذليل ، من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره ، وليس المراد بكونهم أذلة أنهم مهانون ، بل المراد المبالغة فى وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين . وقوله { أعزة } جمع عزيز وهو المتصف بالعزة بمعنى القوة والامتناع عن أن يغلب أو يقهر ومن قوله - تعالى - { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } أى غلبنى فى الخطاب . والمعنى إن من صفات هؤلاء القوم الذين يأتى الله بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، أنهم أرقاء على المؤمنين ، عاطفون عليهم متواضعون لهم ، تفيض قلوبهم حنوا وشفقة بهم . وأنهم فى الوقت نفسه أشداء على الكافرين ، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب ، لا نظرة الضعيف الخانع . وهذه - كما يقوال ابن كثير - صفات المؤمنين الكمل . أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه ، متعززاً على خصمه وعدوه كما قال - تعالى - { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ومن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم " أنه الضحوك القتال " فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه " . وقال صاحب الكشاف فإن قلت هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع . والثانى أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين - خافضون لهم أجنحتهم . وقال الطيبى إن قوله - تعالى - { أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } جىء به للتكميل ، لأنه لما وصفهم قبل ذلك بالتذلل ، ربما يتوهم أحد أنهم أذلاء محقرون فى أنفسهم فدفع ذلك الوهم بأنهم مع ذلتهم على المؤمنين أعزة على الكافرين على حد قول القائل @ جلوس في مجالسهم رزان وإن ضيم ألم بهم خفاف @@ ثم وصفهم - ثالثا - بقوله { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } وقوله { يُجَاهِدُونَ } من المجاهدة وهى بذل الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى المقصد الذى يسعى إليه الساعى . وقوله { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى فى سبيل إعلاء دين الله ، وإعزاز كلمته وليس فى سبيل الهوى أو الشيطان . واللومة هى المرة الواحدة من اللوم . وهو بمعنى اعتراض المعترضين ، ومخالفة المخالفين وعدم رضاهم عن هؤلاء القوم . والمعنى أن من صفات هؤلاء القوم - أيضا - أنهم يبذلون أقصى جهدهم فى سبيل إعلاء كلمة الله والعمل على مرضاته ، وأنهم فى جهادهم وجهرهم بكلمة الحق ، وحرصهم على ما يرضيه - سبحانه - لا يخافون لوما قط من أى لائم كائنا من كان . لأن خشيتهم ليست إلا من الله وحده . وعبر - سبحانه - بلومة - بصيغة الإِفراد والتنكير ، للمبالغة فى نفى الخوف عنهم سواء أصدر اللوم لهم من كبير أم من صغير ، وسواء أكانت اللومة شديدة أم رفيقة … فهم - كما يقول الزمخشرى - صلاب فى دينهم ، إذا شرعوا فى أمر من أمور الدين لإِنكار منكر أو أمر بمعروف - مضوا فيه كالمسامير المحماة ، لا يرعبهم قول قائل ، ولا اعتراض معترض ، ولا لومة لائم ، والجملة على هذه معطوفة على { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . ويحتمل أن تكون الواو للحال . أى أنهم يجاهدون وحالهم فى المجاهدة خلاف حال المنافقين الذين كانوا إذا خرجوا فى جيش المؤمنين خافوا أولياؤهم اليهود ، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم ، وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم " . وقد ذكر المفسرون أقوالا متعددة فى المراد بهؤلاء القوم الذين وصفهم الله - تعالى - بتلك الصفات الكريمة ، والذين يأتى بهم بدل أولئك الذين يرتدون على أعقابهم . قال بعضهم المراد بهم أبو بكر ومن معه من المؤمنين الذين قاتلوا المرتدين . وقال آخرون المراد بهم الأنصار الذين نصروا النبى - صلى الله عليه وسلم - وأيدوه . وقال مجاهد المراد بهم أهل اليمن … وقيل غير ذلك . والذى نراه أنهم قوم ليسوا مخصوصين بزمن معين أو بلد معين ، أو أشخاص معينين ، وإنما هم كل من تنطبق عليهم هذه الصفات الجليلة . فكل من أحب الله وأحبه الله ، وتواضع للمؤمنين وأغلظ على الكافرين . وجاهد فى سبيل الله دون أن يخشى أحدا سواه فهو منهم ، أما ذواتهم فيعلمها الله وحده ، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فى بيان المراد بهؤلاء القوم . واسم الإِشارة فى قوله { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } يعود على ما تقدم ذكره من أوصاف القوم . أى ذلك الذى أعطيناه لهم من صفات كريمة فضل الله وإحسانه ، يؤتيه من يشاء إيتاءه من عباده ، والله - تعالى - واسع الفضل والجود والعطاء ، عليم بأحوال خلقه ، لا تخفى عليه خافية من شئونهم . هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب المجاهدة فى سبيل إعلاء كلمة الله عن طريق قتال أعدائه - سبحانه - أو عن طريق الجهر بكلمة الحق ، أو عن طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل - دون أن يخاف المجاهد لومة لائم . ولقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث فى هذا المعنى ومن ذلك ما رواه الإِمام أحمد عن أبى ذر " أمرنى خليلى صلى الله عليه وسلم بسبع أمرنى بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرنى أن أنظر إلى من هو دونى ولا أنظر إلى من هو فوقى ، وأمرنى أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرنى أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرنى أن أقول الحق وإن كان مراً ، وأمرنى أن لا أخاف فى الله لومة لائم ، وأمرنى أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن كنز تحت العرش " . وعن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده . فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم " . وعنه - أيضاً - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحقرن أحدكم نفسه قالوا وكيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه . فيقال له يوم القيامة . ما منعك أن تكون قلت فى كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس . فيقول إياى أحق أن تخاف " . وهناك أحاديث أخرى فى هذا المعنى سوى التى ذكرها الإِمام ابن كثير ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فى المنشط والمنكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله . وأن نقول بالحق حيثما كنا . لا نخاف فى الله لومة لائم " . ثم بين - سبحانه - من تجب موالاتهم ، بعد النهى عن تولى من تجب معاداتهم فقال { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } . أى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ } المفيض عليكم كل خير ، والمرجو وحده فى الشدائد والكروب { وَرَسُولُهُ } الذى أخرجكم - بإذنه تعالى - من ظلمات الكفر إلى نور التوحيد . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الذين هم منكم وأنتم منهم والذين { يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } فى مواقيتها بخشوع وإخلاص { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } لمستحقيها بسماحة وطيب نفس { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أى خاشعون متواضعون لله ، وليسوا مرائين أو منانين . وقوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ } جملة من مبتدأ وخبر . وقوله { وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معطوف على الخبر . قال صاحب الكشاف ومعنى { إنما } وجوب اختصاصهم بالمولاة . فإن قلت قد ذكرت - الآية - جماعة فهلا قيل إنما أولياؤكم ؟ قلت أصل الكلام إنما وليكم الله ، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ، ثم نظم فى سلك إثباتها له ، إثباتها لرسوله وللمؤمنين على سبيل التبع . ولو قيل إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا ، لم يكن فى الكلام أصل وتبع . والمراد بالذين آمنوا عامة المؤمنين وليس فردا معينا منهم . قال - تعالى - { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وما ورد من آثار تفيد أن المراد بالذين آمنوا شخصا معينا وهو على بن أبى طالب - رضى الله عنه - لا يعتمد عليها ، لأنهما كما يقول ابن كثير - " لم يصح شىء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها " . وقد توسع الإِمام الرازى فى الرد على الشيعة الذين وضعوا هذه الآثار فارجع إليه إن شئت . وقوله { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } بدل من الذين آمنوا . وهما وصفان لهما ساقهما - سبحانه - على سبيل الثناء عليهم والمدح لهم . وقوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } حال من فاعل الفعلين - يقيمون ويؤتون - . أى يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون خاضعون لله - تعالى - إذ الركوع قد يطلق بمعنى الخضوع لله - تعالى - قال الراغب الركوع الانحناء وتارة يستعمل فى الهيئة المخصوصة فى الصلاة ، وتارة يستعمل في التذلل والتواضع إما فى العبادة وإما فى غيرها " . ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة الذين يوالون الله ورسوله والمؤمنين فقال { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } . والحزب معناه الجمع من الناس يجتمعون على رأى واحد من أجل أمر حَزَبهم أى أهمهم وشغلهم . والمعنى { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ } - تعالى - بأن يطيعه ويتوكل عليه ، ويتول { رسوله } بأن يتبعه ويتأسى به ، ويتول { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بأن يناصرهم ويشد أزرهم ويتعاون معهم على البر والتقوى ، من يفعل ذلك لا شك فى حسن عاقبته وظفره بالفلاح والنصر { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } لغيرهم من الأحزاب الأخرى التى استحوذ عليها الشيطان . و { من } فى قوله { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ } شرطية ، وقوله { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } دليل على جواب الشرط . أى ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا يكن من حزب الله المنتصر القوى ، فإن حزب الله هم الغالبون . وقال - سبحانه - فإن حزب الله ، ولم يقل حزب الله ورسوله ، للإِشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلا بأمر من الله - تعالى - وإنه صلى الله عليه وسلم لا يستمد العون والنصرة إلا منه - سبحانه - . وقال بعض العلماء وقوله - تعالى - { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُون } معناه فإنهم الغالبون . فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى { من } دلالة على علة الغلبة . وهو أنهم حزب الله . فكأنه قيل ومن يتول هؤلاء فهو حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون . تنويها بذكرهم ، وتعظيما لشأنهم ، وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا لمن يوالى غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان " . وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين نهيا شديدا عن موالاة أعداء الله ، لأن موالاتهم قد تجر إلى الارتداد عن الدين الحق ، ومن يرتد عن الدين الحق فلن يضر الله شيئاً ، لأنه سبحانه - قادر على أن يأتى بقوم آخرين صادقين فى إيمانهم بدل أولئك الذين ارتدوا على أعقابهم . كما نراها قد أرشدت المؤمنين إلى من تجب موالاتهم ، وبشرتهم بالفلاح والنصر متى جعلوا ولايتهم لله ولرسوله ولإِخوانهم فى العقيدة والدين . ثم كرر - سبحانه - نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأعدائهم الذين استخفوا بتعاليم الإِسلام ، وشعائر دينه فقال - تعالى - { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ … }