Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 33-40)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقصة لوط - عليه السلام - قد وردت فى سور متعددة ، منها سورة الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والنمل ، والعنكبوت … ولوط - عليه السلام - هو - على الراجح - ابن أخى إبراهيم - عليه السلام - ، وكان قد آمن به وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله - تعالى - إلى أهل سدوم . وهى قرية بوادى الأردن وكالوا يأتون الفواحش التى لم يسبقهم إليها أحد … وقوله - تعالى - { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } أى كذبوا بالإِنذارات والتهديدات التى هددهم بها نبيهم لوط ، إذا لم يستجيبوا لإِرشاداته وأمره ونهيه … فكانت نتيجة هذا التكذيب والفجور الذى انغمسوا فيه الهلاك والدمار كما قال - تعالى - { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً … } . والحاصب الريح التى تحصب ، أى ترمى بالحصباء ، وهى الحجارة الصغيرة التى تهلك من تصيبه بأمر الله - تعالى - . فقوله { حَاصِباً } صفة لموصوف محذوف وهو الريح ، وجىء به مذكرا لكونه موصوفه وهو الريح فى تأويل العذاب ، أى إنا أرسلنا إليهم عذابا حاصبا أهلكهم … والاستثناء فى قوله - سبحانه - { إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } استثناء متصل ، لأنهم من قومه . والسحر هو الوقت الذى يختلط فيه سواد آخر الليل ، ببياض أول النهار وهو قبيل مطلع الفجر بقليل . أى إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة ترميهم بالحصباء فتهلكهم ، إلا آل لوط ، وهم من آمن به من قومه ، فقد نجيناهم من هذا العذاب المهلك فى وقت السحر ، فالباء فى قوله { بِسَحَرٍ } بمعنى " فى " الظرفية . أو هى للملابسة ، أى حال كونهم متلبسين بسحر . وقوله - تعالى - { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا … } علة الإِيحاء ، والنعمة بمعنى الإِنعام ، أى انجينا آل لوط من العذاب الذى نزل بقومه على سبيل الإِنعام الصادر من عندنا عليهم لا من عند غيرنا . وقوله - تعالى - { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } بيان لسبب هذا الإِنعام والإِيحاء … أى مثل هذا الجزاء العظيم ، المتمثل فى إيحائنا للمؤمنين من آل لوط وفى إنعامنا عليهم … نجازى كل شاكر لنا ، ومستجيب لأمرنا ونهينا . فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين الشاكرين حتى يزدادوا من الطاعة لربهم ، وتعريض بسوء مصير الكافرين الذين لم يشكروا الله - تعالى - على نعمه . وفى قوله - تعالى - { مِّنْ عِندِنَا } تنويه عظيم بهذا الإِنعام ، لأنه صادر من عنده - تعالى - الذى لا تعد ولا تحصى نعمه . ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بقوم لوط إلى الدمار والهلاك فقال { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ … } . والبطشة المرة من البطش ، بمعنى الأخذ بعنف وقوة ، والمراد بها هنا الإِهلاك الشديد . والتمارى تفاعل من المراء بمعنى الجدال ، والمراد به هنا التكذيب والاستهزاء ، ولذا عدى بالباء دون فى . أى والله لقد أنذرهم لوط - عليه السلام - وخوفهم من عذابنا الشديد الذى لا يبقى ولا يذر ، ولكنهم كذبوه واستهزءوا به ، وبتهديده وبتخويفه إياهم . ثم يحكى - سبحانه - صورة أخرى من فجورهم فقال { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } . والمراودة مقابلة ، من راد فلان يرود ، إذا جاء وذهب ، لكى يصل إلى ما يريده من غيره عن طريق المحايلة والمخادعة . والمراد بضيفه ضيوفه من الملائكة الذين جاءوا إلى لوط - عليه السلام - لإِخباره بإهلاك قومه ، وبأن موعدهم الصبح … أى ووالله لقد حاول هؤلاء الكفرة الفجرة المرة بعد المرة ، مع لوط - عليه السلام - أن يمكنهم من فعل الفاحشة مع ضيوفه … فكانت نتيجة محاولاتهم القبيحة أن { طَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } اى حجبناها عن النظر ، فصاروا لا يرون شيئا أمامهم . قال القرطبى يروى أن جبريل - عليه السلام - ضربهم بجناحه فعموا ، وقيل صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شق . كما تطمس الريح الأعلام بما تسفى عليها من التراب . وقيل طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل . وعدى - سبحانه - فعل المراودة بعن . لتضمينه معنى الإِبعاد والدفع . أى حاولوا دفعه عن ضيوفه ، ليتمكنوا منهم . وأسند المراودة إليهم جميعا لرضاهم عنها ، بقطع النظر عمن قام بها . وقوله { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } مقول لقول محذوف ، أى طمسنا أعينهم وقلنا لهم ذوقوا عذابى الشديد الذى سينزل بكم ، بسبب تكذيبكم لرسولى ، واستخفافكم بما وجه إليكم من تخويف وإنذار . والمراد من هذا الأمر الخبر . أى فأذقتهم عذابى الذى أنذرهم به لوط - عليه السلام - . ثم بين - سبحانه - ما حل بهم من عذاب فقال { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ … } . والبكرة أول النهار وهو وقت الصبح ، وجىء بلفظ بكرة للإِشعار بتعجيل العذاب لهم ، أى والله لقد نزل بهم عذابنا فى الوقت المبكر من الصباح نزولا دائما ثابتا مستقرا لا ينفك عنهم ، ولا ينفكون عنه … وقلنا لهم ذوقوا عذابى ، وسوء عاقبة تكذيبكم لرسولى لوط - عليه السلام - . ثم ختم - سبحانه - قصتهم بما ختم به القصص السابقة فقال { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما فائدة تكرير قوله { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } ؟ قلت فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارا واتعاظا ، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه ، وأن يقرع لهم العصا مرات ، ويقعقع لهم الشن تارات لئلا يغلبهم السهو ، ولا تستولى عليهم الغفلة ، وهذا حكم التكرير ، كقوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } عند كل نعمة عدها فى سورة الرحمن . وكقوله { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } عند كل آية أوردها فى سورة المرسلات ، وكذلك تكرير الأنباء والقصص فى أنفسها ، لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب ، مصورة للأذهان ، مذكورة غير منسية فى كل أوان … ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، ببيان ما حل بفرعون وقومه ، وبتحذير مشركى قريش من سوء عاقبة كفرهم ، وببيان ما أعد لهم من عذاب يوم القيامة ، وبتبشير المتقين بحسن العاقبة فقال - تعالى - { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ … } .