Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 25-27)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمراد بالبينات فى قوله - تعالى - { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } الحجج والدلائل التى تشهد لهم بأنهم رسل من عند الله - تعالى - وتدخل فيها المعجزات دخولا أوليا . والمراد بالكتاب جنس الكتب . وتشمل التوراة والإِنجيل وغيرهما . والميزان الآلة المعروفة بين الناس لاستعمالها فى المكاييل وغيرها … والمراد بها العدل بين الناس فى أحكامهم ومعاملاتهم . وشاع إطلاق الميزان على العدل ، باستعارة لفظ الميزان على العدل ، على وجه تشبيه المعقول بالمحسوس ، والمراد بإنزاله ، تبليغه ونشره بين الناس . أى بالله لقد أرسلنا رسلنا ، وأيدناهم بالحجج والبراهين الدالة على صدقهم ، وأنزلنا معهم كتبنا السماوية ، بأن بلغناهم إياها عن طريق وحينا ، وأنزلنا معهم العدل بأن أرشدناهم إلى طرقه ، وإلى إعطاء كل ذى حق حقه . قال ابن كثير يقول الله - تعالى - { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } أى بالمعجزات ، والحجج الباهرات ، والدلائل القاطعات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } وهو النقل الصدق { وَٱلْمِيزَانَ } وهو العدل أو وهوالحق الذى تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة . وأكد - سبحانه - هذا الإِرسال ، للرد على أولئك الجاحدين الذين أنكروا نبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - ولبيان أنه واحد من هؤلاء الرسل الكرام ، وأن رسالته إنما هى امتداد لرسالتهم … وقوله - تعالى - { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } علة لما قبله . أى أرسلنا الرسل . وأنزلنا الكتاب وشرعنا العدل ، ليقوم الناس بنشر ما يؤدى إلى صلاح بالهم ، واستقامة أحوالهم ، عن طريق التزامهم بالحق والقسط فى كل أمورهم . قال الآلوسى " والقيام بالقسط " أى بالعدل ، يشمل التسوية فى أمور التعامل باستعمال الميزان ، وفى أمور المعاد باحتذاء الكتاب ، وهو - أى القسط - لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغى الاتصاف به ، معاشا ومعادا . وقوله - تعالى - { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } معطوف على ما قبله . والمراد بإنزال الحديد خلقه وإيجاده . وتهيئته للناس ، والإِنعام به عليهم ، كما فى قوله - سبحانه - { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } والمراد بالبأس الشديد القوة الشديدة التى تؤدى إلى القتل وإلحاق الضرر بمن توجه إليه ، أى لقد أرسلنا رسلنا بالأدلة الدالة على صدقهم ، وأنزلنا معهم ما يرشد الناس إلى صلاحهم . وأوجدنا الحديد ، وأنعمنا به عليكم ، ليكون قوة شديدة لكم فى الدفاع عن أنفسكم ، وفى تأديب أعدائكم ، وليكون كذلك مصدر منفعة لكم فى مصالحكم وفى شئون حياتكم . فمن الحديد تكون السيوف وآلات الحرب … ومنه - ومعه غيره - تتكون القصور الفارهة ، والمبانى العالية الواسعة ، والمصانع النافعة … وآلات الزراعة والتجارة . فالآية الكريمة تلفت أنظار الناس إلى سنة من سنن الله - تعالى - قد أرسل الرسل وزودهم بالهدايات السماوية التى تهدى الناس إلى ما يسعدهم . . وزودهم - أيضا - بالقوة المادية التى تحمى الحق الذى جاءوا به ونرد كيد الكائدين له فى نحورهم ، وترهب كل من يحاول الاعتداء عليه ، كما قال - تعالى - { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ورحم الله الإِمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه أى وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق ، وعانده بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكة ثلاث عشرة سنة ، تنزل عليه السور المكية ، لبيان أن دين الله حق . فلما قامت الحجة على من خالفه ، شرع الله القتال بعد الهجرة ، حماية للحق ، وأمرهم بضرب رقاب من عاند الحق وكذبه . وقد روى الإِمام أحمد عن ابن عمر قال " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له . وجعل رزقى تحت ظل رمحى ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمرى ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " . ولهذا قال - تعالى - { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } يعنى السلاح كالسيف والحراب . { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } أى فى معايشهم كالفأس والقدوم … وغير ذلك . هذا ، ومن المفسرين الذين فصلوا القول فى منافع الحديد ، وفى بيان لماذا خصه الله - تعالى - بالذكر الإِمام الفخر الرازى فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة ، جعله الله سهل الوجدان ، كثير الوجود . والذهب لما كانت حاجة الناس إليه قليلة ، جعله الله - تعالى - عزيز الوجود . وبهذا تتجلى رحمة الله على عباده ، فإن كل شىء كانت حاجتهم إليه أكثر جعل الحصول عليه أيسر . فالهواء - وهو أعظم ما يحتاج الإِنسان إليه - جعل الله تعالى - الحصول عليه سهلا ميسورا … فعلمنا من ذلك أن كل شىء كانت الحاجة إليه أكثر ، كان وجدانه أسهل . ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله - تعالى - أشد من الحاجة إلى كل شىء ، فنرجوه من فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا ، كما قال الشاعر @ سبحان من خص العزيز بعزة والناس مستغنون عن أجناسه وأذل أنفاس الهواء وكل ذى نفس ، فمحتاج إلى أنفاسه @@ وقوله - سبحانه - { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ … } معطوف على محذوف يدل عليه السياق . والمراد بقوله { وَلِيَعْلَمَ } أى وليظهر علمه - تعالى - للناس ، حتى يشاهدوا آثاره . أى وأنزل - سبحانه - الحديد لكى يستعملوه فى الوجوه التى شرعها الله وليظهر - سبحانه - أثر علمه حتى يشاهد الناس ، من الذى سيتبع الحق منهم ، فينصر دين الله - تعالى - وينصر رسله ، ويستعمل نعمه فيما خلقت له حالة كونه لا يرى الله - تعالى - بعينيه ، وإنما يتبع أمره ، ويؤمن بوحدانيته ووجوده وعلمه وقدرته . . عن طريق ما أوحاه - سبحانه - إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - . فقوله { بِٱلْغَيْبِ } حال من فاعل { يَنصُرُهُ } . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أى أن الله - تعالى - هو المتصف بالقوة التى ليس بعدها قوة وبالعزة التى لا تقاربها عزة . وختمت الآية بهذا الختام ، لأنه هو المناسب لإِرسال الرسل ، ولإِنزال الكتب والحديد الذى فيه بأس شديد ومنافع للناس . فكان هذا الختام تعليل لما قبله . أى لأن الله - تعالى - قوى فى أخذه عزيز فى انتقامه فعل ما فعل من إرسال الرسل ، ومن إنزال الحديد . وقوله - سبحانه - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ … } معطوف على جملة { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } عطف الخاص على العام . أى لقد أرسلنا رسلا كثيرين … وبالله لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم ، وجعلنا فى ذريتهما عددا من الأنبياء ، وأوحينا إليهم كتبنا ، التى تهدى أقوامهم إلى طريق الحق ، كالتوراة التى أنزلناها على موسى ، وكالزبور الذى أنزلناه على داود . وخص - سبحانه - نوحا وإبراهيم - عليهما السلام - بالذكر ، لشهرتهما ولأن جميع الأنبياء من نسلهما . والضمير فى قوله - تعالى - { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أى فمن ذريتهم من اهتدى إلى الدين الحق ، وآمن به ، وقام بأداء تكاليفه . وكثير من أفراد هذه الذرية فاسقون . أى خارجون عن الاهتداء إلى الحق ، منغمسون فى الكفر والضلال . { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } والتقفيه إتباع الرسول برسول آخر يقال قفا فلان آثر فلان … إذا اتبعه ، وقفى على أثره بفلان ، إذا اتبعه إباه … وأصله من القفا وهو مؤخر العنق … فكأن الذى يتبع أثر غيره قد أتاه من جهة قفاه . وضمير الجمع فى قوله { عَلَىٰ آثَارِهِم } يعود إلى نوح وإبراهيم وذريتهما الذين كانت فيهم النبوة والكتاب . أى ثم أرسلنا بعدهم رسولا بعد رسول . حتى انتهينا إلى عيسى - عليه السلام - { وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ } أى أوحيناه إليه ليكون هداية لقومه . قالوا والإِنجيل كلمة يونانية من النجل وهو الأصل ، يقال رحم الله ناجليه ، أى والديه ، وقيل الإِنجيل مأخوذ من نجلت الشىء إذا استخرجته وأظهرته . ويقال للماء الذى يخرج من البئر نجل . وقيل هو من النجل الذى هو سعة العين ، ومنه قولهم طعنة نجلاء ، أى واسعة . وسمى الإِنجيل بهذا الاسم ، لأنه سعة ونور وضياء ، أنزله الله - تعالى - على نبيه عيسى ، ليكون بشارة وهداية لقومه . وأعاد - سبحانه - مع عيسى - عليه السلام - كلمة { قَفَّيْنَا } للإِشعار بأن المسافة التى كانت بين عيسى - عليه السلام - وبين آخر رسول من بنى إسرائيل كانت مسافة طويلة . ثم بين - سبحانه - بعض السمات التى كانت واضحة فى أتباع عيسى فقال { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } . والرأفة اللين وخفض الجناح ، والرحمة . العطف والشفقة . قالوا وعطف الرحمة على الرأفة من باب عطف العام على الخاص ، لأن الرأفة ، رحمة خاصة ، تتعلق بدفع الأذى والضر . أما الرحمة فهى أشمل وأعم ، لأنها عطف وشفقة على كل من كان فى حاجة إليها . و " الرهبانية " معناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان . وهم النصارى المبالغون فى الرهبة والخوف من الله - تعالى - والزهد فى متاع الحياة الدنيا . قال بعض العلماء والرهبانية اسم للحالة التى يكون عليها الراهب متصفا بها فى غالب شئون دينه ، والياء فيها ياء النسبة إلى الراهب على غير قياس ، لأن قياس النسب إلى الراهب الراهبية ، والنون فيها مزيدة للمبالغة فى النسبة ، كما زيدت فى قولهم شعرانى ، لكثير الشعر ، ولحيانى لعظيم اللحية . وقوله - تعالى - { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا … } منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر . أى وابتدعوها رهبانية ابتدعوها ، فهو من باب الاشتغال . ويصح أن يكون معطوفا على قوله { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } وقوله { ٱبتَدَعُوهَا } فى موضع الصفة ، والكلام على حذف مضاف ، أى وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة لهم . وجملة ما كتبناها عليهم ، مستأنفة مبينة لجملة { ٱبتَدَعُوهَا } . والاستثناء فى قوله { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } منقطع . والضمير فى قوله { فَمَا رَعَوْهَا } يعود لهؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية . والمعنى ثم أتبعنا كل رسول من ذرية نوح وإبراهيم برسول آخر ، حتى انتهينا إلى عيسى - عليه السلام - فأرسلناه إلى بنى إسرائيل وآتيناه الإِنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه وآمنوا به { رَأْفَةً } أى لينا وخفض جناح { وَرَحْمَةً } أى شفقة وعطفا ، وحب رهبانية مبتدعة منهم ، أى هم الذين ابتدعوها واخترعوها واختاروها لأنفسهم ، زهداً فى متاع الحياة الدنيا . ونحن ما كتبنا هذه الرهبانية ، وإنما هم الذين ابتدعوها من أجل أن يرضى الله عنهم { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أى ولكنهم بمرور الأيام ، لم يحافظ كثير منهم على ما تقتضيه هذه الرهبانية من زهد وتقى وعفاف … بل صارت طقوسا خالية من العبادة الصحيحة ، ولم يصبر على تكاليفها إلا عدد قليل منهم . ولذا ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . أى أما الذين استمروا على اتباعهم لعيسى - عليه السلام - وعلى الإِيمان بالحق إيمانا صحيحا خاليا مما يفسده … فقد أعطيناهم أجورهم الطيبة كاملة غير منقوصة . وأما الذين بدلوا ما جاء به عيسى - عليه السلام - حيث كفروا به وقالوا الله ثالث ثلاثة ، أو قالوا المسيح ابن الله فسيلقون ما يستحقونه من عقاب . وقوله { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } يدل على أن الذين خرجوا عن الدين الحق الذى جاء به عيسى - عليه السلام - وفسقوا عن أمر ربهم … أكثر من الذين آمنوا به إيمانا صحيحا . قال الإِمام ابن جرير واختلف أهل التأويل فى الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها . فقال بعضهم هم الذين ابتدعوها ، ولم يقوموا بها ، ولكنهم بدلوا وخالفوا دين الله الذى بعث به عيسى ، فتنصروا وتهودوا . وقال آخرون بل هم قوم جاءوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حق رعايتها ، لأنهم كانوا كفارا … فهم الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها . وأولى الأقوال فى ذلك بالصحة أن يقال إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها ، بعض الطوائف التى ابتدعتها ، وذلك لأن الله - تعالى - قد أخبر أنه أتى الذين آمنوا منهم أجرهم ، فدل ذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها . وكثير منهم - أى من الذين ابتدعوا الرهبانية - أهل معاص ، وخروج عن طاعة الله - تعالى - وعن الإِيمان به . وقال الإِمام الآلوسى ما ملخصه وقوله - تعالى - { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } جملة مستأنفة . وقوله - سبحانه - { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } استثناء منقطع ، أى ما فرضناها نحن عليهم رأسا ، ولكن ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ابتغاء رضوان الله . وقوله - تعالى - { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أى ما حافظوا عليها حق المحافظة ، ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر ، وهو عهد مع الله - تعالى - يجب رعايته ، لا سيما إذا قصد به رضاه - عز وجل . وجائز أن يكون الاستثناء متصلا من أعم العلل . أى ما قضيناها عليهم لشىء من الأشياء ، إلا ليبتغوا بها رضوان الله ، ويستحقوا بها الثواب ، ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها … إلا أنهم لم يحافظوا عليها ، ولم يرعوها حق رعايتها . والفرق بين الوجهين أن الأول يقتضى أنهم لم يؤمروا بها أصلا ، وأن الثانى يقتضى أنهم أمروا بها ، لابتغاء رضوان الله ، فما رعوها حق رعايتها . والظاهر أن الضمير فى قوله { فَمَا رَعَوْهَا } يعود لأولئك الذين ابتدعوا الرهبانية ، والمراد نفى وقوع الرعاية من جميعهم ، أى فما رعاها كلهم بل بعضهم . فالآية الكريمة تثنى على الذين أحسنوا اتباع عيسى - عليه السلام - فطهروا أرواحهم من كل دنس ، وزهدوا فى متع الحياة الدنيا … وتذم الذين بدلوا ما جاء به عيسى - عليه السلام - وقالوا الأقوال الباطلة فى شأنه ، وفعلوا الأفعال القبيحة التى تغضب الله - تعالى - ثم ختم - سحبانه - السورة الكريمة بهذا النداء للؤمنين فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ … } .