Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى قوله - تعالى - { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ … } شروع فى بيان تفاصيل شئونهم ، بعد بيان شئون السابقين . وأصحاب مبتدأ وقوله { مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } جملة استفهامية مشعرة بتفخيمهم ، والتعجب من حالهم ، وهى خبر المبتدأ … أو معترضة ، والخبر قوله { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ … } . والسدر شجر النبق ، واحده سدرة ، ومخضود . أى منزوع الشوك ، يقال خضد فلان الشجر ، إذا قطع الشوك الذى به فهو خضيد ومخضود ، أو مخضود بمعنى ملىء بالثمر حتى تثنت أغصانه ، من خضدت الغصن ، إذا ثنيته وأملته إلى جهة أخرى . أى وأصحاب اليمين ، المقول فيهم ما أصحاب اليمين على سبل التفخيم ، مستقرون يوم القيامة فى حدائق مليئة بالشجر الذى خلا من الشوك وامتلأ بالثمار الطيبة ، التى تثنت أغصانها لكثرتها … قال القرطبى وذكر ابن المبارك قال حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال " كان أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - يقولون إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم . قال أقبل أعرابى يوما فقال يا رسول الله ، لقد ذكر الله فى القرآن شجرة مؤذية ، وماكنت أرى فى الجنة شجرة تؤذى صاحبها ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - وما هى ؟ قال السدر ، فإن له شوكا مؤذيا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - ألم يقل الله - تعالى - { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } ؟ خضد الله - تعالى - شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة " . وقوله - تعالى - { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } بيان لنعمة ثانية . والطلح قالوا هو شجر الموز . واحدة طلحة ، والمنضود المتراكب بعضه فوق بعض ، بحيث صار ثمره متراصا على هيئة جميلة تسر الناظرين . فقوله { مَّنضُودٍ } اسم مفعول من النضد وهو الرص . يقال نضد فلان متاعه ، - من باب ضرب - إذا وضع بعضه فوق بعض بطريقة منسقة جميلة ، ومنه قوله - تعالى - { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } وقوله - سبحانه - { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } أى متسع منبسط ، بحيث لا يزول كما يزول الظل فى الدنيا ، ويحل محله ضوء الشمس . أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها عاما - وفى رواية مائة عام - اقرءوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } " . وقوله - سبحانه - { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } أى وفيها ماء كثير مصبوب يجرى على الأرض ، ويأخذون منه ما شاءوا ، بدون جهد أو تعب . يقال سكب فلان الماء سكبا ، إذا صبه بقوة وكثرة . وقوله - تعالى - { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أى وهم بجانب كل ذلك يتلذذون فى الجنة بفاكهة كثيرة ، هذه الفاكهة ليست مقطوعة عنهم فى وقت من الأوقات ، ولا تمتنع عن طالبها متى طلبها . وجمع - سبحانه - بين انتفاء قطعها ومنعها ، للإِشعار بأن فاكهة الجنة ليست كفاكهة الدنيا فهى تارة تكون مقطوعة ، لأنها لها أوقاتا معينة تظهر فيها ، وتارة تكون موجودة ولكن يصعب الحصول عليها ، لامتناع أصحابها عن إعطائها . وقوله - تعالى - { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أى وفيها - أيضا - فرش منضدة ، قد ارتفعت عن الأرض ، ليتكىء عليها أهل الجنة وأزواجهم . والضمير فى قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً … } عائد إلى غير مذكور ، إلا أنه يفهم من سياق الكلام . لأن الحديث عن الفرش المرفوعة يشير إلى من يجلس عليها ، وهم الرجال ونساؤهم ، أى نساؤهم من أهل الدنيا أو الحور العين ، ويرى بعضهم أنه يعود إلى مذكور ، لأن المراد بالفرش النساء ، والعرب تسمى المرأة لباسا ، وإزارا ، وفراشا . والإِنشاء الخلق والإِيجاد . فيشمل إعادة ما كان موجودا ثم عدم ، كما يشمل الإِيجاد على سبيل الابتداء . أى إنا أنشأنا هؤلاء النساء المطهرات من كل رجس حسى أو معنوى ، إنشاء جميلا ، يشرح الصدور . { فَجَعَلْنَاهُنَّ } بقدرتنا { أَبْكَاراً } أى فصيرناهن أبكارا ليكون ذلك أكثر تلذذا بهن . قال الآلوسى وفى الحديث الذى أخرجه الطبرانى عن أبى سعيد مرفوعا إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم ، عدن أبكارا . وقوله { عُرُباً أَتْرَاباً } صفة أخرى من صفات هؤلاء النساء الفضليات الجميلات . وقوله { عُرُباً } جمع عروب - كرسل ورسول - من أعرب فلان فى قوله إذا نطق بفصاحة وحسن بيان . وأترابا جمع ترب - بكسر التاء وسكون الراء - وترب الإِنسان هو ما كان مساويا له فى السن . أى إنا أنشأنا هؤلاء النساء على تلك الصورة الجميلة ، فجعلناهن أبكارا كما جعلناهن - أيضا - محببات إلى أزواجهن ، ومستويات فى سن واحدة . روى الترمذى عن الحسن قال " أتت عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله - تعالى - أن يدخلنى الجنة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - " يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكى " . فقال - صلى الله عليه وسلم - أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز ، إن الله - تعالى - يقول { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً … } " . واللام فى قوله { لاًّصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } متعلقة بأنشأناهن ، أو جعلناهن . أى أنشأناهن كذلك ، ليكن فى صحبة أصحاب اليمين ، على سبيل التكريم لهم … وقوله { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } خبر لمبتدأ محذوف . أى أصحاب اليمين جماعة كبيرة منهم من الأمم الماضية ، وجماعة كبيرة أخرى من هذه الأمة الإِسلامية . وبذلك نرى أن الله - تعالى - قد ذرك لنا ألوانا من النعم التى أنعم بها على أصحاب اليمين . كما ذكر قبل ذلك ألوانا أخرى مما أنعم به على السابقين . قال الآلوسى ولم يقل - سبحانه - فى حق أصحاب اليمين { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } كما قال - سبحانه - ذلك فى حق السابقين ، رمزا إلى أن الفضل فى حقهم متمحض ، كأن عملهم لقصوره عن عمل السابقين ، لم يعتبر اعتباره . ثم الظاهر أن ما ذكر من أصحاب اليمين ، هو حالهم الذى ينتهون إليه فلا ينافى أن يكون منهم من يعذب لمعاص فعلها ، ومات غير تائب عنها ، ثم يدخل الجنة … وبعد هذا الحديث الذى يشرح الصدور ، ويقر العيون ، وترتاح له الأفئدة . عن السابقين وعن أصحاب اليمين … جاء الحديث عن أصحاب الشمال ، وهم الذين استحبوا العمى على الهدى وآثروا الغى على الرشد ، فقال - تعالى - { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ … } .