Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 65-66)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } من اليهود والنصارى { آمَنُواْ } برسول الله - صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من حق ونور { وَٱتَّقَوْاْ } الله - تعالى - بأن صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه . لو أنهم فعلوا ذلك { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } بأن رفعنا عنهم العقاب وسترنا عليهم معاصيهم فلم نحاسبهم عليها ، { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } فى الآخرة . قال الفخر الرازى واعلم أنه - سبحانه - لما بالغ فى ذمهم وفى تهجين طريقتهم عقب ذلك ببيان أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا . أما سعادات الآخرة فهى محصورة فى نوعين أحدهما رفع العقاب . والثانى إيصال الثواب . أما رفع العقاب فهو المراد بقوله { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } وأما إيصال التواب فهو المراد بقوله { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } . وأما سعادات الدنيا فقد ذكرها فى قوله بعد ذلك { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } . وكرر - سبحانه - اللام فى قوله { لَكَفَّرْنَا } . { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ } لتأكيد الوعد . وفيه تنبيه إلى كثرة ذنوبهم ومعاصيهم وإلى أن الإِسلام يجب ما قبله من ذنوب مهما كثرت . وفى إضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا . وجمع - سبحانه - بين الإِيمان والتقوى ، للإِيذان بأن الإِيمان الذى ينجى صاحبه ، ويرفع درجاته ، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله ، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإِيمان وهو منهم برئ . والضمير فى قوله { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإِيمان ليدخلوا فيه كى ينالوا رضاه . والمراد بإقامة التوراة والإِنجيل العمل بما فيهما من بشارات بصدق النبى صلى الله عليه وسلم وحضهم على الإِيمان به عند ظهوره وتنفيذ ما اشتملا عليه من أحكام أيدتها تعاليم الإِسلام ، وأصل الإِقامة الثبات فى المكان . ثم استعير فى إقامة الشىء لتوفية حقه . والمراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم ، لأنهم مخاطبون به ، وليسوا خارجين عن دائرة التكاليف التى دعا إليها . قال - تعالى - { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } أى لأنذركم به يا أهل مكة ، ولأنذر به أيضاً جميع من بلغه هذا الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم . وقيل المراد بما أنزل إليهم من ربهم . وكتب أنبيائهم السابقين مثل كتاب شعياء ، وكتاب حزقيل ، وكتاب دانيال . فإنها مشتملة أيضاً على البشارة بالنبى صلى الله عليه وسلم . والمراد بقوله { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } المبالغة فى شرح ما ينعم الله به عليهم من خيرات وأرزاق تعمهم من كل جهة من الجهات لا أن هناك فوقا وتحتا . أى لأكلوا أكلا متصلا وفيراً ، ولعمهم الخير والرزق من كل جهة بأن تعطيهم السماء مطرها وبركتها ، وتعطيهم الأرض نباتها وخيرها ، فيعيشوا فى رغد من العيش وفى بسطة من الرزق . وفى ذلك دلالة على أن الاستقامة على شرع الله ، تأتى بالرزق الرغيد ، ولقد أشار القرآن إلى هذا المعنى فى آيات كثيرة ومن ذلك قوله - تعالى - { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } وقال - تعالى - حكاية عن هود أنه قال لقومه { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } والمعنى { وَلَوْ أَنَّهُمْ } أى اليهود والنصارى { أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } بأن عملوا بما فيهما من أقوال تدعوهم إلى الإِيمان بالدين الحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتركوا تحريف الكلم عن مواضعه . ولو أنهم - أيضاً آمنوا بما { أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ } من قرآن مجيد فيه هدايتهم وسعادتهم لو أنهم فعلوا ذلك لأتاهم الرزق الواسع من كل ناحية ولعمهم الخير من كل جهة ، ولعاشوا آمنين مطمئنين . والمراد بالأكل الانتفاع مطلقاً ، وعبر عن ذلك به لكونه أعظم الانتفاعات ويستتبع سائرها . ومفعول " أكلوا " محذوف لقصد التعميم . أو القصد إلى نفس الفعل كما فى قولهم فلان يعطى ويمنع . وقوله { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } مدح للقلة التى تستحق المدح من أهل الكتاب " وذم للكثيرين منهم الذين قبح عملهم وفسدت نفوسهم . والأمة الجماعة من الناس الذين يجمعهم دين واحد . أو جنس واحد . أو مكان واحد . ومقتصدة من الاقتصاد وهو الاعتدال فى كل شىء والمراد به هنا السير على الطريق المستقيم الذى يوصل إلى الحق والخير ، وهو طريق الإِسلام . والمعنى من أهل الكتاب جماعة مستقيمة على طريق الحق ، وهم قلة آمنت بالنبى - صلى الله عليه وسلم إلى جوار هذه الجماعة القليلة المستقيمة عدد كبير من أهل الكتاب ساء عملهم ، وأعوج سلوكهم ، وكان من حالهم ما يثير العجب والدهشة . والمراد بهذه الأمة المقتصدة من أهل الكتاب من دخل منهم فى الإِسلام واتبع ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم . وبذلك نرى هاتين الآيتين قد بشرت أهل الكتاب بالسعادة الدنيوية والأخروية متى آمنوا بالله تعالى - واتبعوا ما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . وبعد أن حكى الله - تعالى - فى الآيات السابقة ما كان عليه أعداء الإِسلام - وخصوصاً اليهود - من محاولات لفتنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن دسائس حاكوها لعرقلة سير الدعوة الإِسلامية ، ومن استهزاء بتعاليم الإِسلام ومن حقد على المؤمنين لإِيمانهم برسل الله وكتبه ومن سوء أدب مع خالقهم ورازقهم . بعد أن حكى - سبحانه - كل ذلك ، أتبعه بتوجيه نداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أمره فيه بأن يمضى فى تبليغ رسالته إلى الناس دون أن يلتفت إلى مكر الماكرين ، أو حقد الحاقدين . فإنه - سبحانه - قد حماه وعصمه منهم فقال { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ … }