Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 57-58)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الآلوسى أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث قد أظهرا الإِسلام ونافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما . فأنزل الله - تعالى - { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ } … الآية . والدين هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة . فهو عنوان عقل المتدين ، ورائد آماله ، وباعث أعماله . والذى يتخذ دين امرئ هزوا ولعبا ، فقد اتخذ ذلك المتدين بهذا الدين هزوا ولعبا . وقوله { هزوا } أى سخرية يقال فلان هزئ من فلان إذا سخر منه ، واستخف به . وأصله هزءاً ، فأبدلت الهمزة واوا لضم ما قبلها . وقوله { لعبا } أى ملهاة وعبثا . وأصله من لعاب الطفل . يقال عن الطفل لعب - بفتح العين - إذا سال لعابه . والمعنى يأيها الذين اتصفوا بالإِيمان { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ } الذى هو سر سعادتكم وعزتكم { هُزُواً وَلَعِباً } أى اتخذوه مادة لسخريتهم وتهكمهم ، وموضعا لعبثهم ولهوهم . و { من } فى قوله { مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ } بيانية . أى مبينة لأولئك الذين يستهزئون بدين الله ويجعلونه موضع عبثهم . والمراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى . وسموا بذلك لأن أصل شرعهم ينتمى إلى كتاب منزل هو التوراة والإِنجيل . وفى وصفهم بذلك هنا ، توبيخ لهم ، حيث إنهم استهزؤوا بالدين الحق ، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك . والمراد بالكفار هنا المشركون الذين لا كتاب لهم . وقرأ الجمهور { وَٱلْكُفَّارَ } بالنصب عطفا على { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ } المبين بقوله { مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } . وقرأ أبو عمرو والكسائى { الكفار } بالجر عطفا على { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } . وقوله { أَوْلِيَآءَ } أى نصراء وأصفاء . وهو المفعول الثانى لقوله { لاَ تَتَّخِذُواْ } والآية الكريمة تنهى المؤمنين عن ولاية كل عدو لله - تعالى - ولهم سواء أكان هذا العدو من أهل الكتاب أم من المشركين لأن الجميع يشتركون فى الاستهزاء بتعاليم الإِسلام ، وفى العبث بشعائره . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } تذييل قصد به استنهاض همتهم لامتثال أمر الله - تعالى - وإلهاب نفوسهم حتى يتركوا موالاة أعدائهم بسرعة ونشاط . أى واتقوا الله فى سائر ما أمركم به وما نهاكم عنه ، فلا تضعوا موالاتكم فى غير موضعها ، ولا تخالفوا لله أمراً . إن كنتم مؤمنين حقا ، ممتثلين صدقا ، فإن وصفكم بالإِيمان يحتم عليكم الطاعة التامة لله رب العالمين . ثم ذكر - سبحانه - بعض مظاهر استهزاء أولئك الضالين بالدين وشعائره ، فقال - تعالى - { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } . والمراد بالنداء للصلاة الإِعلام بها عن طريق الأذن . قال القرطبى كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود قاموا لا قاموا ، وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا . وقالوا فى حق الأذان لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم . فمن أين لك صياح مثل صياح العير ؟ فما أقبحه من صوت ، وما أسمحه من أمر . وروى ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدى فى قوله { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } قال كان رجل من النصارى بالمدينة ، إذا سمع المنادى ينادى أشهد أن محمدا رسول الله . قال حرق الكاذب . فدخل خادمه ليلا من الليالى بنار ، وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت . فاحترق هو وأهله " . وقيل كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيرا للناس منها . أى وإذا ناديتم - أيها المؤمنون - بعضكم بعضا إلى الصلاة عن طريق الأذان ، اتخذ هؤلاء الضالون الصلاة والمناداة بها موضعا لسخريتهم وعبثهم وتهكمهم . واسم الإِشارة فى قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } يعود إلى ما كان منهم من استهزاء وسخرية . أى ذلك الذى صدر عنهم من استهزاء وعبث سببه أنهم قوم سفهاء جهلاء ، لا يدركون الأمور على وجهها الصحيح ، ولا يستجيبون للحق الذى ظهر لهم بسبب عنادهم وأحقادهم . قال ابن كثير هذا تنفير من موالاة أعداء الإِسلام من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهى شرائع الإِسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دينوى وأخروى ، يتخذونها هزوا يستهزئون بها ، ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب فى نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد ، كما قال القائل . @ وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم @@ وبعد أن حذر - سبحانه - المؤمنين تحذيرا شديدا من موالاة أعدائه . عقب ذلك بتوبيخ أهل الكتاب على عنادهم وحسدهم ، ووصفهم بجملة من الصفات القبيحة التى ينأى عنها العقلاء وأصحاب المروءة فقال - تعالى - { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ … }