Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 41-55)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقصة فرعون وملئه مع موسى - عليه السلام - قد تكررت فى سور متعددة ، منها سور الأعراف ، ويونس ، وهود ، وطه ، والشعراء ، والقصص . وهنا جاء الحديث عن فرعون وملئه فى آيتين ، بين - سبحانه - ما حل بهم من عذاب ، بسبب تكذيبهم لآيات الله - تعالى - ، فقال - سبحانه - { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } . والمراد بآل فرعون أقرباؤه وحاشيته وأتباعه الذين كانوا يؤيدونه ويناصرونه . والنذر " جمع نذير ، اسم مصدر بمعنى الإِنذار ، وجىء به بصيغة الجمع ، لكثرة الإِنذارات التى وجهها موسى - عليه السلام - إليهم . أى والله لقد جاء إلى فرعون وآله ، الكثير من الانذارات والتهديدات على لسان نبينا موسى - عليه السلام - ولكنهم لم يستجيبوا له … بل { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا } أى بل كذبوا بجميع المعجزات التى أيدنا موسى - عليه السلام - بها ، والتى كانت تدل أعظم دلالة على صدقة فيما يدعوهم إليه . وأكد - سبحانه - هذه المعجزات بقوله ، كلها للإِشعار بكثرتها ، وبأنهم قد أنكروها جميعا دون أن يستثنوا منها شيئا . وقوله { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } بيان لشدة العذاب الذى نزل بهم إذ الأخذ مستعار ، للانتقام الشديد ، وانتصاب { أَخْذَ … } على المفعولية المطلقة ، وإضافته إلى " عزيز مقتدر " من إضافة المصدر إلى فاعله . والعزيز الذى لا يغلبه غالب ، والمقتدر الذى لا يعجزه شىء يريده . أى فأخذناهم أخذا لم يبق منهم أحدا ، بل أهلكناهم جميعا ، لأن هذا الأخذ صادر عن الله - عز وجل - الذى لا يغلبه غالب ، ولا يعجزه شىء . ووصف - سبحانه - ذاته هنا بصفة العزة والاقتدار ، للرد على دعاوى فرعون وطغيانه وتبجحه ، فقد وصل به الحال أن زعم أنه الرب الأعلى … فأخذه - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر ، يحق الحق ويبطل الباطل . وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين ، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة ، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين ، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار ، فقال - تعالى - { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } . والاستفهام للنفى والإِنكار ، والمراد بالخيرية ، الخيرية الدنيوية ، كالقوة والغنى والجاه ، والسلطان ، والخطاب لأهل مكة . والبراءة من الشىء التخلص من تبعاته وشروره ، والمراد بها التخلص من العذاب الذى أعده الله - تعالى - للكافرين ، والسلامة منه . والزبر جمع زبور ، وهو الكتاب الذى يكتب فيه . والمعنى أكفاركم - يا أهل مكة - خير من اولئكم السابقين فى القوة والغنى والتمكين فى الأرض … ؟ أم أن لكم عندنا عهدا فى كتبنا ، بأن لا نؤاخذكم على كفركم وشرككم … ؟ كلا ، ليس لكم شىء من ذلك فأنتم لستم بأقوى من قوم نوح وهود وصالح ولوط ، أو من فرعون وملئه ، وأنتم - أيضا - لم تأخذوا منا عهدا بأن نبرئكم من العقوبة عن كفركم . . وما دام الأمر كذلك فكيف أبحتم لأنفسكم الإِصرار على الكفر والجحود ؟ إن ما أنتم عليه من شرك لا يليق بمن عنده شىء من العقل السليم . ثم انتقل - سبحانه - إلى توبيخهم على شىء آخر من أقوالهم الباطلة فقال { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } . أى بل أيقولون نحن جميع يد واحدة ، وسننتصر على من خالفنا وعادانا ؟ ولقد توهموا ذلك فعلا ، وجاهروا به . وقد رد الله - تعالى - عليهم بما يبطل دعاواهم فقال { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } والتعريف فى { ٱلْجَمْعُ } للعهد ، والدبر الظهر وما أدبر من المتجه إلى الأمام . أى سيهزم جمع هؤلاء الكافرين ويولون أدبارهم نحوكم - أيها المؤمنون - ويفرون من أمامكم … والتعبير بالسين لتأكيد أمر هزيمتهم فى المستقبل القريب ، كما فى قوله - تعالى - { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } والآية الكريمة من باب الإِخبار بالغيب ، الدال على إعجاز القرآن الكريم . قال الآلوسى والآية من دلائل النبوة ، لأن الآية مكية ، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد ، ولا كان قتال ، ولذا قال عمر يوم نزلت أى جمع يهزم ، أى من جموع الكفار . فلما كان يوم بدر ، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب فى الدرع وهو يقول { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } فعرفت تأويلها يومئذ … ثم بين - سبحانه - أن هزيمة المشركين ستعقبها هزيمة أشد منها ، وأنكى فقال { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } . والمراد بالساعة ، يوم القيامة " وأدهى " اسم تفضيل من الداهية ، وهى الأمر المنكر الفظيع الذى لا يعرف طريق للخلاص منه . وقوله { وَأَمَرُّ } أى وأشد مرارة وقبحا . أى ليس هذا الذى يحصل لهم فى الدنيا من هزائم نهاية عقوباتهم ، بل يوم القيامة هو يوم نهاية وعيدهم السيىء ، ويوم القيامة هو أعظم داهية ، وأشد مرارة مما سيصيبهم من عذاب دنيوى . ثم فصل - سبحانه - ما سينزل بهم من عذاب يوم القيامة فقال { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } . أى فى بعد عن الاهتداء إلى الحق بسبب انطماس بصائرهم ، وإيثارهم الغى على الرشد ، وفى نار مسعرة تغشاهم من فوقهم ومن تحتهم . ويقال لهم { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أى يوم يُجَرُّون فى النار على وجوههم ، على سبيل الإِهانة والإِذلال . { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أى ويقال لهم ذوقوا مس جهنم التى كنتم تكذبون بها ، وقاسوا آلامها وعذابها . فقوله - تعالى - { سَقَرَ } علم على جهنم ، مأخوذ من سقرت الشمس الشىء وصقرته ، إذا غيرت معالمه وأذابته ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مظاهر كمال قدرته وحكمته فقال { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } . وقوله { كُلَّ } منصوب بفعل يفسره ما بعده ، والقدر ما قدره الله - تعالى - على عباده ، حسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته . أى إنا خلقنا كل شىء فى هذا الكون ، بتقدير حكيم ، وبعلم شامل ، وبإرادة تامة وبتصريف دقيق لا مجال معه للعبث أو الاضطراب ، كما قال - تعالى - { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } وكما قال - سبحانه - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وكما قال - عز وجل - { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه وقد استدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة ، على إثبات قدر الله السابق لخلقه ، وهو علمه بالأشياء قبل كونها . وردوا بهذه الآية وبما شاكلها ، وبما ورد فى معناها من أحاديث على الفرقة القدرية ، الذين ظهروا فى أواخر عصر الصحابة . ومن ذلك ما أخرجه الإِمام أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه عن ابى هريرة قال جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القدر ، فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . والباء فى قوله { بِقَدَرٍ } للملابسة . أى خلقناه ملتبسا بتقدير حكيم ، اقتضته سنتنا ومشيئتنا فى وقت لا يعلمه أحد سوانا … وقوله - سبحانه - { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } بيان لكمال قدرته - تعالى - . واللمح النظر السريع العاجل الذى لا تريث معه ولا انتظار ، يقال لمح فلان الشىء إذا أبصره بنظر سريع … وقوله { وَاحِدَةٌ } صفة لموصوف محذوف . أى وما أمرنا وشأننا فى خلق الأشياء وإيجادها ، إلا كلمة واحدة وهى قول " كن " فتوجد هذه الأشياء كلمح البصر فى السرعة . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } والمراد بهذه الآية وأمثالها بيان كمال قدرة الله - تعالى - وسرعة إيجاده لكل ما يريد إيجاده ، وتحذير الظالمين من العذاب الذى متى أراده الله - تعالى - فلن يدفعه عنهم دافع ، بل سيأتيهم كلمح البصر فى السرعة . والتعبير بقوله { وَاحِدَةٌ } لإِفادة أن كل ما يريد الله - تعالى - إيجاده فسيوجد فى اسرع وقت ، وبكلمة واحدة لا بأكثر منها ، سواء أكان ذلك الموجود جليلا أم حقيرا ، صغيرا أم كبيرا … ثم بين - سبحانه - ما يدل على نفاذ هذه القدرة وسرعتها فقال { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . والأشياع جميع شيعة ، وشيعة الرجل أعوانه وأنصاره ، وكل جماعة من الناس اتفقت فى رأيها فهم شيعة . قالوا وهو مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار الذى يوقد مع الكبار ، حتى تشتعل النار ، والمراد به هنا الأشباه والنظائر . أى والله لقد أهلكنا أشباهكم ونظائركم فى الكفر من الأمم السابقة ، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم ، واتعظوا بما نزل بهم من عقاب . فالمقصود بالآية الكريمة التهديد والتحذير . والاستفهام فيها للحض على الاتعاظ والاعتبار . ثم بين - سبحانه - أن كل ما يعمله الإِنسان . هو مسجل عليه ، فقال { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } . أى وكل شىء فعله هؤلاء المشركون وغيرهم ، مكتوب ومحفوظ فى كتب الحفظة ، ومسجل عليهم لدى الكرام الكاتبين ، بدون زيادة أو نقصان . كما قال - تعالى - بعد ذلك { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أى وكل صغير من الأقوال أو الأفعال ، وكل كبير منهما ، فهو مكتوب عندنا ، ومسجل على صاحبه . فقوله { مُّسْتَطَرٌ } بمعنى مسطور ومكتتب . يقال سطر يسطر سطرا ، إذا كتب ، واستطر مثله ، والآية الكريمة مؤكدة لما قبلها . ومن الآيات الكثيرة التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، بتلك البشارة العظيمة للمتقين فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } . أى إن المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل محارم الله - تعالى - كائنين فى جنات عاليات المقدار ، وفى { نَهَرٍ } أى وفى سعة من العيش ، ومن مظاهر ذلك أن الأنهار الواسعة تجرى من تحت مساكنهم ، فالمراد بالنهر جنسه . وقوله { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أى فى مكان مرضى ، وفى مجلس كريم ، لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ، فالمراد بالمقعد مكان القعود الذى يقيم فيه الإِنسان بأمان واطمئنان . { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أى مقربين عند ملك عظيم ، قادر على كل شىء . فالمراد بالعندية هنا ، عندية الرتبة والمكانة والتشريف . وقال - سبحانه - عند مليك ، للمبالغة فى وصفه - سبحانه - بسعة الملك وعظمه ، إذ وصفه - سبحانه - بمليك ، أبلغ من وصفه بمالك أو ملك ، لأن { مَلِيكٍ } صيغة مبالغة بزنة فعيل . وتنكير " مقتدر " للتعظيم والتهويل ، وهو أبلغ من قادر ، إذ زيادة المبنى تشعر بزيادة المعنى . أى عظيم القدرة بحيث لا يحيط بها الوصف . وبهذا فهذا تفسير محرر لسورة " القمر " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم … والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …