Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-94)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى هذه الآية - كما خرج ابن أبى حاتم عن مقاتل بن حيان - نزلت فى عمرة الحديبية ، حيث ابتلاهم الله - تعالى - بالصيد وهم محرمون ، فكانت الوحوش تغشاهم فى رحالهم ، وكانوا متمكنين من صيدها أخذاً بأيديهم وطعنا برماحهم فهموا بأخذها فنزلت . وقوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } أى ليخبرنكم وليمتحننكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان . ولفظ الصيد فى قوله { مِّنَ ٱلصَّيْدِ } مصدر بمعنى المصيد أى ما يصطادونه . والمعنى يا أيها الذين آمنوا ليختبرن الله - سبحانه - إيمانكم ومبلغ قوته بأن يرسل إليكم وأنتم محرمون شيئًا من الصيد الذى تحبونه ، بحيث يكون فى متناول أيديكم ورماحكم . وقوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } جواب قسم محذوف والتقدير والله ليعاملنكم سبحانه معاملة المختبر ليتبين المطيع من العاصى . وأكد سبحانه - هذا الخبر بلام القسم ونون التوكيد للإِشارة إلى أهمية هذا الاختبار حتى يسارعوا إلى طاعته - سبحانه - وامتثال أمره . والتنوين فى قوله { بشيء } للتقليل والتحقير . وإنما امتحنوا بهذا الشىء الصغير ، تنبيها إلى أن من لم يثبت ويعصم نفسه عن ارتكاب هذه الأشياء الصغيرة فإنه لن يثبت أمام التكاليف الكبيرة . ويمكن أن يقال ، إن التنوين هنا للتعظيم باعتبار الجزاء الأليم المترتب على الاعتداء على الصيد فى حال الإِحرام . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى التقليل والتصغير فى قوله بشىء من الصيد ؟ قلت قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التى تدحض عندها أقدام الثابتين - كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال - وإنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك ، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده فكيف شأنهم عند ما هو أشد منه " . وقوله { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } هو موضع الاختبار و { من } فى قوله { مِّنَ ٱلصَّيْدِ } لبيان الجنس . أو التبعيض ، لأن المراد صيد البر دون البحر ، وصيد الإحرام دون صيد الإِحلال . ومعنى { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } تستطيع أيدكم أن تأخذ هذا الصيد بسهولة ويسر إذا كان صغيرا وقريبا منكم ، وتستطيع رماحكم أن تناله إذا كان كبيراً أو بعيداً بعدا نسبيا منكم . وخص الأيدى والرماح بالذكر ، لأن معظم التصرفات التى تتعلق بالصيد تكون بالأيدى ، ولأن معظم الآلات التى تستعمل فى الصيد تكون الرماح . وقوله { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } تعليل قصد به بيان الحكمة من وراء الابتلاء والاختبار . والمراد بالعلم فى قوله { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ … } إظهار ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته ، حتى يتميز الخبيث من الطيب . والمعنى اختبرناكم أيها المؤمنون بنوع من البلايا - وهو تحريم صيد البر صغاراً وكباراً - وأنتم محرمون أو فى الحرم ، ليظهر ما علمه أزلا - سبحانه - من أهل طاعته ومعصيته ، وبذلك يتميز للناس الخبيث من الطيب ، ويعرف الشخص الذى يخاف الله ويراقبه - مع أنه لم ير الله - سبحانه - من الشخص الذى لا يخافه بالغيب . قال الجمل وقوله { بِٱلْغَيْبِ } حال من فاعل يخافه ، أى يخاف الله حالة كونه غائبا عن الله ومعنى كون العبد غائبا عن الله ، أنه لم ير الله تعالى . أو حال من المفعول أى يخاف الله حال كونه - تعالى - ملتبسا بالغيب عن العبد ، أى غير مرئى له . وقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بيان لسوء عاقبة المخالف لأوامر الله والمتجاوز لحدوده . واسم الإشارة { ذلك } يعود ما بينه - سبحانه - لعباده من أحكام . والمعنى لقد اختبرناكم - أيها المؤمنون - بما اختبرناكم به ، ليتميز قوى الإِيمان من ضعيفه ، فمن تعدى منكم حدود الله بعد هذا البيان والإِعلام ، فله عذاب شديد الآلام عظيم الإِهانة ، لأن التعدى بعد الإِنذار ، دليل على عدم المبالاة بأوامر الله ومن لم يبال بأوامر الله ساءت عاقبته . وقبح مصيره . هذا ، ولقد نجحت الأمة الإِسلامية وخصوصا سلفها الصالح فى هذا الاختبار فقد تجنب أبناؤها وهم محرمون أو فى الحرم مصيد البر مهما أغراهم قربه منهم ، وحبهم له على صيده والانتفاع به . بينما أخفق بنو إسرائيل فيما يشبه هذا الاختبار فقد نهاهم الله - تعالى - عن الصيد فى يوم السبت ، فكانت الأسماك تظهر لهم فى هذا اليوم امتحانا من الله لهم ، فما كان منهم إلا أن تحايلوا على صيدها ، بأن حبسوها فى يوم السبت ليصيدوها فى غيره … فاستحقوا من الله اللعنة والمسخ واستحقت الأمة الإِسلامية أن تكون خير أمة أخرجت للناس . ثم نهى - سبحانه - المؤمنين نهيا صريحا عن قتل الصيد وهم حرم وبين ما يجب على القاتل . وكرر تحذيره وتهديده لمن يتعدى حدوده فقال - تعالى { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … }