Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 12-15)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما أصابك من أذى من هؤلاء المشركين الجاحدين المكذبين فقد سبقهم إلى هذا التكذيب والكفر والجحود " قوم نوح " - عليه السلام - ، فإنهم قد قالوا فى حقه إنه مجنون ، كما حكى عنهم ذلك فى قوله - تعالى - { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } وقوله { أَصْحَابُ ٱلرَّسِّ } معطوف على ما قبله ، والرس فى لغة العرب البئر التى لم تبن بعد بالحجارة ، وقيل هى البئر مطلقا . وللمفسرين فى حقيقة أصحاب الرس أقوال فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود ، بعث الله إليهم واحدا من أنبيائه ، فكذبوه ورسوه فى تلك البئر ، أى ألقوا به فيها فأهلكهم - سبحانه - بسبب ذلك . وقيل هم الذين قتلوا حبيبا النجار عندما جاء يدعوهم إلى الدين الحق ، وكانت تلك البئر بأنطاكية ، وبعد قتلهم له ألقوه فيها . وقيل هم قوم شعيب - عليه السلام - … واختار ابن جرير - رحمه الله - أن أصحاب الرسل هم أصحاب الأخدود ، الذين جاء الحديث عنهم فى سورة البروج . والمراد بثمود قوم صالح - عليه السلام - الذين كذبوه فأهلكهم الله - تعالى - . والمراد بعاد قوم هود - عليه السلام - الذين اغتروا بقوتهم ، وكذبوا نبيهم ، فأخذهم - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر . { وَفِرْعَوْنُ } هو الذى أرسل الله إليه موسى - عليه السلام - فكذبه وقال لقومه { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } هم قومه الذين أتوا بفاحشة لم يسبقوا إليها . قالوا ووصفهم الله - تعالى - بأنهم إخوانه ، لأنه كانت تربطه بهم رابطة المصاهرة حيث إن امرأته - عليه السلام - كانت منهم . { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } هم قوم شعيب - عليه السلام - كما قال - تعالى - { كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } والأيكة اسم لمنطقة كانت مليئة بالأشجار ، ومكانها - فى الغالب - بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة ، ولعلها المنطقة التى تسمى بمعان . وكان قوم شعيب يبعدون الأوثان ، ويطففون فى المكيال فنهاهم شعيب عن ذلك ، ولكنهم كذبوه فأهلكهم الله - تعالى - . { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } وهو تبع الحميرى اليمانى ، وكان مؤمنا وقومه كفار ، قالوا وكان اسمه سعد أبو كرب ، وقد أشار القرآن إلى قصتهم فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ … } والتنوين فى قوله - تعالى - { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ … } عوض عن المضاف إليه . أى كل قوم من هؤلاء الأقوام السابقين كذبوا رسولهم الذى جاء لهدايتهم . وقوله { فَحَقَّ وَعِيدِ } بيان لما حل بهم بسبب تكذيبهم لرسلهم . أى كل واحد من هؤلاء الأقوام كذبوا رسولهم ، فكانت نتيجة ذلك أن وجب ونزل بهم وعيدى ، وهو العذاب الذى توعدتهم به ، كما قال - سبحانه - { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } قال ابن كثير قوله { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ … } أى كل من هذه الأمم ، وهؤلاء القرون كذب رسوله ، ومن كذب رسولا فكأنما كذب جميع الرسل . { فَحَقَّ وَعِيدِ } أى فحق عليهم ما أوعدهم الله - تعالى - على التكذيب من العذاب والنكال ، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم ، فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك . وبعد هذا العرض لمصارع المكذبين ، عادت السورة إلى تقرير الحقيقة التى كفر بها الجاهلون والجاحدون ، وهى أن البعث حق ، فقال - تعالى - { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } والاستفهام للإِنكار والنفى ، وقوله { عَيِينَا } من العى بمعنى العجز . يقال عَيِىَ فلان بهذا الشئ ، إذا عجز عنه ، وانقطعت حيلته فيه ، ولم يهتد إلى طريقة توصله إلى مقصوده منه . واللبس الخلط . يقال لبس على فلان الأمر - من باب ضرب - إذا اشتبه واختلط عليه ، ولم يستطع التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ . أى أفعجزت قدرتنا عن خلق هؤلاء الكافرين وإيجادهم من العدم ، حتى يتوهموا أننا عاجزون عن إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم ؟ . كلا إننا لم نعجز عن شئ من ذلك لأن قدرتنا لا يعجزها شئ ، ولكن هؤلاء الكافرين لانطماس بصائرهم ، واستيلاء الشيطان عليهم ، قد صاروا فى لبس وخلط من أمرهم ، بدليل أنهم يقرون بأننا نحن الذين خلقناهم ولم يكونوا شيئا مذكورا ، ومع ذلك فهم ينكرون قدرتنا على " الخلق الجديد " أى على إعادتهم إلى الحاية الدنيا مرة أخرى بعد موتهم . فقوله - تعالى - { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } أى بل إن هؤلاء الكافرين فى خلط وشك وحيرة من أن يكون هناك خلق جديد أى خلق مستأنف لهم بعد موتهم ، مع أنهم - لو كانوا يعقلون - لعلموا أن القادر على الخلق من العدم ، قادر على إعادة هذا المخلوق من باب أولى ، كما قال - سبحانه - { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ … } قال الآلوسى وقوله { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } عطف على مقدر يدل عليه ما قبله ، كأن قيل إنهم معترفون بالأول غير منكرين قدرتنا عليه ، فلا وجه لإِنكارهم الثانى ، بل هم فى خلط وشبهة فى خلق مستأنف … وقال بعض العلماء ما ملخصه فى الآية أسئلة ثلاثة لم عرف الخلق الأول ؟ ولم نكر اللبس ؟ ولم نكر الخلق الجديد ؟ . وللإِجابة على ذلك نقول عرف الخلق الأول للتعميم والتهويل والتفخيم ومنه تعريف الذكور فى قوله { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } وأما التنكير فأمره منقسم ، فأحيانا يقصد به التفخيم ، من حيث ما فيه من الإِبهام … وهو المقصود هنا من تنكير لفظ { لبس } . كأنه قيل بل هم فى لبس أى لبس . وأحيانا يقصد به التقليل والتهوين لأمره ، وهو المقصود هنا بقوله من { خَلْقٍ جَدِيدٍ } أى أن هذا الخلق الجديد شئ هين بالنسبة إلى الخلق الأول ، وإن كان كل شئ هين بالنسبة إلى قدرة الله - تعالى - . ثم صورت السورة الكريمة بعد ذلك علم الله - تعالى - الشامل لكل شئ تصويرا يأخذ بالألباب ، وبينت سكرات الموت وغمراته ، وأحوال الإِنسان عند البعث … بيانا رهيبا مؤثرا . قال - تعالى - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ … ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } .