Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 38-46)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - سبحانه - { وَفِي مُوسَىٰ } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك وَتَرَكْنَا فِيهَآ والكلام على حذف مضاف . والظرف فى قوله { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } . متعلق بمحذوف هو نعت لقوله آيَةً قبل ذلك . أى وتركنا فى قصة موسى - أيضا - أية ، هذه الآية كائنة وقت أن أرسلناه إلى فرعون { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أى بمعجزة واضحة بينة هى اليد والعصا وغيرهما . وقوله - سبحانه - { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } بيان لموقف فرعون من موسى - عليه السلام - أى أرسلنا موسى بآياتنا الدالة على صدقه إلى فرعون وملئه ، فما كان من فرعون إلا أن أعرض عن دعوة الحق ، وتعاظم على موسى بملكه وجنوده وقوته … وقال فى شأن موسى - عليه السلام - هو ساحر أو مجنون . والركن جانب البدن . والمراد به هنا جنوده الذين يركن إليهم ، وقوته التى اغتر بها . قال الآلوسى قوله { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أى فأعرض عن الإِيمان بموسى ، على أن ركنه جانب بدنه وعطفه ، والتولى به كناية عن الإِعراض ، والباء للتعدية ، لأن معناه ثنى عطفه . وقال قتادة تولى بقومه على أن الركن بمعنى القوم ، لأنه يركن إليهم ويتقوى بهم ، والباء للمصاحبة أو الملابسة … وقيل تولى بقوته وسلطانه . فالركن يستعار للقوة … ثم بين - سبحانه - نتيجة إعراض فرعون عن الحق فقال { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } . والنبذ الطرح للشىء بدون اكتراث أو اهتمام به ، و قوله { مُلِيمٌ } من ألام ، إذا أتى ما يلام عليه ، كأغرب إذا أتى أمرا غريبا ، وجملة ، وهو مليم ، حال من المفعول فى قوله { فَأَخَذْنَاهُ } . أى فأخذنا فرعون هو وجنوده الذين ارتكن إليهم أخذ عزيز مقتدر ، فألقينا بهم جميعا فى البحر بدون اعتداد بهم ، بعد أن أتى فرعون بما يلام عليه من الكفر والطغيان . قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف وصف نبى الله يونس - عليه السلام - بما وصف به فرعون فى قوله - تعالى - { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } قلت موجبات اللوم تختلف ، وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم ، فراكب الكبيرة ملوم على مقدارها ، وكذلك مقترف الصغيرة . ألا ترى إلى قوله - تعالى - { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } وقوله { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } لأن الكبيرة والصغيرة يجمعهما اسم العصيان ، كما يجمعهما اسم القبيح والسيئة . ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى بيان ما حل بقوم هود - عليه السلام - فتقول { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } . أى وتركنا فى قصة عاد - أيضا - وهم قوم هود - عليه السلام - آية وعبرة ، وقت أن أرسلنا عليهم الريح العقيم . أى الريح الشديدة التى لا خير فيها من إنشاء مطر ، أو تلقيح شجر ، وهى ريح الهلاك وأصل العقم اليبس المانع من قبول الأثر . شبه - سبحانه - الريح التى أهلكتهم وقطعت دابرهم ، بالمرأة التى انقطع نسلها ، بجامع انعدام الأثر فى كل . ثم وصف - سبحانه - هذه الريح التى توهموا أنها تحمل لهم الخير ، بينما هى تحمل لهم الهلاك ، وصفها بقوله { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } أى ما تترك من شىء مرت عليه . { إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } أى إلا جعلته كالشىء الميت الذى رم وتحول إلى فتات مأخوذ من رم الشىء إذا تفتت وتهشم . ويقال للنبات إذا يبس وتفتت رميم وهشيم . كما يقال للعظم إذا تكسر وبَلِىَ رميم . ومنه قوله - تعالى - { قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى بيان ما حل بقوم صالح - عليه السلام - فقال - تعالى - { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } . أى وتركنا - كذلك - فى قصة صالح - عليه السلام - مع قومه آية وعظة ، وقت أن قال لهم - على سبيل الإِنذار والتحذير من المداومة على الكفر … تمتعوا بحياتكم التى تعيشونها فى هذه الدنيا ، حتى وقت معين فى علم الله - تعالى - تنتهى عنده أعماركم . وهذا التمتع بالحياة حتى حين ، يحتمل أن المقصود به ، ما أشار إليه - سبحانه - فى سورة هود بقوله { فَعَقَرُوهَا } - أى الناقة - { فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ويحتمل أن يكون المقصود به ما قدره الله - تعالى - من عمر منذ أن بلغهم صالح رسالة ربه إلى أن عقروا الناقة ، وحق عليهم العذاب . قال القرطبى قوله { وَفِي ثَمُودَ } أى وفيهم - أيضا - عبرة وعظة ، حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا { حَتَّىٰ حِينٍ } أى إلى وقت الهلاك وهو ثلاثة أيام ، كما فى سورة هود … وقيل معنى { تَمَتَّعُواْ } أى أسلموا وتمتعوا إلى وقت فراغ آجالكم . ثم بين - سبحانه - ما كان منهم من كفر وفجور فقال { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أى فتكبروا واستهانوا بما أمرهم الله - تعالى - به على لسان نبيهم صالح - عليه السلام - . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } وهى كل عذاب مهلك ، من الصعق بمعنى الإِهلاك . { وَهُمْ يَنظُرُونَ } أى وهم يرونها عيانا ، لأن العذاب - كما تشير الآية - نزل بهم نهارا . { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } أى أنه حين نزل بهم عذابنا ، أعجزهم عن الحركة ، وشل حواسهم ، فما استطاعوا أن يهربوا منه . وما قدروا على القيام بعد أن كانوا قاعدين ، وما نصرهم من بأسنا ناصر . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات بلمحة عن قصة نوح - عليه السلام - فقال { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أى وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء جميعا بالطوفان . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } أى خارجين عن طاعتنا ، منغمسين فى الكفر والعصيان . وهكذا ساقت السورة الكريمة جانبا من قصص هؤلاء الأنبياء ، ليكون فى ذلك تسلية للنبى - صلى الله عليه وسلم - وتذكرة للمتذكرين . وبعد هذا الحديث عن هؤلاء الأقوام … جاء الحديث عن مظاهر قدرة الله - تعالى - وسعة رحمته ، ووافر نعمه ، وحض الناس على شكره - تعالى - وطاعته . فقال - عز وجل - { وَٱلسَّمَآءَ … } .