Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-21)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى { ٱعْلَمُوۤاْ } - أيها المؤمنون علم استجابة وامتثال لما آمركم به - { أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } التى تعيشون فيها ما شاء الله لكم أن تعيشوا … { لَعِبٌ } واللعب هو قضاء الوقت فى قول أو فعل لا فائدة من روائه . { وَلَهْوٌ } واللهو اسم لفعل أو قول يقصد من روائه التلذذ والتمتع ، وصرف الآلام والهموم عن النفس . { وَزِينَةٌ } الزينة اسم لما يتزين به الإِنسان من ملبس أو مسكن أو ما يشبههما مما يفعله من أجل أن يكون فى أعين الناس مهيبا جميلا . { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أى وتفاخر فيما بينكم بالأموال والمناصب والأحساب والأعمال … وتكاثر فى الأموال والأولاد ، والتكاثر تفاعل من الكثرة - كما أن التفاخر تفاعل من الفخر - وصيغة التفاعل جىء بها هنا ، للمبالغة فى إظهار ما يتفاخرون به ، وما يتكاثرون فيه ، حتى لكأنه ينافس غيره فى ذلك ويريد الظهور عليه . والحرص على التفاخر والتكاثر فى الأموال والأولاد ، من طبيعة كثير من الناس ، كما قال - تعالى - { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } ثم بين - سبحانه - حال الحياة الدنيا ، التى يلعب الناس فيها ، ويلهون ويتفاخرون . ويتكاثرون . فقال { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } . أى هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار وراقهم وسرهم ، ما ترتب على هذا المطر ، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها . فقوله - تعالى - { كَمَثَلِ } خبر لمبتدأ محذوف ، أى مثلها كمثل مطر . والمراد بالكفار هنا الجاحدون لنعم الله - تعالى - الساترون لها ، وخصوا بالذكر ، لأنهم أشد إعجابا وسروراً وانغماسا فى زينة الحياة الدنيا من غيرهم . وروى عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - أن المراد بالكفار هنا الزراع الذين يزرعون الأرض بعد نزول المطر عليها ، ويبذورن فيها البذور سموا كفارا من الكفر بمعنى الستر والإِخفاء ، يقال كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه فى الأرض ، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع . وقوله - سبحانه - { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } . والهيجان الاضطراب والثوران ، ومنه سميت الحرب بالهيجاء ، لأن فيها يضطرب المقاتلون ، ويثور بعضهم على بعض . ويرى بعضهم أن معنى { يَهِيجُ } هنا ييبس ويجف . وعطف - سبحانه - جملة { يَهِيجُ } بحرف { ثُمَّ } لإِفادة التراخى الرتبى ، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه ، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته . ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال تفسير { يَهِيجُ } بييبس فيه تسامح ، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له . أى من الطول والغلظ . أى ثم يتحرك هذا النبات الذى أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة ، ثم يبدأ فى الضعف ، فتراه - أيها الناظر إليه - نباتا مصفراً متغيراً عما كان عليه من النضرة ، آخذا فى الذبول وفى التهيؤ للحصاد . ثم يكون بعد ذلك حطاما ، أى نباتا محطما مكسرا . والمقصود بقوله - تعالى - { كَمَثَلِ غَيْثٍ … } إلخ التقرير والتأكيد لما وصفت به الدنيا من كونها لعبا ولهوا وزينة . وتشبيهها فى سرعة زوالها ، وانقضاء نعيمها ، وقلة فائدتها … بحال نبات ظهر على الأرض بعد هطول المطر عليها ، واستمر فى ظهوره وجماله ونضرته وهيجانه ، لفترة مَّا من الحياة ، أعجب خلالها الكفار به ، ثم حل بهذا النبات اليانع الاصفرار والاضمحلال حتى صار حطاما مفتتا تذروه الرياح . والمقصود بهذا التشبيه ، زجر الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا ركونا ينسون معه فرائض الله - تعالى - وتكاليفه التى كلفهم بها - سبحانه - . وعطف - سبحانه - { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } بالفاء للإِشعار بقصر المسافة ، مهما طالت فى عرف الناس - بين نضرة الزرع واستوائه ، وبين اصفراره ونهايته . قال صاحب الكشاف - رحمه الله - أراد - سبحانه - أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور ، وهى اللعب واللهو … وأما الآخرة فما هى إلا أمور عظام . وشبه حال الدنيا بسرعة تقضّيها ، مع قلة جدواها ، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتمل ، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله ، فيما رزقهم من الغيث ، والنبات … فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان عظم الآخرة ، وهوان الدنيا فقال { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أى لمن كفر بالله - تعالى - وفسق عن أمره . { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ } أى لمن آمن بالله - تعالى - واتبع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحافظ على أداء ما كلف به بإخلاص وحسن اقتداء . { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } أى وما أحوال الحياة الدنيا وما اشتملت عليه من شهوات ، إلا متاع زائل ، لا يقدم عليه ، ولا يتشبع به إلا من خدع بزخرفه ، واغتر بمظهره . فالمراد بالغرور الخديعة ، مصدر غره . أى خدعه وأطمعه بالباطل . ثم أمرهم - سبحانه - بالمسارعة إلى ما يسعدهم ، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . وقوله - تعالى - { سَابِقُوۤاْ } من المسابقة وهى محاولة أن يسبق الإِنسان غيره . و { مِّن } فى قوله { مِّن رَّبِّكُمْ } ابتدائية ، والجار والمجرور صفة المغفرة . أى سارعوا - أيها المؤمنون - مسارعة السابقين لغيرهم ، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم . فالتعبير بقوله { سَابِقُوۤاْ } لإِلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به ، حتى لكأنهم فى حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه . وقوله { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ . . } معطوف على المغفرة . أى سابقوا غيركم - أيها المؤمنون - إلى مغفرة عظيمة من ربكم ، وإلى جنة كريمة هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها … كسعة السماء والأرض . وهذه الجنة قد { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } إيمانا حقا ، جعلهم لا يقصرون فى أداء واجب من الواجبات التى كلفهم - سبحانه - بها . قال الإِمام الفخر الرازى ما ملخصه فى كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه منها أن المراد لو جعلت السماوات والأرضون طبقا طبقا … لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذا غاية فى السعة لا يعلمها إلا الله - تعالى - . ومنها أن المقصود المبالغة فى الوصف بالسعة للجنة ، وذلك لأنه لا شىء عندنا أعرض منهما . وخص - سبحانه - العرض بالذكر ، ليكون أبلغ فى الدلالة على عظمها ، واتساع طولها ، لأنه إذا كان عرضها كهذا ، فإن العقل يذهب كل مذهب فى تصور طولها ، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض . قال الإِمام ابن كثير وقد روينا فى مسند الإِمام أحمد " أن هرقل - ملك الروم - كتب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال إنك دعوتنى إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - " سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار " . وإسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } يعود إلى الذى وعد الله - تعالى - به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة . أى ذلك العطاء الجزيل فضل الله - تعالى - وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو - عز وجل - . فأنت ترى أن الله - تعالى - بعد أن بين حال الحياة الدنيا . دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح ، الذى يوصلهم إلى ما هو أكرم وأبقى … وهو الجنة . وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ … } ثم بين - سبحانه - أن كل شىء فى هذه الحياة ، خاضع لقضاء الله - تعالى - وقدره ، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء ، صابرا عند البلاء … فقال - تعالى - { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ … } .